28 - 06 - 2024

قصة "مقبرة الخواجات" في جدة ولماذا استفز الهجوم عليها عواصم أوربية مهمة؟

قصة

هجوم بعبوة ناسفة استهدفت الحاضرين في مقبرة لغير المسلمين في مدينة جدة غرب السعودية، دفعت الكثيرين لتقليب صفحات التاريخ لمعرفة أصل "مقبرة الخواجات"

إمارة مكة المكرمة تقول أن الجهات الأمنية بدأت التحقيق في حادثة اعتداء وقعت أثناء إحياء الذكرى السنوية الثانية بعد المئة لهدنة 11 نوفمبر عام 1918، التي أنهت الحرب العالمية الأولى بحضور عدد من القناصل، نتج عنها إصابة أحد موظفي القنصلية اليونانية ورجل أمن سعودي بإصابتين طفيفتين، بعدها ضرب الأمن طوقا، وشدد إجراءاته حول المقبرة.

وقالت الخارجية الفرنسية، في بيان لها، "تدين السفارات التي كانت تشارك في مراسم الذكرى هذا الهجوم الجبان وغير المبرر على الإطلاق"، داعيةً السلطات السعودية إلى" إلقاء أكبر قدر ممكن من الضوء على هذا الهجوم وتحديد الجناة وملاحقتهم".

البداية تعود إلى خمسة قرون مضت، حيث سكنت جالية مسيحية أصلها من اليونان مدينة جدة في العصر المملوكي،في ذلك الوقت كان يفرض على أفراد هذه الجالية ارتداء لباس وزي معيّن يميزهم عن المسلمين، لمنعهم الاقتراب من مدينة مكة المكرمة لأسباب دينية، ولكن مع قدوم العثمانيين للحجاز، اختلف الوضع، وباتوا يستطيعون دفن موتاهم في جدة، داخل هذه المقبرة.

فوفق موقع "سورس" السعودي، الناشر باللغة الإنكليزية، يعود تاريخ المقبرة إلى عام 1520 ميلادية، فخلال عهد الدولة العثمانية دفن داخل المقبرة جنود برتغاليون كانوا يحاصرون مدينة جدة، كما دفن جثث لبعض الجنود البريطانيين أثناء الحرب العالمية الثانية.

ويقول رئيس قسم الثقافة والسياحة بأمانة جدة، سامي نوار قوله إنّ "البرتغاليين القتلى دفنوا في المقبرة بسبب صعوبات في نقل الجثث إلى أيبيريا عن طريق البحر"، مشيراً إلى أنّ "جدة كانت هدفاً للبرتغاليين لأنها كانت مركزاً تجارياً مهماً في العالم الإسلامي". 

وتتحمل قنصليات الدول الغربية مسؤولية الإشراف على المقبرة، في الوقت الحالي، لكن أي دفن جديد يتطلب إذناً من أمانة جدة، ويطلق عليها مقبرة النصارى أو مقبرة الخواجات، كما يُسمى الشارع المؤدي للمقبرة شارع مقبرة الخواجات 81.

تاريخيًا ارتبطت جدة بالمسيحيين، بحسب ما يورد الرحالة والمؤرخون في كتبهم، إذ تذكر هذه الكتب أن جالية مسيحية صغيرة، أغلبها من أصل يوناني، كانت تعيش في جدة، وتشير الكتب إلى أن عدد المسيحيين الموجودين في مدينة جدة في عام 1274م كان 100 شخص تقريبًا. يشير الرحالة الفرنسي ديديه خلال زيارته جدة عام 1854م إلى تلك المقبرة: «إذ لم يكن يسمح بدفن المسيحيين بجدة شأن مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكان يتم دفنهم في إحدى الجزر الصغيرة خارج جدة».

في عام 2018 تم الاحتفال بالذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى في المقبرة من قبل ممثلي القنصليات الأجنبية في جدة الذين وضعوا أكاليل الزهور على مقابر هوجان ولابادو هارج.

وتحاط المقبرة بسور مرتفع، مساحته تقترب من الألف متر مربع، وفي داخلها تصطف مئات القبور، التي تعلوها شواهد من المرمر، حفرت عليها أسماء وتواريخ، وكثير منها محاط بالورود. المقبرة منظمة بحسب الأعمار فالأطفال يأخذون جانبًا، والكبار يدفنون في جانب آخر تماما. إجراءات الدفن لا تختلف كثيرًا عن تلك المتبعة في مقابر المسلمين، فعلى ذوي المتوفى أن يحضروا شهادة الوفاة وتصريح الدفن من السفارة التي يتبع لها. أي مسيحي يتوفى داخل السعودية ولا يرغب ذووه في نقله إلى بلاده يُجلب إلى هذه المقبرة، يروي حارس المقبرة أن كل أربعة أو ستة أشهر يدفن في المقبرة عدد يتراوح بين اثنين وثلاثة مسيحيين معظمهم من الجنسية الفلبينية والهندية، بالإضافة لوجود جثامين لجنسيتين عربيتين هما السودانية واللبنانية.

في داخل المقبرة توجد شواهد لقبور موتى قضوا في الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال هناك قبر لجندي بريطاني مجهول الهوية قُتل في الحرب العالمية الثانية، وعند زيارة أي قنصل بريطاني أو غربي للمقبرة فلا بد أن يضعوا على هذا القبر الأكاليل، وتضم المقبرة أيضا جثة أسترالي دفن عام 1885م، وألماني دفن هو الآخر عام 1912م بحسب الشواهد الموضوعة على قبريهما. 

تشرف على المقبرة عدة قنصليات أجنبية في جدة ومنها القنصلية الأمريكية والقنصلية البريطانية والقنصلية الفرنسية والقنصلية الإثيوبية حيث تتناوب تلك القنصليات بشكل دوري سنوي على الاهتمام بالمقبرة وتشجيرها وتعيين حارس لها ودفع مرتبه الشهري. 

وإجراءات الدفن بها تتطلب من أهل الميت شهادة وفاة من المستشفى، وبعدها يتم سداد رسوم الدفن ومقدارها 2500 ريال، ومن ثم يتم منحهم تصريح من القنصلية التي عليها مهمة الإشراف السنوي، إضافة إلى تصريح من القنصلية التي يتبع لها المتوفى. في حال إذا كان المتوفى بالغًا فإن ذويه يدفعون عنه 2500 ريال، بالإضافة إلى 500 ريال هي رسوم حجر الرخام (الشاهد) الذي يوضع على القبر، على أن يكون من النوع الفاخر، ومنقوشًا عليه اسم الميت وجنسيته وتاريخ وفاته، أما إذا لم يكن المتوفى بالغًا فيكتفى بدفع 500 ريال، بعد ذلك يقوم أهل الميت بوضعه في القبر سواء في غطاء معين أو في صندوق خاص تابوت. والوقت الرسمي لدفن الموتى هو من الصباح وحتى غروب الشمس، أما زيارة الموتى فتأتي في أي وقت من أوقات اليوم، ويصطحب الزوار معهم عادة إكليلًا من الزهور أو باقة من الورد وأحيانًا الشموع، ويطلبون من الحارس أن يضعها على قبور موتاهم.

كانت المقبرة في حالة سيئة منذ عشرينيات القرن الماضي، فتم تشكيل لجنة في أوائل التسعينيات من قبل القنصليات المحلية والتعاقد مع شركة اختارتها القنصلية الألمانية لتجديد المقبرة في عام 1995. بلغت تكلفة الترميم 350 ألف ريال وتم تمويلها من القنصلية المحلية وتبرعات من الشركات والأفراد.

تم تسوية المقبرة وإعادة طلاء الجدار وترميمه. كما تم تنظيف القبور التذكارية واستبدال علامات القبور الخرسانية القديمة بشواهد القبور الرخامية. نُقلت علامات القبور ذات الأهمية التاريخية مقابل الجدار الغربي للمقبرة لتوسيع المساحة. أيضًا زرعت النباتات بما في ذلك الأشجار والكروم. وفي عام 2000، تقدمت القنصلية الهولندية، نيابة عن اللجنة القنصلية، بطلب إلى وزارة الخارجية السعودية للحصول على قطعة أرض جديدة للدفن.






اعلان