29 - 06 - 2024

حكايتي مع اللواء طنطاوي وعصابة الحزب الوطني.. ملحمة الجبل الشرقي في سوهاج (3-10)

حكايتي مع اللواء طنطاوي وعصابة الحزب الوطني.. ملحمة الجبل الشرقي في سوهاج (3-10)

*عندما أيقظتُ المحافظ في منتصف الليل.. وجمال الغيطاني يصفه بأنه "فرعون جديد"

تغير وجه الحياة في سوهاج تماماً نتيجة الطفرة التنموية التي أحدثها طنطاوي في كافة المجالات، وتدفقت عليها الإعتمادات الحكومية والمنح والمساعدات الدولية نظراً للثقة المطلقة في إنجازات المحافظ وإخلاصه ونزاهته، فضلاً عن الحملة الإعلامية المكثفة التي كان لي شرف المساهمة فيها بدور رئيسي.. فلم يقتصر نشاط المحافظ على ملحمة الجبل الشرقي، بل بدأ حملة واسعة للنظافة والتشجير وتجميل شوارع المحافظة وتجديدها، كما خصص مساحة على الضفة الشرقية للنيل ليقام عليها متحف سوهاج القومي (ظل المشروع متعثراً بعد طنطاوي ولم يُفتتح إلا في العام الماضي فقط؟!!).. وشملت إنجازاته في المجال الثقافي أيضاً إستكمال الحفريات في معبد "مريت آمون" وسط مدينة أخميم والذي كان مدفوناً تحت جبانة المسلمين (يوجد به تمثال جميلة الجميلات مريت آمون "أي حبيبة الملك آمون، وهو أكبر وأجمل تمثال لإمرأة من عصر الفراعنة>

(مريت آمون أو موناليزا مصر)

كما يوجد به أيضاً أكبر تمثال في مصر على الإطلاق للملك العظيم رمسيس الثاني والد مريت آمون)، وكانت أعمال التنقيب متعثرة لأن أحداً لم يجرؤ على مجرد الحديث عن نقل الجبانة الى مكان آخر لاستكمال اكتشاف المعبد الأثري الذي لا يقل أهمية عن معبد الكرنك.. ولكن طنطاوي استطاع تحقيق المُعجزة معتمداً على حب الناس له وثقتهم فيه.. فقد إستدعى كبار عائلات أخميم وعلى رأسهم كبير عائلة الشريف المرحوم قدري الشريف الذي خرج من لقاء المحافظ ليعلن أمام الجميع "هذا المحافظ جاء ليخدمنا ويطور بلدنا ولازم نساعده، وأنا أول واحد هنقل قبر أبوي الى الجبانة الجديدة"!!.. انهار جبل الرفض وبدأ الجميع يستعدون لنقل رفات المتوفين من ذويهم الى الجبانة الجديدة.. وكان طنطاوي الذي اعتاد أن يخطط لكل أمر مسبقاً ولا يترك شيئاً للصدفة، قد خصص مساحة كبيرة في الجبل بمنطقة الحواويش الى الشرق من أخميم لتكون جبانة بديلة، وبعد أن تم تمهيدها وتقسيمها، وُزِعَت بالعدل ومجاناً على عائلات أخميم .. ولم يكتفِ طنطاوي بوعود وتعهدات الأهالي بل إنه فور إنتهاء لقائه بكبار العائلات، إتخذ قراراً جريئاً بحظر الدفن في الجبانة القديمة نهائياً، ثم أبلغ وزارة الثقافة وهيئة الآثار لإستكمال أعمال اكتشاف المعبد!!.. وكان من الطبيعي أن تسفر جهود التنمية الشاملة في سوهاج عن ارتفاع معدل التشغيل وانحسار البطالة إلى حد كبير، إذ تم تشغيل عدد كبير من الشباب في مشروعات النظافة والتجميل بالمحافظة، كما فتحت المشروعات الإنشائية في مدينة الكوثر أبواب الرزق الحلال أمام آلاف العاطلين من أبناء المحافظة.. وكان من الطبيعي أن تتناقص معدلات الجريمة بشكل ملحوظ، وأن تعود الطيور المهاجرة من رجال الأعمال السوهاجيين للاستثمار في مسقط رأسهم، وبالتحديد في المنطقة الصناعية بمدينة الكوثر.

(جمال الغيطاني وصف طنطاوي بفرعون جديد)

ولكن أهم ما أنجزه طنطاوي، الذي وصفه ابن سوهاج الكاتب الصحفي والأديب العالمي جمال الغيطاني بأنه "فرعون جديد" لأن ما استحدثه من بناء وعمران في صحراء الصعيد لم يحدث مثيل له منذ عهد الفراعين، كان تهميش قيادات الحزب الوطني والقضاء على الرشوة والفساد، وحل كل مشاكل المواطنين حيث خصص يوم الثلاثاء من كل اسبوع ليلتقي بالمواطنين دون حواجز أو قيود.. وكان الكثيرون من أبناء سوهاج يلجأون الى كاتب هذه السطور لتوصيل صوتهم الى المحافظ (حيث عرف الجميع علاقتي الوثيقة به) إذا ضاقت بهم السبل ولم يتمكنوا من الوصول الى مكتبه.. ولم يكن من الممكن أن أتوانى عن  فعل أي شيء في أي وقت لإنصاف مظلوم أو صاحب حق ضائع.

وذات ليلة، أيقظني محام من أخميم من النوم وقال معتذراً إنه اضطر لذلك لأن هناك جريمة في حق مواطن بسيط سيرتكبها في الصباح التالي أمين عام الحزب الوطني بالتواطؤ مع مأمور مركز دار السلام (العميد أ. ع.) وعمدة قرية اولاد الشيخ شرق التابعة للمركز وأمين الحزب الوطني بالمركز (ف.ر.) ،حيث خططوا لإنتزاع مساحة فدانين من فلاح معدم بالقرية اسمه حمد الله، كان قد استصلحها في الصحراء بمجهوده هو وأولاده وأبناء أخيه اليتامى وكانت هذه المساحة هى مصدر رزقهم الوحيد.. وقال ثلاثتهم إنهم سينتزعون أرض حمد الله لكي يقيموا عليها مركزاً للشباب، رغم أن الصحراء مترامية بلا حدود حول هذه المساحة، ولكن قيل إن العمدة خشى من أن يمتلك حمد الله فدانين فيطمع في "العمودية"!!.

أبلغني المحامي بأن "هذه العصابة ستقابل المحافظ صباح الغد لتحصل على توقيعه النهائي على نزع ملكية الأرض لإقامة مركز للشباب عليها!!".. انتهت المكالمة مع انتصاف الليل، وكنتُ أعرف ان المحافظ ينام مبكراً ولكني لم أتردد في إيقاظه في ذلك الوقت المتأخر جداً.. انزعج الرجل وبادرني "خير يا استاذ أحمد..في حاجة خطيرة لا سمح الله"، ووجدت نفسي أنفجر دون مقدمات أو إعتذار واجب عن الإتصال المتأخر "شوف يا سيادة المحافظ علاقتي بيك كلها كوم والجريمة اللي هتحصل بكره كوم تاني.. انت عارف إني على مدى علاقتي بيك لم أطلب أي خدمة شخصية لي أو لأي حد من ناسي وقرايبي، لكن لما يكون اللي هيتظلم واحد غلبان ما ليهوش ضهر واللي هيظلمه أمين الحزب الوطني والمأمور وده يحصل في عهدك انت، فدا هيكون آخر العلاقة بيننا".. قلتُ ذلك بعصبية واندفاع وصوت مرتفع فقاطعني الرجل منزعجا "إيه بس فيه يا استاذ أحمد ..إهدى بس واحكي لي".. وما كدتُ أنتهي من الحكاية حتى انتقل غضبي اليه وقال مغتاظاً: "إزاي يحصل ده من ورايا وازاي انتو ساكتين لغاية دلوقتي"، فأجبته "انا لم اعرف هذه الحكاية إلا من دقائق واضطريت اتصل بيك في الوقت ده عشان تلحق توقف الجريمة دي".. وبعد أن سكت لبضع ثوان قال لي: "طيب خلي المحامي يجيلي المكتب الصبح مع الراجل الغلبان اللي عايزين ياخدوا أرضه".. وقد كان، وحدثت مواجهة نارية صاخبة في مكتب المحافظ في اليوم التالي حيث صاح الرجل بأعلى صوته قائلا: "انا مش طرطور هنا عشان يحصل كل ده من ورا ضهري"، وبعد أن مسح بكرامة عصابة الثلاثة الأرض، ألغى كل القرارات التي كانوا اتخذوها وأعاد الفدانين الى حمد الله منتصراً للحق والعدل والغلابة وهى القصة التي نشرتها صحيفة "أخبار اليوم" في صدر صفحتها الأولى مع صورة حمد الله شاهراً فأسه، بعد ذلك بعدة شهور!.

(زيارة الصحفيين لمعبد ميريت آمون)

كان من الطبيعي بعد هذا الموقف وغيره كثير أن يتحول العبد لله إلى العدو رقم واحد لأمين عام الحزب الوطني وكل أذرعه من الفاسدين والمرتشين، وكان من المنطقي والمتوقع أن يتآمروا ويخططوا ليل نهار لإبعادي عن المحافظ والوقيعة بيننا، وإلا فإن نفوذهم ومصالحهم ومستقبلهم في خطر، خاصة وأن المحافظ كان قوياً جداً وصاحب نفوذ وسطوة في دوائر السياسة العليا، ناهيك عن دعم رئيس الجمهورية له وإشادته به علناً أكثر من مرة..وجاءت كارثة سيول عام 1994 لتكون نقطة تحول دراماتيكية فارقة وفاصلة في تاريخ محافظة سوهاج وفي تاريخ طنطاوي وعلاقتي به؟!..
--------------------------
بقلم: أحمد طه النقر

اقرأ أيضا

الحلقة الأولى

الحلقة الثانية 


مقالات اخرى للكاتب

في وداع





اعلان