17 - 07 - 2024

البدري فرغلي .. حين يرحل "فقيد الضمير الجمعي" هكذا ينعيه مثقفو مصر وكتابها

البدري فرغلي .. حين يرحل

 رحل اليوم عن عالمنا البدرى فرغلى عضو مجلس الشعب السابق عن محافظة بورسعيد ورئيس الإتحاد العام لأصحاب المعاشات ، بعد حياة حافلة. 

انتخب البدرى فرغلى نائبا بمجلس الشعب عن حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي لأكثر من دورة برلمانية وكان له رصيد كبير من الاستجوابات والأسئلة تحت القبة، تاركا علامة بارزة في الحياة البرلمانية، كما شغل منصب رئيس النقابة العامة لأصحاب المعاشات وخاض معارك كبيرة مع وزارة التضامن الإجتماعى ودافع عن قضايا أصحاب المعاشات لسنوات عديدة حتى حصل على حقوقهم كاملة.

فكيف نعاه المثقفون والأدباء والكتاب؟

* انطوت اليوم صفحة ناصعة من تاريخ مصر السياسي والاجتماعي برحيل البدري فرغلي، المناضل الذي عاش حياته من أجل البسطاء. كف بصره، لكنه لم يفقد البصيرة أبدا، وهو يدافع عن الغلابة، مرة عن العمال، وأخرى عن أصحاب المعاشات، ومرات عن الناس جميعا في شوقهم إلى العدل والكفاية والحرية. كان حضوره البهي يؤكد لي دوما أن في مصر رجالا وطنيين شجعانا، لا يضرهم من خالفهم، وطالما كان بيننا حديث لم ينقطع عما يجب أن نفعل، وها هو قد ذهب وتركنا على الطريق، نستعيد صوته الأجش العميق الواثق يدافع عن كل جميل ونبيل في حياتنا.(د.عمار علي حسن – الروائي والباحث في علم الاجتماع السياسي)

* عرفت البدري فرغلي عن قرب منذ منتصف الثمانينات، ولم يكن يفارقني خلال أي جولة صحفية لي في بورسعيد، كان عاملا بسيطا في الشحن والتفريغ، يركب الدراجة ويجلس على مقهي العربجية، ويتميز بأسلوبه المرح الذي يجمع بين النقد والسخرية والنكتة، ومع أنه لم يحمل إلا الشهادة الإبتدائية إلا أنه كان واسع الإطلاع، وشغوف بالمعرفة، وكانت شخصيته الساخرة والنقدية المحببة وراء الشعبية التي لازمته طوال حياته، فمن رئاسة نقابة عمال الشحن والتفريغ إلى عضوية المجلس المحلي لمحافظة بورسعيد، إلى نائب لخمس دورات في مجلس الشعب، ليصبح النجم المتألق في استجواباته للوزاء، والتي كانت ترجف الحزب الوطني والحكومة، لأن البدري كان سريع البديهة، يتمتع بخفة ظل مع شعور بقوة الحق، يعززها أنه نظيف الذمة، لا يسعى لمكسب شخصي ولا يساوم، وهو ما كان وراء خلافاته الكثيرة مع النظام وحزب التجمع، باعتباره نائب مشاغب، لا يكف عن إثارة المشاكل، لكنه بفضل صلابته ومهارته وانتمائه الدائم للعمال وكل الغلابة، أصبح ظاهرة ونموذج للنقابي والبرلماني القادر على إيصال صوت المظلومين، خصوصا أصحاب المعاشات الذي حمل قضيتهم في السنوات الأخيرة، وأصبح يحمل إسم "نائب الغلابة". لقد فقدت بورسعيد ومصر وأصحاب المعاشات رمزا ومناضلا متميزا، وأنا فقدت صديقا كنت ألعب معه بنج بونج، وأجلس معه على قهوة العربجية نتناول سندوتشات الفول، ونتشارك في كتابة تحقيقات صحفية تناولت مشاكل بورسعيد وبحيرة المنزلة والكثير من القضايا، وتوطدت علاقتنا عندما كنت محررا برلمانيا، وكنا معا كلما كان يعد أحد إستجواباته أو بياناته العاجلة ومداخلاته، وسيظل البدري فرغلي يلازمني بذكريات لا تنسى .. تصحب روحك السلامة يا نصير الغلابة. (مصطفى السعيد – الكاتب بالأهرام)

* عرفت النائب البرلماني الفذ البدري فرغلي وقت أن كنت مندوبا لجريدة العربي في مجلسي الشعب والشوري لسنوات بدأت عام 1994.. كان نجما برلمانيا من خلال استجواباته الشهيرة التي تميز فيها بحس سياسي وشعبي فريد، كنا كصحفيين ننتظره بشوق ولهفة وقت استجواباته، لأنها توفر لنا مادة صحفية خصبة، كما أنها تنفس عنا في هجومه علي الحكومة، والأهم أنها تسعدنا لخفة دمه أثناء عرضها، وكثيرا ما كنا نشاهد الدكتور فتحي سرور رئيس المجلس يداري وجهه من الضحك خلالها. 

لا أنسي في أحد الاستجوابات وكانت عن إهمال الحكومة لمدينته بورسعيد كمنطقة تجارة حرة، أن كمال الشاذلي وزير الدولة لشئون مجلسي الشعب والشوري رد عليه بطريقته الإنشائية، وفي تعقيب البدري عليه قال:"هي الحكومة بعت وزير بلا حقيبة يرد علي، لاعنده معلومة ولاغيره"، فضحك كثير من النواب لكنهم أخفوا  ضحكاتهم خوفا من الشاذلي الذي بدا مغتاظا ، وكان الصديق حازم منير مندوبا عن"الأهالي"ويجلس بجواري في شرفة الصحافة، فاتفقنا أن نسرع بعد انتهاء الجلسة إلي البدري لنعرف رد فعل الشاذلي نحوه.

ذهبنا إليه بالفعل، وبعد دقائق فوجئنا بقدوم الشاذلي ناحيته،قائلا وهو يضغط علي حروفه :"بقي أنا يابدري وزير بلا حقيبة؟"، وبخفة دم وسرعة بديهة رد البدري :"متزعلش ياسيادة الوزير، أنا والنية لله هجيب لك أحسن حقيبة من بورسعيد المرة اللي جيه"..اضطر الشاذلي إلي مجاراته ضاحكا:" إياك يابدري متجيبهاش، ياويلك".

أذكر أنه وأمام كثرة استجواباته، انتقده البعض بأن الاستسهال يغلب عليها، ولهذا لاتؤثر في موقف الحكومة أمام النواب، وتوالت الانتقادات عليه حتي أنني ظننته سيتاثر ، فسألته في جلسة معه في بهو المجلس عن ذلك، فرد: "تفتكر يعني أنا أوغيري من النواب هيقدر يقيل الحكومة من أي استجواب مهما كانت قوته، دي حكومات جلدها ،ونواب حزبها"الوطني" جلدهم تخين ، ولأني عارف وفاهم ده عيني بتبقي علي الناس، هدفي إن الناس تسمعني ، وبلاقيها فرصة أفضح فيها سياسات الحكومة".(كانت الجلسات تذاع تسجيلا)

وبالفعل كان بعيد النظر في هذا الأمر ، أذكر مرة كنت خارجا معه من المجلس من البوابة المواجهة لمجمع التحرير، وتصادف أن السيارات كانت متوقفة بسبب إشارة المرور ، ورأيت بنفسي ناس تناديه من سياراتهم :" أستاذ بدري"، بعضهم يدعو له، وبعضهم يشير بأصابعه إعجابا، وهو يرد بمحبة.. بدا وقتها أمامي مثل نجوم السينما.

بعد مجلس الشعب بقي كما هو مناضلا صلبا يعيش لبسطاء الناس الذي أخلص لهم طوال عمره، وكانت معركته من أجل رفع المعاشات نموذجا علي ذلك ..رحمه الله وغفر له.(سعيد الشحات – الكاتب الصحفي ورئيس التحرير التنفيذي لصحيفة اليوم السابع)

* مصر كلها اليوم تعزي نفسها في البدري.فرغلي ...لم يكن الانحياز للناس عنده سطور في كتاب يقرأ ...وانما حركة في الشارع ..الناس في الشارع ..والظلم في الشارع ..والموقف في الشارع ... اختار في شبابه ..الدفاع عن العمال صانعي الحياة ..واختار في تقاعده ..الدفاع عن مهمشي المهمشين...ممن اصبحوا لايملكوا حتى قدرة المنازلة في سوق العمل او المفاوضة على اجور : اصحاب المعاشات .  نال اكبر وسام يحصل عليه  مناضل شعبي ..وهو ان اصبح الفقراء في الاحياء والنجوع يعرفون اسمه...واصبحت النساء والعجائز تحكي عن علاوة البدري فرغلي ...وظل يناضل حتى اللحظة الاخيرة. يظل اسمه محفورا في وجدان شعب لا ينسى من احبوه .(الكاتب الصحفي اليساري خالد محمود)

* إنسان نبيل ، ونقابي عتيد، وبرلماني قدير، ومناضل صلب، عاش حياته بين الناس وللناس، انحاز دائماً لقضايا أمته وهموم الغلابة، وظل يناضل من أجلهم ختى ساعته الأخيرة، رحل رجل المواقف ، فقدناه في وقت نحن في أشد الحاجة إلى أمثاله، عمنا الكبير البدري فرغلي سلاماً لروحك من قلوب كل محبيك، غفر الله لك وأسبغ عليك رحماته وجعلك في عليين. (الكاتب الناصري محمد حماد)

* ورحل نصير الفقراء وأرباب المعاشات وملح الأرض. كف بصره وظل بصيرا حتي النهاية. (الكاتبة الصحفية خيرية شعلان)

* رحيل البدري فرغلي .. رمز للقائد الشعبي الطبيعي .. انحيازاته كانت محجوزة مقدما للفقراء و البسطاء .. و مواقفه الوطنية حسمتها دائما حسبة الضمير . تغمده الله برحمته و عوضنا عنه خيرًا (يحيى قلاش – نقيب الصحفيين السابق)

* تعجز الكلمات عن أن توفيه حقه أو أن ترثيه بما يليق بنضاله وثوريته. رحل الذي لم يكن يوما جبانا (د. أحمد الصاوي – الكاتب وأستاذ الآثار بجامعة القاهرة)

* حين نودع باب القلعة.. فى رحلتنا لملاقاة الموت.. سنلقى آخر نظرات فوق مدينتنا.. ونقول لها: فى ارجاءك يابلدتنا لم نستمتع بالضحكات..لكنا قدمنا مانملك.. كى نمنحك الفرحة.. كى تمضى نحو المستقبل فى خطوات متصلة.. نتركك اليوم بقلب راض.. فى فمنا طعم الخبز المختلط بعرق الكدح وبانفسنا الحسرة لفراق ضياءك. هانحن اتينا ومضينا.. فلتبق فى فرح يابلدة( مصر) وداعا لرفيق النضال البدرى فرغلى (الكاتب الصحفي حميد مجاهد)

* في سنة 2010 ومع توقف البديل اليومي في إصداره الأول، اتقفلت في وشي كل فرص العمل لأكتر من سنة، لغاية ما قررت اني أرجع البديل الكتروني، قررت أنا وزوجتي نفيسة الصباغ نفتش في البلد اللي بتقفل في وشنا وقتها عن مساحات مختلفة للأمل،  نستمد منها القوة على الاستمرار ونواجه أي محاولة لفرض اليأس علينا .. اخترنا في الوقت دا نلف مدن القناة ندور على الباقيين من أبطال المقاومة الشعبية، نوثق حكاياتهم، واللي كانت حكاياتهم بوابة حياة جديدة بالنسبة لنا.  في الوقت دا سمعت حكايات كتيرة عن فدائيين، وأبطال لسه قادرين يحلموا ويكملوا رغم النكران والجحود اللي دولة مبارك اتعاملت به معاهم.. ضمن أسماء كتيير زي عم عبد المنعم قناوي وغيره من فدائيي سيناء، كانت أول مرة أسمع حكاية الفدائي البدري فرغلي، البدري لغاية اللحظة دي كان بالنسبة لي النائب العمالي الشجاع والمثابر وصاحب الاستجوابات القوية اللي اتعرفت عليه وقت شغلي كسكرتير تحرير لمجلة اليسار، وشفته في التجمع وهو بيحضر استجواباته وبيتمرن عليها وقدامه عدد لا نهائي من فناجين القهوة والحاجات الساقعة، وشفته وهو مصر على موقفه ورافض الضغوط اللي اتعرض لها عشان يتراجع عن استجوابه ضد وزير الثقافة وقتها، اللي كان جانب من مطبوعات وزارته بيتم طباعتها في مطبعة الأمل (ودي حكاية تانية) 

في بورسعيد اتعرفت على البدري الفدائي وسمعت حكايته عن إزاي انخرط في المقاومة الشعبية، وعمره 20 سنة، بعد سنة من انخراطه ضمن مجموعات يسارية اتعرف عليها في السجن، ودوره هو وأبطال المقاومة في إعادة ترميم  ممرات الطيران بمطار شاوة، بعد اسرائيل ما ضربت المطار بقذائف بتزرع ألغام على الممرات، في الوقت دا كان البدري ضمن المجموعة المكلفة بالترميم، وسمعت حكاياته عن ازاي كانوا بيتعاملوامع الالغام وبيشيلوها من ممرات الطيران بإيديهم  وبأدوات بدائية عشان المطار يرجع يشتغل من جديد رغم المخاطر الشديدة اللي كانوا بيتعرضوا لها بس كان حلمهم الوحيد ازاي يردوا القلم لاسرائيل.. البدري يومها حكى عن زملاته أكتر مما حكى عن نفسه، ومن يومها عرفت السر ورا قوة البدري وإصراره لغاية آخر نفس وبعزيمة فدائي انه يستمر في الدفاع عن الغلابة والبسطاء، وبنفس عزيمة الفدائي اللي كان بيشيل الألغام بإيديه المجردة، ويفتح ممرات للطيران عشان يرجع، كان بيفتح ممرات في حياتنا السياسية مهما الدنيا قفلت. لغاية ما عمل واحدة من أهم التجارب النضالية في الدفاع عن الحقوق وهي تجربته في اتحاد اصحاب المعاشات واللي خاض معاهم معركة الدفاع عن حقهم في حياة كريمة لآخر دقيقة من حياته. الله يرحمك يا عم بدري.. هتفضل حياتك وإصراراك وتجربتك في الدفاع عن الناس مهما الدنيا قفلت ملهمة لأي حد وخصوصا في فترات اليأس والهزيمة. رحم الله الفدائي والمقاتل البدري فرغلي اللي ترك لنا تجربة نموذج في الصمود والمثابرة وفي كيفية خوض المعارك مهما كانت الآلام والعقبات. (خالد البلشي – الكاتب الصحفي ووكيل نقابة الصحفيين السابق)

* رحم الله المناضل المحترم والشريف الأستاذ البدري فرغلي نائب الشعب حقاً وصدقاً ، والذي نذر حياته للدفاع عن المظلومين والمقهورين ، لم تلوثه سلطة ، ولم ينفصل يوماً عن هموم البسطاء الذي عاش منهم ولهم . اللهم إرضي عنه رضاءً يسعد به ، وأرحمه رحمة واسعة بقدر جهاده وسعيه في خدمة البسطاء والمقهورين . خالص العزاء لكل محبيه وأهله . (د. جابر جاد نصار – رئيس جامعة القاهرة السابق)

* رحل العامل البسيط نصير الغلابه والفقراء والمهمشين وأبناء السبيل ونائب الشعب الحقيقى لأهل بورسعيد الذين قدروه وأحبوه.. كانت جلساته ولقاءاته على القهاوى والأرصفة.. هو واحد مننا وتحدى الحكومه دفاعا عن الغلابة.. كان صوته تحت قبه البرلمان مجلجلا بالحق ودون سواه وكان يصول ويجول بأسئلته وإستجواباته ولم ترهبه سلطة أو نفوذ لأنه لم يكن بالنائب الفلفوص أو الننوس! لم ينهب أو يسرق ويستولى على الأراضى لأنه كان النائب الشعبى والبسيط والراضى بحياته البسيطة ولذلك أحبه البسطاء وقدروه وإحترمته السلطة وكان البعبع للفسدة والفاسدين، فكانوا يحاربوه فلم يخشاهم! هو من أسعد الملايين الآن من أصحاب المعاشات وحصل على الأحكام رغم أنف الحكومه التى أرغمت على تنفيذها بعد صدور أحكام الإستحقاق والأحقية (الكاتب الصحفي حمدي حمادة)

* كان صوته قويا واضحا، وكذلك صوت الحق دائماً... كان مناضلا جسورا، في كل وقت، سواء أكان مقعده تحت قبة البرلمان ام كان على أرصفة الطرقات دفاعاً عن أصحاب المعاشات. وبقدر ما أحبه الضعفاء والفقراء والمستضعفون في هذا البلد، فقد كرهه المستبدون والفاسدون...!! رحمة الله وبركاته على السيد النبيل: البدري فرغلي..!! (الناقد الأدبي د. محمد عبدالباسط عيد)