30 - 06 - 2024

شاهد على العصر (34): هكذا كان أحمد عز يدير برلمان 2010

شاهد على العصر (34): هكذا كان أحمد عز يدير برلمان 2010

- تقدمت بطلب إحاطه في البرلمان فأرسل وزير التموين سيارة بوتاجاز كاملة لمنزلي

صدر القرار الجمهورى بتعيينى عضوا بمجلس شعب 2010. قبلت التعيين لعدة أسباب: الاول لأن هذا التعيين هو حق دستورى لرئيس الجمهورية .الثانى : أننى معارض للنظام ولمبارك وللتوريث ولم أطلب ولا أفكر فى تعيينى على الإطلاق بالبرلمان (حسب رأى مبارك الوارد فى مذكرات د مصطفى الفقي .. رواية الزمان والمكان) الثالث: أني كنت معارضا لدور البابا شنودة السياسى والذى أجبر النظام على أخذ رأيه فى تعيين الاقباط فى مواقع مهمة. لذا كان التعيين إسقاطا لدور البابا والذى كنت ضده منذ البداية . الرابع: رغم أن الأمر لا يسلم من أن يكون التعيين نوعا من مكايدة مبارك للبابا، ولكن كنت مدرك أن دورى فى رفض التدخل الأمريكى فى شئون مصر بحجة حماية الأقباط ومناهضتى لأقباط المهجر الذين كانوا يسوقون الأجندة الأمريكية، كان من أهم أسباب التعيين. الخامس: أنا معارض وكنت سأظل معارضا لنظام مبارك.. ولذا فالتعيين لاعلاقة له بموقفى كمعارض ولا بممارساتى البرلمانية سواء كنت منتخبا او معينا.

ولكن لا أنكر أننى لم اكن مستريحا أو منبهرا بالتعيين لو كان قد جاء فى ظروف غير الظروف وفى غير هذا المناخ السياسى المتدهور والذى عبر عن نفسه فى العملية الانتخابية التى تمت فى انتخابات مجلس 2010. كنت أعلم أن الاقباط بشكل عام لن يقبلوا قرار التعيين تحت زعم أننى أعبر عن الاقباط!!! ولقد كان هذا وظهر فى رفض البابا علنا وتهديده بعدم حضور الجلسة الافتتاحية للمجلس، مع العلم أننى منذ اللحظة الأولى أعلنت أننى لا أعبر عن غير عموم المصريين. كنت أدرك أن النخبة السياسية لاتقبل هذا التعيين وستنعتنى بكل الأوصاف التى يتوهمون انها غير ثورية، كل هذا جعلنى غير مستريح وأحسسنى بضخامة الدور الذى أصبح غير عادى لمواجهة كل هذه الاستهدافات الشخصية والطائفية. 

ومما أكد ذلك ومنذ اليوم الأول، جلس بجانبى أحد الأعضاء من سوهاج وهو طبيب ومدير مستشفى قائلا لى: (انت طبعا أصبحت عضوا فى الحزب الوطني) قلت لماذا اعتقدت ذلك؟ قال: أنت مش عينك الريس تبقى أصبحت حزب وطني!!. هذا والأهم هو أننى دخلت المجلس فى 2010 وقابع فى داخلى ممارساتى ودورى ودور النواب وقدرهم كنواب الشعب وأصحاب السلطة التشريعية منذ عضويتى فى مجلس 1987. هنا أدركت تماما وتجسد الواقع المرير أمام ناظرى وتأكدت أن النظام قد شاخ وسلم أوراقه وفقد شرعيته الشعبية تماما. 

كنت شبه مقيم فى مكتب د. رفعت المحجوب، ووجدت أن النائب لايملك حتى الدخول لمكتب رئيس المجلس الا بميعاد!، اكتشفت أن النائب لايستطيع مقابلة الوزير لأى سبب فى الوقت الذى كان كل وزير يحدد للنواب يوما لايعمل فيه غير مقابلة وتنفيذ مطالب النواب، وهذا ظهر عند مرافقتى لأحد النواب بالقوصية في الذهاب لوزارة الداخلية لأن له قريب هناك. (كنا فى 1987 ندخل وزارة الداخلية بالسيارة حتى باب الاسانسير الذى يصعد إلى مكتب الوزير شخصيا.) وجدت الباب الخارجى مغلق وأمامه امين شرطة. قال: (ماذا تريدون) قلت نحن أعضاء مجلس شعب نريد الدخول، قال ( ممنوع الدخول بغير توضيح سبب الزيارة) هنا لم اتحمل هذه الإهانة (فى عرفى وقناعاتى وحقى البرلمانى) وضحكت قائلا: (افتح ياجدع انت احنا أثنين نواب) هنا سمع صوتى عقيد بالداخل (علاقات عامة) خرج. عرفنى ولم يكن على علم بتعيينى. أعتذر وأصر على تناول القهوة التى رفضتها بعنف وانصرفنا، شعرت بمرارة حقيقية لدرجة أننى لم اصدق ماحدث من تغيير والوصول إلى هذا الحد من الاستهانة بنواب الشعب!!.

لاحظت غياب المعارضة الحقيقية المعتمدة على الرؤية السياسية، والتى تمثلت حينها فى رجب حميدة ذلك النائب الذى كان يقوم بالدور المرسوم له من جانب قيادات الحرب الوطنى تحت ادعاء المعارضة، شاهدت توفيق عكاشة الذى كان يجيد وصلات المديح والنفاق للنظام. شعرت بخزى حقيقى أن انسب للمعارضة مع تلك النوعية. ولكن هون من الأمر وجود الأستاذة أمينة شفيق عن التجمع مع عضو آخر من الحزب. كان هناك عضو تم تمريره وأدخلوه المجلس تحت اسم الإخوان ذرا للرماد فى العيون . مع وجود بعض أعضاء من حزب الوفد على نفس الوتيرة من المعارضة المصنعة.

كل هذا المناخ كان قد أثقل علينا المهمة، ولكن فى نفس الوقت كنت مدركا أن فضيحة إسقاط جميع اتجاهات المعارضة على اختلافها أهاج الشارع وأوجد مايسمى (بالمجلس الموازى) سيهيء دورا مهما لممارساتنا المعارضة التى سيتم قبولها لتحسين الصورة. تقدمت بطلب إحاطة لوزير التموين حيث كانت أنبوبة البوتاجاز ثمنها أربعة جنيهات وتباع فى السوق السوداء بخمسة عشر جنيها، احرجت الوزير مؤكدا على غياب دوره الحقيقي (بعد الجلسة ووصولى إلى القوصية، فوجئت بعربة نقل مملوءة بالأنابيب تقف أمام منزلى ومعها مدير التموين قائلا: (سيادة الوزير أمر بهذا!). يانهار اسود ومنيل بستين نيله، هل وصل الأمر فى إدارة البلد لهذا الحد الهزلى؟ قلت شكرا للوزير ووقفت فى البلكونة وطلبت توزيع العربة للجماهير تحت منزلى بالسعر الرسمى ورفضت أن أحصل على انبوبة. 

وفى مناقشة مع وزير الزراعة حول زراعة القمح وكيف يحدث الاكتفاء بعيدا عن الاستيراد الذى يرهق الموازنة، قال الوزير أمين أباظة: (إن المشكلة أننا نبيع الرغيف بخمسة قروش) و كأن المشكلة فى الرغيف، قلت له: أريد أن اسال الوزير..  لن أسألك هل تأكل الرغيف أبو خمسة قروش ولكن أسألك هل تعرف شكل هذا الرغيف؟). انتهت الجلسة تقابلنا فى القاعة فقال: (الأمور ليست إلى هذا الحد فأنا أعرف الرغيف بل أتناوله فى طعامى) وطلب أن يلتقى بى وحدد ميعادا فى وزارة الزراعة يوم الاربعاء 26 يناير 2011. كان لقاء شخصيا حول كتاباتى فى المصور التى كان يتابعها، وحول علاقتى بالبابا حيث كان متابعا هذه العلاقة. 

فى الجلسة الافتتاحية للمجلس جاء مبارك ليلقى خطابه والذى قال فيه ردا على تكوين مجلس الشعب الموازي: (خليهم يتسلوا) هنا أيقنت أن مبارك يكتب نهايته، وبالفعل كان المناخ ليس محتقنا سياسيا فقط بل كان محتقنا طائفيا وهذا هو الأخطر. ففى ليلة 31 ديسمبر 2010 وفى الاحتفال بعيد الميلاد بكنيسة القديسين بالإسكندرية وقع هجوم إرهابي على المصلين راح ضحيته خمسة وعشرين شخصا غير الاصابات. كانت الحادثة خطيرة بالفعل وظهر هذا على وجه مبارك عند القائه بيانا حول الحادثة، حيث كان يظهر شاحب الوجه واقرب إلى الموتى. 

كانت هذه الحادثة إرهابية وطائفية فى ذات الوقت، فقد كانت إحدى المسيحيات قد اعتنقت الاسلام . وأصرت الكنيسة (والبابا شنودة) على عودة السيدة إلى المسيحية مرة أخرى، رفضت الجماعات الإسلامية وبعض السلفيين الذين أصبحوا بعد 25 يناير حزب النور هذه العودة، واعتبروا أن هذه السيدة مسلمة وتم احتجازها فى الكنيسة. وكانت التهديدات العلنية للكنيسة وللبابا، الأهم أن تنظيم القاعدة كان قد دخل على خط هذه القضية خارج مصر، وأصدر بيانا يهدد البابا شنودة (إذا لم تعد اختنا المختطفة فستقوم القاعدة بعمليات إرهابية ضد المسيحيين فى مصر وخارجها)، وبالفعل قامت القاعدة بتفجير كنيسة (سيدة النجاة فى العراق) ردا على عدم عودة السيدة إلى الإسلام مرة أخرى، وتكرر الأمر فى كنيسة القديسين. 

فى هذا المناخ المتأجج طائفيا حدثت أحداث طائفية أخرى، منها قيام عسكري شرطة بقتل عائلة مسيحية فى القطار بسمالوط، كان من الطبيعى أن أتقدم بطلب إحاطة عاجل لمناقشة هذا الوضع. تحدثت على أرضية وطنية بعيدا عن أي طرح طائفي، ولكن فوجئت بأن د. فتحى سرور يقوم بدور المطيباتى على طول الخط بعيدا عن الموضوعية فهو يبرر حتى مثل هذه الحوادث، فكان رد سرور وياللغرابة: (لاتزايد بمثل هذه الحوادث فهذه حوادث إرهابية وليست حوادث طائفية) قلت وما الفرق؟ إنها حوادث إرهابية تمت وتتم على أرضية طائفية، والشيء العظيم أن القاعة بكاملها استحسنت ردى حتى كانت مقاطعتى بالتصفيق أكثر من مرة.

كنت عضوا بلجنة الخطة والموازنة التى يرأسها احمد عز، أثناء مناقشة الموازنة الخاصة بكل وزارة على حدة كان يحضر الوزير، وكان أحمد عز بعبعا للوزراء حتى أن وزير التموين كان قد تأخر عن ميعاد الجلسة.. فقام احمد عز بتوبيخه بصورة تجاوزت كل الحدود ولم ينطق الوزير بكلمة. فى إحدى جلسات اللجنة والتى كان فيها الاعضاء يمتثلون ويخضعون لأى إشارة من أحمد عز، شعرت بالعار انى اجلس كعضو مع أعضاء بهذا الخنوع. كان عز يعطى الكلمة أو لا يعطيها لأى عضو بدون اى ضوابط برلمانية ،فاحسست أننا فى عزبة عز. 

طلبت الكلمة والمفروض أن أخذها حسب ترتيب الطلب، وجدت احمد عز يتجاهلني ولا يعطينى الكلمة، اعترضت على إدارة الجلسة، قال أنا أدير الجلسة كما أرى. قلت: يجب أن تدير بضوابط وليس بمزاجك الشخص . بالطبع تكهرب الجو وشعر الجميع أننى قد تجاوزت، فلا يتصورون أن تصل المناقشة مع عز إلى هذا الحد. لم اخضع لهذا الاعتبار ووصل الأمر إلى مشادة تابعتها وسائل الإعلام حينها. 

فى يوم الاحد 23 يناير 2011 تم الاحتفال بعيد الشرطة بدلا من يوم 25 يناير، حيث كانت هناك دعوة للتظاهر في ذلك اليوم فى مواجهة الشرطة. حضر فتحى سرور الاحتفال مما أخر عقد الجلسة لحين حضوره، فى هذا اليوم قام أحد المواطنين بحرق نفسه أمام مجلس الشعب وكان قد سبقه آخر للقيام بنفس الفعل، مما مثل خطورة حقيقية حيث أن هذه الممارسات كانت تعنى تكرار ماحدث فى تونس حين قام بوعزيزى بحرق نفسه، فكان شرارة أشعلت الثورة فى تونس. 

تقدمت بطلب عاجل لمناقشة هذه الظاهرة التى تمثل تصعيدا خطيرا فى الوضع السياسي، جاء سرور وبدأت الجلسة وقال لي: أنا لا أوافق على طلب المناقشة، قلت: إذا وافقت أو لم توافق، سأثير هذه القضية لخطورتها على الوضع فى كل وسائل الإعلام . هنا رضخ سرور وفتح باب المناقشة، واوضحت أن الذى حدث وتكرر يمثل متغيرا نوعيا فى المجال السياسى وخطورة على الأوضاع، الشئ الذى يستلزم حل القضايا وفتح الباب للرأى والراى الآخر، وحل المشاكل الاقتصادية التى جعلت المواطن لايستطيع أن يعيش كإنسان حتى لا يتكرر ماحدث فى تونس.

وللاسف، وجدت سرور يقول إن هذه الحادثة تمت لأن هذا الشخص له مشكلة شخصية، وان طلب المناقشة هذا فى غير موضعه فهذا سؤال أو طلب إحاطة، وكأن المشكلة الشخصية حين تتحكم لاتستحق المناقشة!، حول الطلب للمناقشة فى لجنة الشئون الدينية والاقتصادية، ووقعت أحداث 25 يناير، فاجتمع المجلس فى جلسة 30 يناير بأحد قاعات اللجان لحضور أعضاء قلائل جدا نظرا للأحداث، وتصاعدت الأحداث حتى تم الاحتشاد أمام مجلس الشعب ومجلس الوزراء مما جعل حضور أو عقد جلسات مستحيلا حتى تم حل المجلس.
----------------------------
بقلم: جمال أسعد عبدالملاك
* سياسي وبرلماني مصري سابق

مقالات اخرى للكاتب

السفير موطلو شن :قطاع النسيج بات وجهة رئيسية للاستثمارات التركية في مصر





اعلان