يقولون إن التعليم "العالي" سيلزم الأساتذة بداية من الفصل الدراسي المقبل تسليم كتاب مقرر في صورة إليكترونية تبيعه الجامعة للطالب مع مصروفات استخراج الكارنيه وتتقاسم مع الأستاذ الأرباح.
يقولون إن ذلك سيحسن علاقة الأستاذ بالطلبة ويحفظ كرامة الأستاذ دون أن يطاردهم بشراء الكتاب أو يجبرهم تهديدا بالرسوب إن لم يشتروه.
الأمر مدهش جدا، فالتعليم العالي في صورته النظرية يقوم على منح راتب كريم للأستاذ بما يجعله يتيح قائمة مراجع ومصادر مختلفة للطالب وتشجيعه على القراءة وتنويع المصادر كيتتعدد عند الطالب الرؤى ويتدرب على نبذ الأحادية والتزمت ويحب التنوع والتعدد.
كيف نريد جامعة تنير العقول بينما نقر ونعترف بإلزام الطالب بكتاب واحد مثل مقرر الإعدادي أو الثانوي.
هذه الخطوة الجديدة ستسهم في مزيد من تأخر المنتج الجامعي، وتدهور مستوى الخريجين في بلادنا، وإذا كان التعليم الإليكتروني في أزمة كورونا قد ضيع عامين فاشلين فإن هذا النظام الجديد لن يقدم أي تحسين في مستوى الطالب العلمي.
كتب لي أحد الطلاب الجامعيين رسالة يبشرني فيها بحصوله مؤخرا على تقدير جيد جدا في العام الأخير من تعليم كورونا وجاء في رسالته المؤلفة من ثلاثة سطور عدة أخطاء إملائية تستوجب به العودة إلى المرحلة الإعدادية.
معادلة فشل التعليم "العالي" قامت في السنوات الاخيرة على خمسة عناصر:
• نظام "جودة" شكلي مظهري يهمه الأوراق دون الفعل، يشغل الأساتذة ويدوخهم ويصدعهم وفق المثل الشهير "أهم من الشغل تظبيط الشغل !"
•نظام اختبارات نصف فصلية شرذم المحاضرات وقطع الأوصال وجعل السنة سلسلة مزعجة من الاختبارات تتخلها بضع محاضرات
• نظام إجابة على أسئلة الاختبارات يسمى "بابل شيت" يجعل الطلاب يختارونصح وغلط ولا يتقنون كتابة عبارة صحيحة سليمة باللغة العربية
• تعليم إليكتروني أعرج خلال فترة كورونا دون الخروج بدروس مستفادة من هذه التجربة القاسية، كانت كل الدنيا تغلق المدارس والجامعات في آخر لحظة بينما كنا نغلق الجامعات والمدارس أولا بينما الأسواق والمقاهي والمولات عامرة بكل الناس
• وأخيرا كتاب أحادي "وحده لا شريك" بدلا من مراجع متعددة تفتح آفاق العقل واختلاف المصادر وتحويل الجامعة إلى مدرسة ثانوية عليا يستلم فيها الطالب الكتب المدرسية مع دفع المصروفات
انتبهوا أيها السادة !!
-----------------------------
بقلم: د. عاطف معتمد
