20 - 10 - 2024

إسرائيل .. بين القبة الحديدية وسجن جلبوع وخوارزميات الفيسبوك

إسرائيل .. بين القبة الحديدية وسجن جلبوع وخوارزميات الفيسبوك

تعد القوة هي محور العلاقات الدولية ووسيلة للشعور بالأمن والأمان، سواء كانت هذه القوة صلبة أو ناعمة أو ذكية، وقد تمكنت اسرائيل من امتلاك القوة بجميع أنواعها، وتعهدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بضمان التفوق النوعى للقوة العسكرية الإسرائيلية فى المنطقة، بما فيهم إدارة بايدن التى بدت فى البداية غير مهتمة بما يحدث بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكنها سرعان ما أكدت التزامها بأمن اسرائيل، لذلك كان مستغرباً أن نقرأ الأسبوع الماضى خبراً بعنوان "صدمة فى إسرائيل بعد تجميد واشنطن دعمها للقبة الحديدية" وتكمن غرابة الخبر فى أنها ‏المرة الأولى في التاريخ التى يعيق فيها الكونجرس الأميركي تمويلًا عسكريًا للحليف الإسرائيلي المدلل بسبب رفض أعضاء الجناح اليسارى بالحزب الديمقراطى التصويت لصالح الميزانية، فى حالة تضمينها بند القبة الحديدية، وعلى رأسهم النائبتان رشيدة طليب من أصل "فلسطينى" وإلهان عمر من أصل "صومالى" وهم ذات المجموعة التي ضغطت لمنع وصول الأسلحة إلى إسرائيل خلال أحداث حى الشيخ جراح والحرب الأخيرة على غزة.

لم تدم صدمة إسرائيل طويلاً، فسرعان ما جرت الإتصالات الدبلوماسية من جانب المسئولين فى الكيان الإسرائيلى مع نظرائهم فى الولايات المتحدة حتى اعتدل ميزان "الباطل" وأعلن مجلس النواب الأميركي المصادقة بأغلبية ساحقة على مشروع قانون لتمويل القبة الحديدية في إسرائيل بمليار دولار، وجاء الإقرار بغالبية 420 صوتا مقابل 9 أصوات رافضة، وامتنع نائبان عن التصويت، وميزان الباطل ليس ككل الموازين، فهو الذى بإمكانه إضفاء الشرعية على كل باطل بعد أن يقننه ويضعه فى إطار دولى أنيق يثنى عليه الجميع ويتعهدون باحترامه.

ولكن لماذا تسعى إسرائيل لتحديث منظومة القبة الحديدية ؟

بدأت إسرائيل فى استخدام منظومة القبة الحديدية فى مارس 2011، وهي جزء من نظام الدفاع الجوى الإسرائيلى عبارة عن درع صاروخية مكونة من بطاريات منتشرة في العديد من المدن الإسرائيلية، ومزودة برادار كشف وتتبع للصواريخ متوسطة المدى.. وخلال الحرب الأخيرة على غزة انكشف الغطاء عن هذه المنظومة واتضح مدى ترهلها وحاجتها للتحديث، فقد أطلقت هذه القبة صاروخا اعتراضيا عن طريق الخطأ تجاه مقاتلة إسرائيلية من طراز إف- 15 دخلت مجال الاعتراض، مما أدى إلى إصابتها بشظايا،  وكان مقرراً أن يصوب تجاه أحد الصواريخ التي تم إطلاقها من قطاع غزة لكنه غير اتجاهه نحو الهدف الأصلي واتجه نحو الطائرة الإسرائيلية، وفي 25 مايو ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن المنظومة الدفاعية أسقطت بالخطأ طائرة مسيّرة تابعة للجيش خلال عملية حارس الأسوار على غزة وتم فتح تحقيق فى الحادث لمعرفة أين الخلل!! ورغم نجاح القبة في التصدي لحوالى 90% من الصواريخ التي أُطلقت من غزة والتى بلغت 4 آلاف صاروخا، إلا أن ذلك يعد فشلاً كبيراً لنظرية الأمن الإسرائيلى، لأنه ببساطة يعنى أن 400 صاروخ نجح في اختراق القبة ووصل إلى العمق الإسرائيلى وتل أبيب، وهو حدث جلل بالنسبة لإسرائيل يضع المنظومة كلها على المحك.

ومثلما كبدت حرب غزة الأخيرة الكيان الصهيونى خسائر معنوية وبشرية ومادية فادحة وزعزعت من هيبته المزعومة، فقد فعلها أيضا أسرى سجن جلبوع الذين حفروا نفقاً تحت الأرض بأدوات بدائية بلغ طوله عشرات الأمتار وصولاً إلى الحرية فى 6 سبتمبر حيث تكبدت إسرائيل فى عملية البحث نحو “31” مليون دولار في أقل من أسبوعين بخلاف، الإهانة المعنوية للكيان الصهيونى والتى لا تعوضها ملايين الدولارات، ورغم إلقائها القبض على الأسرى إلا أن عملية الهروب نجحت فى توجيه أنظار العالم من جديد نحو فلسطين واستطاعت إيصال صوت الأسرى الفلسطينيين للعالم بأنهم أصحاب حق وقضية ويستحقون الدعم والمساندة وصولا لتحرير أراضيهم وإقامة دولة مستقلة ذات كيان.

حرب الخوارزميات

أما القوة الذكية التى تسيطر عليها إسرائيل وتتفوق فيها على الفلسطينيين رغم سعيهم الدؤوب  لتوثيق جرائم الاحتلال بالصورة المباشرة فى فضاءات وساحات متعددة وعبر وسائل الإعلام المختلفة، فتتمثل فى ما كشف عنه بحث علمى صادر عن جامعة نيويورك بعنوان: "تأجيج النار: كيف تكثف وسائل التواصل الاجتماعي الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة؟ حول شن إسرائيل حملة ممنهجة تقوم بها وحدات إلكترونية محترفة ضد المحتوى الفلسطينى من خلال استحداث خوارزميات إلكترونية ترصد هذا المحتوى وتبلغ عنه باعتباره محتوى عنيفا ويجب إزالته، وهو ما لاحظناه جميعا خلال الإعتداء الإسرائيلى الأخير من خلال منشورات تحت وسوم   #أنقذوا_حي_الشيخ_جراح، #غزة_تحت_القصف، والتى كان يتم حظر العديد منها بحجة مخالفتها لمعايير النشر، وذلك بالتزامن مع التفوق الذى أحرزته إسرائيل عبر صفحاتها الموجهة باللغة العربية والتى حققت إنتشارا واسعا وكانت النواة الحقيقية للتغلغل الإسرائيلى في أوساط الشعوب العربية، والذى مهد لتطبيع عدد من الدول العربية دون اعتراض من مواطنى هذه الدول.

وفى الحقيقة لو فكرنا قليلا لوجدنا أن قوة إسرائيل الإعلامية والدعائية القائمة على الخداع والكذب وتزييف الحقائق تفوق بكثير قوتها العسكرية وقبضتها الأمنية، وبدونها تتغير معادلة توازن القوى بينها وبين الفلسطينيين الذين لو أتيحت لهم نفس الإمكانيات الإعلامية والدعائية لتمكنوا من إحراز بعض مقومات النصر التى تمكنهم من استكمال مسيرة الحرية.

---------------------------

بقلم: سحر عبدالرحيم *

* مدير تحرير دورية آفاق عربية وإقليمية

مقالات اخرى للكاتب

الجزيرة.. وغيرها