17 - 08 - 2024

بعد التطورات الأخيرة .. مخاوف من دخول السودان عمليات تقسيم جديدة على غرار الجنوب

بعد التطورات الأخيرة .. مخاوف من دخول السودان عمليات تقسيم جديدة على غرار الجنوب

بعد استقالة حمدوك وتصاعد المظاهرات المطالبة برحيل البرهان
- السفير صلاح حليمة: مطالب في شرق السودان وبعض الأقاليم تطالب بتقرير المصير
سمير غطاس: السودان قد يواجه حربا أهلية مالم يتوصل الفرقاء إلى " حلول وسط"

يحذر خبراء سياسيون من انفلات الأوضاع في السودان بعد استقالة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، والتي يمكن أن تؤدي إلى دخول البلاد في صراع يقود إلى عمليات تقسيم جديدة على غرار ما حدث في جنوب السودان

التطورات الأخيرة في السودان وأخرها استقالة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وسبقها الإجراءات التي اتخذها رئيس المجلس السيادي الانتقالي عبدالفتاح البرهان، وضعت البلاد على مفترق طرق كما يقول المحللون الذين يرون أن الأوضاع الحالية ربما تؤدي إلى انزلاق السودان إلى صراع لاتعرف مآلاته.

وتحدثت تقارير عن أن خروج حمدوك من المشهد السياسي في اللحظة الراهنة، يمثل "شهادة وفاة" للاتفاق الموقع بينه وبين البرهان، وأن المشهد ربما يتحول في الأيام القادمة إلى مواجهة مباشرة بين المكون العسكري بكل قوته من جانب، والمكون المدني في ظل تمسك كل طرف بمواقفه.

مخاطر عدة

يقول السفير صلاح حليمة مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق لشؤون السودان، إن الموقف في السودان قد يزداد تعقيداً وقد يؤدي إلى إنفراجة بقبول كافة الأطراف السودانية الحوار الشامل الجامع باستثناء حزب المؤتمر الوطني الذي كان يعتمد عليه الرئيس المعزول عمر البشير.

ويضيف: "يجب أن يتم الحوار على أساس الوثيقة الدستورية والمشاركة بين المكونين المدني والعسكري واستكمال الأجهزة الانتقالية التي كانت محل انتقاد شديد، ومنها المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية، ووضع دستور دائم للبلاد والتجهيز لانتخابات حرة ونزيهة يتم من خلالها تشكيل مؤسسات ديمقراطية".

ويطالب حليمة باستبعاد كل من شارك في المرحلة الانتقالية من المشاركة في الانتخابات المقبلة وذلك بضمانات من قوى إقليمية ودولية مهتمة بالشأن السوداني، معتبراً أن الحديث عن ثورة مستمرة بعد ما يسمى بالإنقلاب الذي أجراه البرهان نوع من المزايدة، إذ يتعين على جميع الأطراف إدراك أنه لا مجال للإقصاء والتهميش لأي من الأطراف، وأن يكون الحديث حول حوار شامل جامع.

والحقيقة أنه ليس هناك طرف محدد يمثل الشارع السوداني، خاصة وأن الآلاف المشاركة في التظاهرات تعبر عن أراء أحزاب وتيارات سياسية معينة، كما أن هناك من يعكر صفو الشارع السوداني ويهدف إلى إحداث إنتكاسة للثورة السودانية.

ويتابع: قد تكون قيادات حزب المؤتمر الوطني وأيضا بعض الدول متدخلة في مسار التظاهرات، لذلك يجب أن تتجاوز الأحزاب والتيارات السياسية مصالحها وأهدافها الشخصية لأن البلاد محاطة بمخاطر داخلية وخارجية.

والأوضاع في السودان تشير إلى مخاطر عدة تواجه البلاد، فهناك مطالب في الشرق بتقرير المصير وأيضا بعض الأقاليم الأخرى، وهذا أمر في منتهى الخطورة لأنه قد يؤدي إلى تقسيم وتفتيت السودان، كما أن هناك صراعات مسلحة في دارفور على السلطة والثروة، وهذا يرجع إلى عدم تنفيذ اتفاق سلام جوبا بالترتيبات الأمنية المتفق عليها، بالإضافة إلى الشكوى من الأوضاع الاقتصادية والتي أدت لتصاعد مطالب بإقالة حكومة حمدوك في أوقات مبكرة.

ويضيف السفير حليمة أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في السودان، قد تكون دفعت البرهان إلى اتخاذ الإجراءات التي اتخذها في شهر أكتوبر الماضي والتي اعتبرت إنقلابا من قبل البعض، واعتبرها البعض الأخر تصحيحاً للمسار، لذلك لا سبيل سوى الحوار الشامل الجامع في إطار الوثيقة الدستورية وتواصل المكونين العسكري والمدني، وتشكيل كافة هياكل السلطة الانتقالية، ومواجهة التحديات التي تهدد وحدة السودان وسلامة أراضيه، ومعالجة التوترات الموجودة على الحدود مع إثيوبيا.

وشدد مساعد وزير الخارجية الأسبق، على ضرورة أن تعي التيارات السياسية والأحزاب حقيقة المخاطر التي قد تنزلق إليها البلاد وأن يتجه الجميع إلى طاولة الحوار، كما أنه يجب أن يكون هناك تفهم حول تنظيم الانتخابات في وقت مبكر حتى تخرج البلاد من النفق المظلم، كما يجب أن يكون هناك دور لدول الجوار السوداني في حل الأزمة، لأنها في مفترق طرق.

سيناريوهات متوقعة

من جهته يرى الدكتور سمير غطاس رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن المكون العسكري الشريك الأساسي في الحكم قد لا يتخلى عن استمراره في السلطة، خاصة بعدما اتخذ العديد من الإجراءات التي حاول من خلالها الانفراد بالسلطة.

ويضيف:" تمسك المكون العسكري بالسلطة يأتي من أمرين: الأول رغبته في المشاركة في عملية التحول، والثاني خوفه من قيام الحكومة المدنية بمحاكمته مما يعرض المؤسسة العسكرية لمخاطر كبيرة لذلك من المستبعد أن يترك السلطة كاملة".

كما أن المكون العسكري قد لا يمتثل لمطالب الشارع السوداني بحكومة مدنية خالصة وعودة الجيش إلى ثكناته، لأنه يريد المشاركة في السلطة، لذلك فإن السودان في ظل الأوضاع المتفاقمة حالياً أمام عدة سيناريوهات منها أنه يتعرض لضغط دولي لكي يتم اختيار رئيس وزراء مدني، وقد حاول المجلس العسكري أن يأتي برئيس للحكومة بعيداً عن قوى الحرية والتغيير، إلا أنه لم يستطيع مواجهة هذا الضغط في ظل الوضع الاقتصادي الهش، كما أن هناك سيناريوهات تشير إلى عقد مؤتمر دولي يفرض شروطه وتشكيل حكومة مشتركة لفترة زمنية محددة.

ويبدي غطاس تخوفه من دخول السودان في حرب أهلية خاصة أن هناك من استدعى بعض فلول أنصار النظام السايق وعناصر من جماعة الإخوان لتكوين ظهير له، ما قد يؤدي إلى نشوب حرب أهلية في البلاد، كما يمكن أن تواجه البلاد سيناريو سيئاً وهو الإنزلاق في التقسيم والتفتيت خاصة وأن الفصائل المسلحة الموقعة على اتفاق السلام، سوف تعود إلى مواقعها السابقة عند انهيار الوضع السياسي وتنفصل مكوناتها خاصة في شرق السودان وبورسودان.

ويشير إلى خطورة الأوضاع خاصة وأن المكون المدني يجتمع الآن لتشكيل اتفاق أو لإعداد ورقة تكون المشروع السياسي القادم لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية تستمر لمدة 4 سنوات وتكون فترة انتقالية ومن ثم تسليم السلطة لحكومة مدنية أخرى، مما يعكس خطورة الوضع في ظل تمسك كل طرف بمطالبه.

ويوضح أن السودان دولة مختلفة لأن الأحزاب السياسية فاعلة بالإضافة إلى قوى التغيير التي تضم النقابات المهنية إلى جانب اللجان الشعبية، كما أن الشارع السوداني استمر في التظاهرات ضد نظام حكم البشير لمدة سنتين، وقد تدخل البلاد إلى الفوضى، ولذلك من المتوقع أن يسفر الضغط الدولي على القيادة في السودان إلى حل وسط أو وجود تيار داخل المكون العسكري يسعى إلى إيجاد حلول وسطية وذلك لفترة انتقالية لأن الشارع السوداني لن يتنازل عن حكومة مدنية.

وعلى صعيد ذي صلة، قال أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، إنه يحترم قرار الدكتور عبد الله حمدوك بالاستقالة من منصبه، معرباً عن تفهمه للمبررات التي ضمنها خطاب الاستقالة.

ودعا أبوالغيط إلى ضرورة  العمل علي وجه السرعة بين شركاء الوطن الواحد من أجل التوصل الي أرضية تفاهم تسمح بالحفاظ على المكتسبات الهامة التي تحققت خلال العامين الماضيين، قائلا:" إنه يرى أن التشاور المكثف والحوار البناء بين مختلف الأطراف هو الوسيلة الوحيدة بل إنه حجر الزاوية لحل الأزمة الحالية، وتحقيق تطلعات الشعب السوداني في الاستقرار والتنمية والانتقال الديمقراطي المأمول".

وتشهد العاصمة السودانية الخرطوم، ومدن أخرى مواجهات بين متظاهرين وقوات الشرطة، خلفت قتلى وإصابات مختلفة، ولقى متظاهرون حتفهم في مدينة أم درمان، وأصيب العشرات جراء استخدام القوات السودانية الغاز المسيل للدموع، لتفريق محتجين كانوا في طريقهم إلى القصر الرئاسي بالخرطوم.

وكان حمدوك أعلن أن الاستقلال في اختياره للمعيّنين سياسياً مطلب رئيسي في اتفاق 21 نوفمبر مع الجيش، حيث سعى إلى إعادة البلاد من حافة الفوضى في أعقاب الانقلاب العسكري في أكتوبر الماضي.

وقالت المصادر إن التعينات التي أجراها حمدوك بتعيين وكلاء وزراء وأمناء عامين لتصريف شؤون الولايات جوبهت باعتراضات من المكون العسكري، إضافة لرفض البرهان إعادة السفراء الذين قام بفصلهم عندما كان حمدوك في الإقامة الجبرية.

وأضافت المصادر أن المكون العسكري طلب من حمدوك التشاور في التعيينات، وهو ما رفضه واعتباره مخالفاً لاتفاقه مع البرهان، كما فشل حمدوك في إقناع الحركات المسلحة بالاستقالة من الحكومة.
------------------------
تقرير – رامي إبراهيم

من المشهد الأسبوعي