20 - 10 - 2024

طلاق الفـارّ .. "قضية فقهيـة قانونية".

طلاق الفـارّ ..

الفارّ: هو الرجل في مرض الموت أوقع الطلاق بغية حرمان زوجته من الاستحقاق في التركة "الإرث"، وقد سُمي هذا الطلاق "طلق الفارّ"؛ لأن الزوج فيه يفرّ من توريث زوجته الوارثة بتطليقها بائناً، وغالباً ما تكون الزوجة المراد تطليقها صغيرة السن تزوجها رجل أرمل كبير في السن، وأجبر على تطليقها في مرض موته، كي لا تشاركهم في الميراث؛ أو تكون هذه الزوجة إحدى زواجات هذا الرجل، يطلقها بناء على رغبة غيرها من زوجاته.

ومرض الموت هو المرض الذي يتحقق فيه أمران:-

1- أن يغلب فيه الموت عادة، بأن يكون من الأمراض الخطيرة التي يندر منها الشفاء، فيجتمع فيه تحقق العجز وغلبة الهلاك.

2- أن يتصل الموت به، سواء كان هذا الموت بسبب هذا المرض أم نتيجة لسبب آخر حدث أثناءه، كالقتل أو الموت في حادث سيارة أو نتيجة لحرق.

ويلحق بالمريض مرض المـوت، كل انسان صحيح صار سليمًا في حالة يغلب فيها هلاكه، ويتصل بها موته فعلاً ، فاذا ما تصرف تصرفاً اعتبر تصرفه كتصرف المريض مرض الموت.

وأن حكم طلاق المريض مرض الموت ومن في حكمه يرجع إلـى نـوع الطـلاق الـذي أوقعه علـى زوجتـه، كمـا يلـي:-

أ)- فإن كان الطلاق رجعياً:- فإن الفقهاء اتفقوا على أحقية المطلقة رجعياً في إرث زوجها الذي طلًقها في مرض موته إذا كانت وفاته قبل انقضاء عدتها، لأن الزوجية لازالت قائمة حكماً وهي السبب في الميراث.

ب)- وإن كان الطلاق بائناً ومات الزوج وهي في العدة:- اختلف الفقهاء في أحقية المطلقة بائناً في مرض الموت في إرثها من زوجها، على رأيين:-

الرأي الأول:- أن المطلقة بائناً في مرض الموت ترث زوجها الذي طلقها في هذه الحال. واختلفوا في ذلك على عدة وجوه :-

• ذهب بعض الفقهاء إلى أن الزوجة ترث من زوجها إن مات وهي في العدة، فإن مات بعد انقضائها لا ترث منه.

• ذهب البعض الثاني أن الزوجة ترث من زوجها الفارّ من الميراث مطلقا سواء مات في اثناء العدة أو بعدها، وسواء تزوجت بغيره أم لم تتزوج.

• ذهب الرأي الثالث أن الزوجة ترث زوجها الفارّ من الميراث بشرط عدم زواجها بغيره، فإن كانت متزوجة بغيره عند موته لا ترثه.

واستـدل اصحـاب هذا الرأي بما  ثبت أن سيدنا عبدالرحمن بن عوف طلق امراته طلاقاً مكملاً للثلاث في مرض موته الذي مات فيه، فحكم عثمان بن عفان بميراثها منه، وقال: ما اتهمته بالفرار ولكني أردت السنة. ولهـذا ورد أن ابن عوف قـال ما طلقتها "ضرارًا ولا فراراً"ــ يعني أنه لم ينكر ميراثها منه.

الـرأي الثانـي:- أن المطلقة بائنًا في مرض الموت لا ترث زوجها الذي طلقها في هذه الحال، واستدلوا على ذلك بالآتي:-

انقطاع آثار الزوجية بالطلاق فيصير الزوجان أجنبيين عن بعضهما.

أما المعمول به الآن أمام المحاكم هو مذهب الأحناف، بأن الزوجة ترث من زوجها إن مات وهي في العدة، فأن مات بعد انقضائها لا ترث منه، وهو ما يرجحه بعض العلماء. وقد نص عليه قانون المواريث في مادته (11): "حيث نص  على أن تعتبر المطلقة بائنًا في مرض الموت في حكم الزوجة إذا لم ترض به ومات المطلق في ذلك المرض وهي في عدته"، وقد جرى قضاء النقض على أنه" مؤدى المادة 11/3 من قانون الميراث 77 لسنة 1943 أن المشرع الوضعي قرر أخذا بالمذهب الحنفي أن من كان مريضًا مرض موت وطلق امرأته بائنًا بغير رضاها ومات حال مرضه والزوجة لا تزال في العدة، فإن الطلاق البائن يقع على زوجته ويثبت منه من حين صدوره لأنه أهل لإيقاعه إلا أنها ترثه مع ذلك بشرط أن تكون أهلا لإرثه من وقت إبانتها إلى وقت موته رغم أن المطلقة بائنًا لا ترث لانقطاع العصمة بمجرد الطلاق، استنادًا إلى أنه لما أبانها حال مرضه اعتبر – احتياطًا – فارًا وهاربًا فيرد عليه قصده ويثبت لها الإرث ".

وبالنظر إلى هذا النص يتضح لنا أن ما جاء فيه من شروط لاعتبار الزوج فارًا ترث منه زوجته، هي بعينها الشروط التي اشترطها الأحناف، وهي:-

1- أن تكون الزوجة أهلا للميراث وقت الطلاق وتستمر كذلك إلى وفاة المطلق. فاذا لم تكن أهلا للميراث عند طلاقها وكذلك أن يكون الطلاق بائنأ، فالطلاق الرجعي لا يعتبر طلاق فارّ.

2- أن يموت المطلق قبل انقضاء عدتها منه، فلو مات بعد انقضاء العدة لا ترثه لانعدام سبب الميراث.

3- عدم رضاء الزوجة بالطلاق. فلو كانت الزوجة راضية بالطلاق أو طلبته وأجابها الزوج إلى ذلك وقع الطلاق ولا ميراث لها إن مات وهي في العدة، وكذلك دفعها لمال في سبيل طلاقها من زوجها في سبيل أن يكون أمرها بيدها يدل على رضائها بالطلاق.

وقـد أصـدرت محكمة النقض، حكمًا قضائيًا بأحقية المطلقة في مرض الموت للميراث وهو ما يعرف في الشرع بـ "طلاق الفارّ"، وذلك بعد أن أثبتت الزوجة أن زوجها طلقها طلاقا بائنا أثناء فترة مرضه الشديد ووفاته أثناء فترة العدة.
------------------------
بقلم: محمـد جـلال عبـد الرحمن *
* محـامٍ وكاتب حاصـل على جائـزة الدولـة عن افضـل كتاب في العلوم الرقميـة.
بريد الكتروني: [email protected]

مقالات اخرى للكاتب

سلطــة المحكمة التجارية في إحضـار شاهـد بالقـوة الجبـريـة في النظام السعودي