03 - 07 - 2024

كش ملك | الحصار.. على رقعة الاعلام

كش ملك | الحصار.. على رقعة الاعلام

الحصار، واحد من استراتيجيات اللعب في الشطرنج ، وكثيرا ما يتم محاصرة قطعة من أحجار اللعب داخل مربعها ، لا تستطيع الحركة في أي اتجاه حيث ينتظرها الموت ، فتبقى ثابتة في مكانها وحيدة وكأنها في الحبس الاحتياطي. 

هكذا يبدو الإعلام المصري ، محبوسا احتياطيا على ذمة قرار إفراج ، تعطله إجراءات "سياسية" من الأمام ، وصفقات مالية إلى اليمين، وكلمة شرف إلى اليسار .. ومن الوراء تقف التوافقات الأمنية .. هو محاصر من الجهات الأربع ، تماما مثل حصان الوزير (شطرنج) الذي تحاصره البيادق ولا يستطيع الحركة!

في الإجراءات "السياسية" ، ترتكز الدفوع في بطلان الحبس ، على عدم حصول قوات الضبط على "إذن" من دستور2014 باعتباره المدعي العام المصري ، وأن حبس "الإعلام" لا يتفق مع المادة 48 منه التي تنص على حرية الصحافة والطباعة والنشر ، وتؤكد على أن وسائل الاعلام مكفولة، والرقابة على الصحف محظورة ..

وادعى "الدفاع" إن مبرر قرار الحبس الاحتياطي يستند على "مخاوف" سياسية، تحذر من هروب المتهم إذا ما تم الإفراج عنه ، خوفا عليه من الوقوع في قبضة المتربصين وأعداء الدولة ، وهذا فساد في الاستدلال (يقول الدفاع) حيث أن الإعلام لن يستطيع الوقوع في قبضة أحد غير سلطة الدولة بحكم طبيعة تكوينه منذ النشأة (التأميم) .. وبناءعليه هو ملكية خالصة للدولة، لا تملك من نفسها شيئا لكي تهرب خارج البلاد، وليس لديها "جوازسفر باسمها (الإعلام) للخروج من صالات السفر بمطار القاهرة!.

من جهتها ردت "هيئة قضايا الدولة" على الدفوع التي قدمها المحامون للإفراج عن "المتهم" وقالت إن "الإعلام" ما يزال خاضعا لأحكام المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية الذي منح قاضي التحقيق، الحق في الحبس إذا كان هناك خشية من "الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذي قد يترتب على جسامة الجريمة".

على جانب آخر ترفض "المالية" الإفراج عن المتهم (الإعلام) إلا بعد سداد ديونه التي تتجاوز 20 مليار جنيه، وطالبت بتمديد الحبس لحين انتهاء المفاوضات بين الهيئة الوطنية للصحافة والهيئة القومية للتأمين الاجتماعي ، تضمن لوزارة المالية الحصول على مستحقاتها المتأخرة من "صفقات" البيع المقبلة.. وقد أفادت التقارير باعتراض الدفاع على المفاوضات لغياب نقابة الصحفيين عنها ، باعتبارها صاحبة الحق الأصيل في متابعة عمليات البيع ، حيث أنها ستتحمل وحدها تسديد فاتورة ما بعد البيع (تشرد وبطالة) في رأي الدفاع .

كذلك يعترض "الأمن" على صدور قرار الإفراج ، باعتبارأن المحبوس احتياطيا (الإعلام) متعدد الولاءات ، وأن الظروف الحالية التي تمر على البلاد تفرض وضع الإعلام تحت الإقامة الجبرية لمتابعة توجهاته ، وضبط انفعالاته على الهواء طبقا للأحوال ، والسيطرة عليه ضروره للحد من خطورته على الأمن العام ،على الأقل في الوقت الحالي.

وأخيرا تقف كلمة الشرف أمام الإعلام تحاصره من يساره كظل ، يبدو وكأنه شبح على ورقة بيضاء ، يحاول القفز منها ، بالعواطف والدموع مرة ، ولقمة العيش مرة أخرى ، والخوف مرات ومرات من المستقبل الضبابي للإعلام المصري، تحت ضربات "السياسة ـ التشريع" في ظل قوانين وقرارات "استثنائية" تربك مشهد "الحريات" عموما وفي القلب منه حرية إبداء الرأي .. تبدو كلمة الشرف كالظل الثقيل ، داخل أوساطها الإعلامية ، وأسواقها الشعبية تقف وسط حصار صارم من "الإجراءت السياسية" في الأمام ، والفساد عى مربع اليمين ..والفقر من الوراء ، يمنعها (الحصار) من الحركة والصرخة !

داخل غرفة المداولة ، اتجه فريق إلى إطلاق سراح الإعلام  تماشيا مع روح الدستور ومتناغما مع المادة 48 منه التي تنص على "حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الاعلام مكفولة، والرقابة على الصحف محظورة" ، بينما تبنى فريق آخر قرار تجديد الحبس الاحتياطي للإعلام ، استنادا للمادة 48 نفسها من الدستور التي أجازت الاستثناء في حالات الطوارئ أو زمن الحرب في فرض رقابة محددة فى الأمور التى تتصل بالسلامة العامة أو اغراض الأمن القومى".، وطلب هذا الفريق المؤيد لتجديد الحبس غلق باب المداولة وإصدار القرار ..

إلا أن الفريق المؤيد لقرار الإفراج ، قدم رسالة نصية لرئيس الدولة ، عبد الفتاح السيسي ، كتبهاعلى منصة تويتر العالمية يقول فيها: " قررت ولأول مرة منذ سنوات إلغاء مد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد" .. وبموجب "التويتة" فإن الاستثناء الذي جاءت به المادة الدستورية وفقرة (الرقابة والحظر والمنع ) التي جاءت ضمن سياق المادة 48 في باب الحريات ، يسقط من تلقاء نفسه بمجرد إلغاء حالة الطواريء ، بقرار من أعلى سلطة دستورية في البلاد .. ولتلك المستجدات ، يطلب الفريق المؤيد للإفراج إعادة المداولة مرة أخرى ، لوجود "مستجد دستوري" يلزمنا بالإفراج عن "المتهم". 

لكن الفريق المعارض تمسك بـ"الإجراءات" التي ما تزال تحكم قوانين "الحبس" في الجنح والجنايات ، وأن القرار الجمهوري المتعلق بإلغاء الطوارىء، لم يفصح عن الآلية السياسية للقرار، التي يترتب عليها إطلاق سراح "الرأي" من محبسه ، وما إذا كان بضمان محل السكن ، أم بكفالة رجال الأعمل أم بتعهدات أمنية .. وإلى حين الانتهاء من وضع القواعد الجديدة المنظمة للحريات عموما (خصوصا الإعلام والراي) يتعين على غرفة المداولة أن تلتزم بـ "الإجراءات" الحالية المتبعة إلى حين صدور القواعد الجديدة في العمل السياسي ومساحة حرية أبداء الرأي ، في ما بعد إلغاء حالة الطوارىء.

المشاورات ما تزال مستمرة في غرفة المداولة، والجميع في انتظار القرار ، وإلى حين صدوره ، يتم تجديد الحبس  للإعلام.. ويتم مراعاة التجديد في الميعاد.. 

آه : نسيت أقول إن قطعة الشطرنج المحاصرة ، لا يمكن تحريرها ، وتبقى في مكانها إلى أن ينتهي الدور بـ"كش مات".
-----------------
بقلم: 
أحمد عادل هاشم

مقالات اخرى للكاتب

الاستعلاء والاستهزاء في الكرة والسياسة !





اعلان