27 - 09 - 2024

بعد نشر حسابات رموز نظام مبارك في ""كريدي سويس".. هل تتحرك مصر لاسترداد الأموال المهربة؟

بعد نشر حسابات رموز نظام مبارك في

- 26 مليار دولار حجم الأموال المهربة من البلاد بنهاية السنة الأولى لثورة يناير 

جددت تسريبات بيانات 18 ألف حساب في بنك كريدي سويس"، ثاني أكبر بنوك سويسرا، المطالبات بتتبع الأموال المصرية المهربة من قبل رموز نظام مبارك والتي تقدر بمليارات الدولارات، والتي عجزت اللجان العديدة التي شكلت عقب ثورة يناير في إرجاعها للبلاد.

تضمنت التسريبات الأخيرة، تفاصيل حسابات أكثر من 18 ألف عميل حول العالم منها عشرات الحسابات المصرية وبينها 6 حسابات للأخوين علاء وجمال مبارك، تم فتح أحد حسابات علاء في وقت مبكر يعود إلى عام 1987، عندما كان يبلغ من العمر 27 عاما. وكان هناك حساب مشترك آخر للأخوين بلغ حدا أقصى قدره 277 مليون فرنك سويسري، وهي مبالغ ذكرتها سابقا بيانات من الحكومة المصرية، ولكن لم يتم تأكيدها مطلقا.

وكشفت التسريبات أيضًا عن حسابات بنكية لقيادات أخرى في نظام مبارك، منها حسابات لرجل الأعمال الراحل حسين سالم تقدر قيمتها بنحو 104.7 ملايين فرنك سويسري، وحساب أخر  لعمر سليمان، رئيس المخابرات السابق، بلغت قيمته 26 مليون جنية إسترليني، وشخصيات أخرى مثل محمد مجدي راسخ، ومحمود يحيى الجمال، اللذين يمتلكان ملايين الفرنكات السويسرية في "كريدي سويس".

لجان بلا جدوى 

منذ اندلاع ثورة يناير 2011 وعلى مدار السنوات الماضية يطالب المصريون كافة الحكومات المتعاقبة بضرورة استعادة الأموال المنهوبة، وجاءت التسريبات الأخيرة لتعيد هذه المطالبات مجددًا، خاصة في ظل ظروف الاقتصاد المصري. 

وشكلت العديد من اللجان طيلة السنوات العشر الماضية لاستعادة الأموال المهربة للخارج، وكانت أول دولة أعلنت تفاعلها مع مطالب ثورة 25 يناير، هي سويسرا، حيث أعلنت الحكومة السويسرية بعد خلع مبارك مباشرة تجميد أصول وأموال يُعتقد أنها تعود إلي مبارك تبلغ قيمتها نحو 700 مليون فرانك سويسري (ما يعادل 664 مليون دولار)، بغرض منع نهب هذه الأموال.

وكانت أول لجنة شكلت لإستعادة الأموال المهربة في أبريل 2011، عندما أصدر المجلس العسكري مرسومًا بتشكيل لجنة قضائية برئاسة المستشار عاصم الجوهري، مساعد وزير العدل لشئون الكسب غير المشروع ، وفى يناير 2012، أصدر الدكتور كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء قراراً بتشكيل لجنة قومية للتنسيق بين الأجهزة المعنية باسترداد الأموال والأصول المصرية المهرّبة، وتذليل العقبات التي تواجه عمل اللجنة القضائية، ومساعدتها في التحري والبحث، وجمع الأدلة والمستندات الخاصة بتهريب الأموال المصرية.

 وفى أغسطس 2012 شكل مجلس الوزراء برئاسة هشام قنديل لجنة وطنية لاسترداد الأموال المنهوبة من جديد، وبعد تولى المهندس إبراهيم محلب رئاسة مجلس الوزراء، قرر تشكيل "اللجنة الوطنية التنسيقية لاسترداد الأموال والأصول المصرية المهربة للخارج"، كذلك تم تشكيل لجنتين آخريتن في عام 2014، وعام 2015، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.

وفى 22 مارس 2011، أصدر الاتحاد الأوروبى القرار رقم172 لسنة2011، والذى سمح بالتحفظ على الأموال المصرية لمبارك وكبار رموز حكمه، والموجودة في البنوك الأوروبية لمدة عام بسبب مسئوليتهم عن اختلاس أموال الدولة المصرية، وحرمان الشعب من فوائد التنمية المستدامة لاقتصادهم ومجتمعهم، بل قام الاتحاد الأوروبى أيضا بطلب أكواد التحويلات الكبيرة التى تمت من مصر قبل وأثناء ثورة 25 يناير من الحكومة المصرية لتتبع هذه الأموال، ومعرفة أين استقرت لوضعها تحت التحفظ.

وبالرغم من كل هذه اللجان وهذه المحاولات، والتعاون قدر الإمكان من قبل المؤسسات والجهات الدولية، إلا أن هذه اللجان لم تستطع إعادة الأموال المهربة، كما لم تتمكن من حصر إجمالي الأموال المهربة، وكانت النقطة المضيئة الوحيدة طيلة تلك السنوات في عام ٢٠١٨، عندما استطاعت اللجنة توقيع عقد تصالح مع رجل الأعمال مجدي راسخ بشأن ما نسب إليه في كثير من القضايا مقابل سداد 1,3 مليار جنيه، لكن يظل الرقم ضئيلا وأقل من المتوقع استعادته بكثير. ففي عام 2017، نقل الإعلام المصري عن مصادر قضائية أن أجهزة الدولة تسلمت تقارير حول ثروة مبارك في الداخل فقط تقدرها بنحو 3.6 مليار جنيه (193 مليون دولار)، وأمواله في الخارج تقدر بنحو 1,5 مليار دولار. 

تجاهل الطلب الأوروبي

د. عبدالنبي عبدالمطلب، الخبير والمحلل الاقتصادي، يقول لـ "المشهد"، إنه بالرغم من كل هذه اللجان وهذه المحاولات، لم تتمكن مصر من استرداد الأموال المهربة للخارج، بل تحمل الاقتصاد المصري مصروفات بدل الجلسات، والسفريات، والانتقالات، وترجمة مستندات وطلب استشارات، تراوحت تكاليفها بين 100-300 مليون جنيه منذ نشأتها وحتى الآن. 

ويضيف أن التسريبات الأخيرة الصادرة عن بنك كريدي سويس السويسري لن تغير من الأمر شيئا، ذلك أن استرداد الأموال مهمة صعبة وشاقة، إذ يصعب إقناع أي دولة في العالم بفك السرية عن الحسابات المصرفية في بلادها لتتبع هذه الأموال، وذلك لأسباب عديدة، منها حصول مبارك وكبار رموز نظامه على أحكام نهائية بالبراءة مما نسب إليهم في العديد من القضايا التي نظرها القضاء المصري، وأعطى ذلك انطباعا لدى الدول التي سبق وأن جمدت بعض الأصول المملوكة لمبارك، بأن الحكومة المصرية لا تمتلك دليلاً مقنعاً على أن هذه الأموال تم التحصل عليها من فساد، أو استغلال المنصب، أو بأي طرق أخرى غير مشروعة. 

الأمر الثاني أن الحكومة المصرية منذ عام 2011 وحتى الآن لم تستجب لطلب الاتحاد الأوروبي بتسليمه أكواد التحويلات الكبرى التي تمت في مصر أثناء ثورة 25 يناير وما بعدها، حيث لا يوجد أي أدلة على أن هذه الاموال قد خرجت فعلياً من مصر من خلال القنوات المصرفية الرسمية، حيث أنكر البنك المركزي مرور هذه التحويلات من خلاله، كما أن إقناع العالم بالتعاون مع الحكومة المصرية لتتبع الأموال المهربة، يحتاج إلى صدور أحكام قضائية نهائية وباتة.

وبالنسبة للأموال التي تم تهريبها من مصر أثناء ثورة 25 يناير وما بعدها، يقول عبدالنبي أنه بالرغم من عدم وجود أرقام أو معلومات مؤكدة في هذا الأمر، فان تقرير الاستثمار العالمي لعام 2013 أشار بوضوح إلى خروج نحو 8 مليارات دولار من مصر خلال عام 2011، وفى نفس الفترة، ارتفعت حجم الأموال التي دخلت إسرائيل بنحو 7,4 مليار دولار، وأشار تقرير آخر صدر عام 2014  إلى أن أرقام الأموال الداخلة إلى إسرائيل عادت لمستواها الطبيعي، وهذه البيانات قد تعنى تهريب نحو 8 مليارات دولار من مصر إلى إسرائيل، إما عبر قنوات غير شرعية، أو عبر الحدود، ثم تم توجيه هذه الأموال من إسرائيل إلى باقي دول العالم، وبذلك فانه يمكن تقدير الأموال المهربة خارج مصر حتى نهاية عام 2011 ، بنحو 26 مليار دولار، أي نحو 180 مليار جنيه مصري. 

ويؤكد د.عبدالنبي أن الكرة تبقى في ملعب الحكومة المصرية، وإمكانية تتبع حسابات مَن تم ذكر أسمائهم في التسريبات، وسؤالهم عن مصدر أموالهم.
----------------
تقرير- عبدالرحمن قطب