19 - 10 - 2024

امبراطورية "اقتصاد الظل" وأسباب تخوف المنخرطين فيه من الاندماج في الاقتصاد الرسمي

امبراطورية

ثلث حجم اقتصاد البلاد وفق أقل التقديرات ومحاولات لاخضاعه للرقابة الحكومية
- رانيا الجندي: حوافز ومغريات في قانون الاستثمار الموحد لجذب مزاولي الاقتصاد الموزاي
- أسامة زرعي: شرعية الاقتصاد غير الرسمي ترفع الناتج المحلي ومعدلات النمو الاقتصادي 
- محمد عبد الهادى: رؤية مصر 2030 تستهدف تقليص الاقتصاد غير الرسمي واخضاعه للرقابة 
- محمد راشد: تعقد النظام الضريبى وارتفاع معدلات الضرائب والتراخيص وراء مخاوف الاندماج 
- جون لوكا:  الإقتصاد غير الرسمي يشكل 60%من القوة الاقتصادية ويشهد نمواً مستمراً 
- أيمن الزيات: الرقمنة والفاتورة الإلكترونية تساهم في القضاء على الاقتصاد الموازي

يعد كل نشاط تجاري يتم مزاولته خارج نطاق القوانين واللوائح ويتهرب من السلطة الضريبية، جزءاً مما يعرف بـ" اقتصاد الظل" أو الاقتصاد غير الرسمي أو الاقتصاد السري، ويتميز بثلاث خصائص رئيسية، أولها الجوانب غير القانونية له، إذ يركز ممارسوه على تلبية الطلب دون النظر إلى القوانين المنظمة، أو توفير السلع والخدمات التي يسمح بها القانون لكنها لا تخضع لأي معالجات ضريبية.

 وثاني الخصائص أن نشاط الاقتصاد غير الرسمي قد يستخدم لغسل الأموال وإكسابها شكلًا قانونيًا، وثالث الخصائص، اتباع طرق ملتوية لتجنب كشف سلطات إنفاذ القانون أو موظفي الامتثال المصرفي والسلطات الضريبية عن المدفوعات والمعاملات المالية التي تتم.

وتحاول الحكومة منذ سنوات وطبقا لرؤية مصر 2030، دمج كافة الأنشطة الاقتصادية التي تنتمي للاقتصاد غير الرسمي، ضمن الاقتصاد الرسمي، بحيث تستفيد من كافة التسييرات والاجراءات الممنوحة للاقتصاد المنظم، وفي نفس الوقت يتم مراقبة أعمالها من قبل السلطات الرقابية والإشرافية.. لكن تبقى التساؤلات ماهو حجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر؟ هل هناك احصاءات رسمية تقدر حجم الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية في البلاد؟ وكيف يمكن دمجها ضمن الاقتصاد الرسمي؟ وما هى الفوائد التي ستعود على أصحاب هذه الأعمال عند دمجهم في الاقتصاد الرسمي؟.

محاولات الدمج

رانيا الجندي خبيرة الإقتصاد وأسواق المال وعضو الجمعية المصرية للإقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع تعرف الاقتصاد غير الرسمي بالأنشطة  التي تتم خارج اللوائح والقوانين، ولا يصنف القائم بأنشطته بكونه متهربا ضريبياً، وتحاول الدولة المصرية جاهده إجتذاب أصحاب هذه الأنشطة عن طريق المحفزات التي وردت في قانون الاستثمار الموحد وكذلك توفير الدعم المالي واللوجستي عن طريق منظمات وبنوك محلية ودولية وكذلك تقديم إعفاءات وترحيل للأعباء.

 لكن المشكلة تكمن في عدم تأقلم هذه الفئة على هذا الوضع حيث يصنفونها بأنهاعرقلة هم في غنى عنها، وخاصة أنهم لن يقوموا بالتعامل مع نفس الفئة التي كانت توفر لهم السلع الوسيطة، بل مع التي عمدت توفيق الأوضاع مثلهم لتوفير الفواتير للجهات المانحه للدعم، وبالتالي يقل هامش الربح مع ارتفاع تكلفة التصنيع 

وتضيف أن حجم الاقتصاد الموازي في مصر كما أعلنته وزارة التخطيط لايتخطى 25% كما تبلغ نسبة العاملين بالشركات والمصانع والذين لا يمتثلون لضرائب الدخل نحو 5%، فيكون الإجمالي 30%، وإن 

كان للإجراءات الاحترازية التي قامت بها الدولة خلال جائحة كورونا على مستوى العمالة غير المنتظمة أثر كبير، حيث سهلت على الدولة جمع بيانات عن فئة العمالة المتضرره والمستهدفة.  

 

وبحسب أسامة زرعي الباحث الإقتصادي، فإن الاقتصاد غير الرسمي يعتبر مظلة كبيرة يندرج تحته أكثر من فرع أولها الاقتصاد الأسود المبني على التعاملات التجارية غير المشروعة، والاقتصاد الموازى وهو عمليات تجارية مشروعة، لكنها لا تدخل تحت حسابات الدولة الاقتصادية. 

والنوع الثالث من العمليات الاقتصادية التي تندرج تحت الاقتصاد غير الرسمي هو الاقتصاد الخفي، وهو المعني به العمليات الاقتصادية القائمة على التهرب، أي تلك التي لم يتم تدوينها في الحسابات الرسمية للمؤسسات. 

وتحاول الحكومة دمج الاقتصاد غير الرسمي مع الاقتصاد الرسمي من خلال عدة طرق من بينها الشمول المالي والتحول الرقمي، ومن خلاله يتم تقديم مزيد من الحوافز الائتمانية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر للمستفيدين.

ويضيف:" دخول الاقتصاد غير الرسمي ضمن الاقتصاد الرسمي، سيزيد من الناتج المحلي للدولة، وسترتفع معدلات النمو الاقتصادي، فمثلاً الاقتصاد الرسمي يمثل حوالي 6,5 تريليون جنيه في حين يمثل الاقتصاد غير الرسمي 3.25تريليون جنيه، وفي حال جرى دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي ستستطيع الدولة اعتماد برامج خاصة بالحماية الاجتماعية بشكل أفضل للجميع، وستكون هناك قواعد بيانية لهم، فالاقتصاد الرسمي يقدم للمستهلك منتجاً عليه رقابة ويراعي كافة النواحي الانتاجية السليمة".

والمؤكد أن الدولة تحاول الحصول على حقوقها من وراء دمج الاقتصاد غير الرسمي مع الاقتصاد الرسمي عن طريق الحصيلة الضريبية لكافة العاملين تحت طائلة الاقتصاد، وبالتبعية سيحدث انخفاض لحجم الدين العام المصري.

منافع ومكاسب

من جانبها تقول "حنان رمسيس" الخبيرة الإقتصادية بشركة الحرية لتداول الأوراق المالية، أن الخطوات التي تتخذها الحكومة بشأن الرقمنة، وربط كافة الخدمات اليكترونياً، يمكنها من معرفة كل شئ عن الأنشطة الاقتصادية مما يمكنها من تقديم كافة الخدمات للمواطنين دون تكبد عناء التنقل إلى مكان تلقي الخدمة.

والمؤكد أن هناك فوائد كبيرة من دمج الاقتصاد غير الرسمي مع الاقتصاد الرسمي، منها تحقيق العدالة الاجتماعية والمالية والضريبية، وإن كان من الأفضل أن تتم عملية الميكنة بالتدريج بغرض تجنب الضغط الهائل علي شبكة المعلومات، كما ان المواطن من حقه إستيعاب خطوات التطوير والربط خطوة بخطوة.

وعلى نفس الصعيد يقول خبير أسواق المال محمد عبد الهادى، أن هناك مسميات للاقتصاد الأسود منها اقتصاد الظل، أو الاقتصاد غير الرسمي أو الاقتصاد الموازي، أو الاقتصاد السري، ويبلغ حجم الاقتصاد الاسود عالمياً بما يقارب من تريليوني دولار، وتكمن مساوىء ذلك الاقتصاد في أنه لا يدخل ضمن الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وبالتالي في حال جرى دمجه في الاقتصاد الرسمي، فإنه سوف يعطي صورة حقيقية عن الناتج المحلي للبلاد .  

الأمر الثاني أن الاقتصاد غير الرسمي لا يخضع للضرائب، والتي تعتبر مصدرا من مصادر إيرادات الدول، لذلك حال خضع تحت المظلة الرسمية فإنه يساهم في خفض عجز الموازنة العامة للدولة، ويتحقق معه نوع من أنواع التوازن والعدالة بين أفراد المجتمع الواحد، ومع خضوع كافه الأفراد للضرائب يعني أن النشاط خاضع لكافة الحمايه القانونية والتأمينية.

ويضيف عبد الهادي:" هناك نوعان من الاقتصاد الأسود منها المشروعة والتي تحاول مصر دمج تلك المشروعات ضمن الاقتصاد الرسمي من خلال تقديم محفزات وطرق من شأنها تشجيع دمجه في الاقتصاد الرسمي، أما النوع الثاني فإنه غير مرغوب في دمجه بل الدوله تحاربه وفقاً للقانون، مثل تجارة المخدرات والآثار وتجارة البشر وتجارة السلاح.

ويتابع أن الحكومة وضعت في استراتيجيتها لرؤيه مصر 2030 معايير من شأنها تقليص دور الاقتصاد غير الرسمي، ومن أهم تلك المعايير المبادرات الخاصه بالبنك المركزي لتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع الصادرات، والرقمنة والتعامل من خلال الدفع الإليكتروني لكافة المعاملات، فضلاُ عن زياده نسبة الشمول المالي لاستفادة الأفراد من كافة الخدمات المقدمة إلى جانب تفعيل دور الرقابة، وعدم اعتماد أي مستندات إلا من خلال معرفة مصدر الأموال واعتمادها من قبل الدولة.  

وتقوم الحكومة من خلال ذلك بضم الاقتصاد غير الرسمي بالاقتصاد الرسمي، من خلال منظومة الضرائب بتطبيق وميكنة العمليات وفقا للإجراءات والتشريعات العالمية، بالاضافة الي إتمام عمل الفاتورة الاليكترونية وهي أحدي إجراءات التحول الرقمي بالاستغناء عن الإجراءات الورقية، بحيث تخفض من الإجراءات وتسهل عمليه الدفع، دون تعقيد بالاجراءات وتسجيل كافه المعاملات بسهولة ويسر. 

ويقول إن آخر احصائية قدرت نسبة الاقتصاد غير الرسمي بنحو 33% من الاقتصاد الرسمي، وساهمت الإجراءات الضريبية التي اتخذت في خفض نسبة الاقتصاد غير الرسمي، بما يصب في مصلحة الدولة، ويرفع معدلات النمو وانشاء المشروعات القومية التي تخدم بطريقة غير مباشرة الدولة والمواطن.  

وهناك ضرورة  لرفع معدلات التوعية للمواطنين بأهمية الدخول في الاقتصاد الرسمي، مع إعطاء محفزات ايجابية لمن يخضع لدمجه في الاقتصاد الرسمي، وعمل حملات مرئية ومسموعة لتشجيع المشروعات بأهمية مساهمتها في رفع معدلات التنميه للدولة.   

مخاوف من الدمج

ويرى الدكتور محمد راشد الخبير الاقتصادى، أن دمج الاقتصاد غير الرسمي أصبح ضرورة ملحة فى ظل الثورة الرقمية التى تشهدها الدولة المصرية، وهو أحد الملفات الهامة على أجندة الحكومة المصرية من خلال البحث عن محفزات ضريبية وتمويلية بغرض تشجيع تلك الأنشطة طواعية على الانخراط فى الاقتصاد الرسمى.

ويضيف أن هناك العديد من العوامل التى تدفع البعض إلى الدخول فى دائرة الاقتصاد غير الرسمى وهى تعقد النظام الضريبى، وارتفاع معدلات الضرائب وتنوعها وتداخلها، علاوة على الفساد الذى يشوب بعض المؤسسات سواء فى استخراج التراخيص أو غيرها من الإجراءات والمتطلبات الرسمية، إلى جانب شعور الأفراد بعدم عدالة النظام الضريبى.

 وارتفاع نسبة الاقتصاد غير الرسمى، يعنى ضياع أموال كثيرة على الموازنة العامة للدولة لعدم محاسبة هذه الأنشطة الاقتصادية ضريبياً، كما أن العاملين فى هذه المشروعات يتسمون بانخفاض مستوى انتاجيتهم، نظرا لعدم حصولهم على تدريب كاف ومستدام وبشكل مهنى وعلمى، وكذلك انخفاض مستواهم التعليمى وذلك وفقا للدراسات التى أجريت على ظاهرة الاقتصاد غير الرسمى، مما يعنى ضياع فرص لزيادة الإنتاج والصادرات على الاقتصاد القومى.  

ووفقا للتجارب الدولية، هناك عدة مقترحات لتشجيع اندماج الاقتصاد غير الرسمى طواعية في الاقتصاد الرسمى، كتبسيط إجراءات تأسيس المشروعات، وتقديم حوافز ضريبية وتمويلية لها، وذلك بإتاحة التمويل بأسعار فائدة مشجعة، مع تبسيط نظام المحاسبة الضريبية وايضا رعاية هذه المشروعات فنياً وتسويقياً من قبل الدولة من خلال ما يسمى بحاضنات الأعمال  

ويطالب راشد بإقامة قاعدة بيانات للمشروعات ومدها بالتدريب المهنى المبنى على أسس علمية، خصوصاً وأن سياسة الدولة فى ميكنة جميع الخدمات الفترة القليلة المقبلة، سيكون لها مردود ملموس على الحد من الفساد وبطء الإجراءات بما يدعم اتساع رقعة الاقتصاد الرسمى وانخفاض رقعة الاقتصاد غير الرسمي.  

ويتابع أن الدولة استغلت مفردات التحول الرقمى من خلال ميكنة النظام الضريبى من خلال الدفع الالكتروني الضرائب، علاوة علي تطبيق حازم للفاتورة الالكترونية، وكذلك الختم الالكترونى في محاولة من وزارة المالية لمحاصرة التهرب الضريبي وتضييق المنافذ عليه، وكل هذه الإجراءات ستحد من حجم الاقتصاد غير الرسمى والذى قد يتراجع نصيبه إلي نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي بعد أن كان يمثل نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي .

ومن جانبه يقول الخبير الاقتصادى جون لوكا، ان الاقتصاد الأسود هو أى شيء يتم خارج القانون، وبعض العلماء يصنفون الاقتصاد الموازي أو اقتصاد الظل على أنه جزء من الإقتصاد الأسود ويعرف على إنه السلع والخدمات المسموح بتداولها ولكن يتهرب القائمون على هذه الأنشطة من الضرائب، كمصانع بير السلم التي لها مخرجات تتفاوت من حيث الجودة، ويصل بعض منها إلى جودة عالية ولكن بسعر منخفض نظراً لأنها لاتخضع لكم الضرائب المتعددة التي تفرضها الدول ومنها مصر.

ويضيف:" حجم الإقتصاد غير الرسمي يمثل أكثر من 60% من القوة الاقتصادية، وهو في نمو مستمر ولا يرغب في الاندماج خوفاً من الأعباء، وفي ظل وجود معدلات تضخم عالية وأزمات اقتصادية سواء بفعل انتشار فيروس كورونا، وحالياً أزمات التوترات الجيوسياسية، والحروب وماتخلفه من كساد وتضخم،  أتمنى أن يتم تسعير الخدمات بأسعار زهيدة حتي يقبل جمهور المتعاملين علي استخدامها فتعم الفائدة وتتحول الدولة للميكنة الكاملة ، ولكن مع زيادة رسوم الخدمات يظل الاقتصاد الموازي، ويرفض الاندماج مع الاقتصاد الرسمي بسبب الخوف من الإجراءات الملزمة ". 

ويتفق خبير أسواق المال أيمن الزيات مع الأراء السابقة ويضيف أن كثيرا من الأنشطة التجارية أو الصناعات الصغيرة وبعض الأعمال الحرفية، أو أي عمل غير مدرج في الأوراق الرسمية يندرج تحت مسمى الاقتصاد غير الرسمي، وتخسر الدولة بسبب هذا الاقتصاد مليارات الجنيهات التي يمكن استخدامها فى تقديم خدمات للمواطنين . 

ويتابع أنه في ظل الاقتصاد غير الرسمي لا يحصل العاملون على أي خدمات أو حمايه قانونية أو مزايا تأمينية، لذلك لابد من محاربة الدولة لهذا الاقتصاد من خلال مصلحة الضرائب عن طريق التحول الرقمي   

وذلك بتطبيق منظومة الفاتورة والإقرارات الإلكترونية والتي من شأنها المساعدة  في القضاء على الاقتصاد الموازي، والقضاء على التهرب الضريبي، فضلاً عن توسيع القاعدة الضريبية، وتحقيق العدالة الضريبية، وحصر المجتمع الضريبى بشكل أكثر دقة.
------------------
تحقيق: بسمة رمضان