17 - 07 - 2024

البيوت والضغوط والحل!

البيوت والضغوط والحل!

تتكاثر الضغوط من كل حدب وصوب على البيوت والعائلات ، بين حين وآخر ، وهو ما يؤدي إلى وجود تحديات دائمة تتطلب حُسن الإدارة وحُسن الأخلاق لحماية سفينة الحياة وتجديد سبل الوفاق وتجاوز المحن بسلام في ظل أمواج عاتية من الضغوط.

إن الضغوط بكل أنواعها خاصة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية أسفرت عن حدوث المناكفات والجدال العقيم والملل والاستباحة واللدد عند الخصام والشقاق وصولا إلى الفراق والطلاق، والذي وصلت نسبه مثلا الى أرقام غير مسبوقة في مصر وبعض الدول العربية ، وفق أحدث الإحصائيات.

وفي مواجهة تلك الضغوط نرى أن حُسن الإدارة مهم جدا في صون البيوت والقلوب وصون العشرة والود ، وهذا لن يأتي إلا بعلم دائم ومتجدد وسعي نبيل قائم على التفاهم والحوار البناء.

ونحتاج في هذا الإطار إلى استيعاب الزوجين لمعنى إدارة الأزمة وهو بحسب المختصين: " الاستعداد لما قد لا يحدث والتعامل مع ما حدث".

ويقصد بإدارة الأزمات الأسرية Family crises management  - وفق د.كمال إبراهيم موسى في كتابه "الأسرة والتوافق الأسري"-: الأساليب التي تتبعها الأسرة، لا سيما الزوجين أو الوالدين ، في التوافق مع الأحداث الضاغطة، والتعامل معها، والتي قد تكون أساليب فعّالة أو غير فعّالة.

 والأساليب الفعّالة في إدارة الأزمة الأسرية - بحسب د.موسى – "هي تصرفات حسنة تمكن الأسرة من مواجهة الحادث الضاغط، والتغلب على ما فيه من صعوبات، وحمل ما يرتبط به من مشكلات، أو تمكنها من التعايش مع الحادث، وتحمله والصبر عليه، والرضا بقضاء الله وقدره، فيذهب عنها التأزم، ويعود إليها التوازن والاستقرار بعد الحادث الضاغط أو الأزمة،  أمّا الأساليب غير الفعّالة في إدارة الأزمة في الأسرة فهي تصرفات سيئة، فيها سخط واعتراض على الحادث، أو استسلام وانهزام أمامه، أو يأس وجزع وشعور بالذنب، ولوم للذات والناس والقدر".

كما يأتي حسن الأخلاق في مقدمة الأسباب الأساسية لإقرار الوفاق وحماية الود خاصة في فترات الضغوط ، وهذا لن يتأتى إلا بتغافل متجدد وتوازن حكيم ورفق رحيم وحب نبيل.

والتغافل غير الغفلة ، ويقول عنه الإمام الشافعي :" تسعة أعشار حُسن الخلق في التغافل"، وهو يحتاج إلى بصيرة ومصابرة ، فهو ليس سهلا كما أنه ليس صعبا ، ولكنه يحتاج إلى مداومة من الزوجين أو الوالدين وصولا لإجادته، ومن اجاده وفق ما سمعنا ارتاح واستراح.

والتوازن مهم جدا في فترات الضغوط، لأنه يعني تحديد الأولويات وتوازن الأدوار وتوازن الوسائل والتوقعات ، ولن ينجح تحقيق التوازن إلا برفقة الحكمة والبصيرة حتى نستطيع صناعة الأهداف بنجاح وحب قائمين على الأمان والتفاهم والحوار والاحترام والتقدير والتعاون والأخذ والعطاء والتسامح والاعتذار بما يصون الإيجابي الموجود ويحقق الحلم المفقود.

والرفق في وقت الضغوط والتوتر علاج للجمود والتصلب واللدد في المواقف ، ووقاية من التصعيد والتوتر دون داعي، لذلك ورد عنه صلى الله عليه وسلم في الرفق أنه قال: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)، كما قال صلى الله عليه وسلم " (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه).

والرفق رفيق الرحمة ، وفي الخُلقين خير للبيوت والقلوب، وفي هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرَّاحمون يرحمهم الرَّحمن).

والحب النبيل وليد كل هذا وغيره، فالقلوب النبيلة الودودة قلوب تفوز في معظم المعارك وتتخطى العديد من الصعاب، وإن تعثرت فهي تعلم أنها مسألة وقت طالما السعي النبيل مستمرا.

إن التحديات كثيرة والضغوط كبيرة في هذا الزمن على جميع البيوت والقلوب، ولا مخرج للزوجين أو الوالدين بعد اللجوء إلى الله عز وجل والإلحاح عليه إلا مواصلة السعي الواعي لتخطي كل الخطوب.
--------------------------
بقلم: حسن القباني

مقالات اخرى للكاتب

لن نعيش في جلباب الماضي