17 - 08 - 2024

استراتيجيات نفسية وطرق تقلل من فرص حدوث الخذلان

استراتيجيات نفسية وطرق تقلل من فرص حدوث الخذلان

يُعدُ الخذلان من أكثر المشاعر إيلامًا. أن تشعر بالثقة والأمان تجاه شيء أو شخص ما، ثم تكتشف في وقت تكون فيه في ذروة الضعف والهشاشة أن ثقتك لم تكن في محلها. كأن تُترك في مهب الريح. من منا لم يعاني من هذا الشعور.

ولكن الخبر السعيد أنه ليس من الضروري أن تعاني ذلك في حياتك، فهناك بعض الطرق التي تقلل للغاية من فرص حدوثه، وتجعل لديك من المرونة والقوة ما يجعلك تتخطى ذلك بسهولة كبيرة وكأن شيئًا لم يحدث. بعبارةٍ أخرى، تجعلك غير قابل للخذلان، مع الأخذ في الاعتبار أنه ليس هناك شيء مطلق. في هذا المقال أشارك معك استراتيچيات نفسية بسيطة تجعلك غير قابل للخذلان.

1-  معرفة السبب الحقيقي وراء الخذلان

يعتقد معظم الناس أن السبب وراء الخذلان هو أن البشر سيئون وقساة القلوب، وأنهم خُذلوا فقط لأنهم طيبو القلوب. وهناك من يعتقد أنهم خذلوا بسبب سوء اختيارهم، وهذا أفضل إلى حد ما وصحيح كذلك إلى حد كبير. ولكن تلك الأسباب ظاهرية وسطحية للغاية ولا تمثل سوى ٣٪ من السبب الحقيقي.

هناك قاعدة تقول (الأكثر ألمًا هو الأكثر سببًا). فكر معي في الأمر، عندنا يكون هناك طرفا علاقة ويقرر أحدهما الانفصال، يكون على الأغلب قد افنى كل محاولاته لإصلاح العلاقة؛ فلا يؤلمه الانفصال، بينما الطرف الآخر لم يستمع لكل تلك النداءات واستمر على ما يفسد العلاقة فيكون الأكثر ألمًا عند الانفصال. وكذلك في كل أنواع العلاقات والعلاقة مع الحياة كذلك. (إن الله لا يظلم الناس شيئًا، ولكنّ الناس أنفسهم يظلمون).

إذا،  طالما أنك قد تألمت من الخذلان فاعلم انك السبب بالضرورة. ولكن كيف؟

عندما لا تستقيم النية من عطائك وفعلك للخير، يحدث الخذلان تلقائيًا. فعندما تقدم الخير بدافع الرغبة في أن  يُقدرك الآخرون، أو يردوا لك الجميل في وقت لاحق، أو بدافع تحسينك لصورتك أمامهم أو أمام ذاتك، أو غيرها من الدوافع التي تقف وراءها الرغبة في الأخذ وليس العطاء، والتي تنتظر فيها شيئا في المقابل حتى لو كان هذا الشيء كلمة (شكرا). يكون ذلك السبب الأهم والأقوى لحدوث الخذلان.

ولكن عندما تفعل الخير وتقدم المحبة والعطاء بينما الدافع الحقيقي بداخلك هو الحُب الخالص، عندما تفعل الشيء لمجرد أنك تُحب إلهك وتُحب أن تفعل ما يرضيه. وعندما يكون بدافع وجود وفرة بداخلك من الحُب والعطاء. وعندما تجد لديك القدرة أن تعطي من يستطيع خدمتك ومن لا ترجو منه أي شيء على حدٍ سواء، وبالشغف والمحبة ذاتها في الحالتين، فقط لأنك تريد أن ترى هذا الشخص بخير وفي حال أفضل. يصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تُخذل. بل بالعكس، تجد في الحياة من اليسر والمحبة والوفرة ما يجعلك تتساءل ماذا فعلت لتستحق تلك النعم.

-  تصالح مع حقيقة أن بعض الناس قد يردون الإحسان بالإساءة ويردون الإساءة بالإساءة كذلك، واللاشيء بالإساءة. هم لا يعرفون أي طريقة أخرى! وقد لا يعلمون في الأساس أنهم يؤذونك. لنعترف بهذه الحقيقة ونتقبلها، ونعلم أنه حتى فعل الخير (كأي شيء في هذه الحياة) يحتوي على نسبة مخاطرة. إن أردت فعل الخير بصدق عليك أن تضع هذا الأمر في الحسبان ولا تصدم إن حدث معك.  

ولكن من المهم ألا نقع في الأحكام، إذا تصرف شخص ما بطريقة سيئة هذا لا يعني أنه "شخص سيء"،  بل يعني فقط أن "الفعل مؤذي" ولكن الشخص مكرم ومحترم. وهذا الفعل صدر منه لظروف وملابسات لا نعرف عنها شيئًا (مهما كانت معرفتنا وطيدة بالشخص). خاصةً أن معظم أشكال الأذى هي مجرد آليات دفاع عن النفس (في الغالب بشكل غير واعي وضد خطر وهمي). ولذلك ليس من الحكمة إطلاق الأحكام على الأشخاص وتصنيفهم والتقليل من شأنهم (حتى بيننا وبين أنفسنا)، لأن ذلك له عواقب نفسية وخيمة للغاية علينا.

-  توقع الأفضل واستعد للأسوأ

لا تعتمد على شيء او شخص واحد اعتمادا كليًا مهما حدث. لنفرض أنك مُسافر وقد وعدك صديقك أنه سيوصلك للمطار بسيارته، بالطبع أنت تثق بصديقك ولكنك ستُحَمِل أحد تطبيقات سيارات الأجرة، وكذلك ستؤهل نفسك أنه في حال لم يتوافر سائقون بالقرب منك فإنك ستركب المواصلات العامة، إذن ستكون على الاستعداد قبل الموعد بوقت كافي، وستتأكد أن بطارية هاتفك ممتلئة وأن لديك ما يكفي من السيولة النقدية.

في هذه الحالة إذا حدث لصديقك ظرف ما ولم يأتِ تستطيع بسهولة أن تتفهم وضعه وتسامحه، ولا يضرك تأخره ولا تشعر بالخذلان.

-  التفريق بين السبب والمصدر

الأصدقاء الجيدون يشعروننا بالمحبة، والأمان، والأنس، ، والتقدير، والقوة، وغيرها من المشاعر الرائعة، تلك الحالة رائعة للغاية ولكنها قد تكون خادعة إن لم تنتبه. فالمحبة والأمان والأنس والدعم وغيرها من القيم الجميلة هي رزقك، والرزق يأتي من الخالق، وليس من الأصدقاء. الأصدقاء والأهل هم مجرد قناة  لتدفق هذا الرزق إليك، وقنوات تدفق الرزق كثيرة ومتنوعة ومتوفرة.

لذا من الضروري أن تعلم أنك في كل الحالات ستحصل على رزقك من الحُب والدعم والأمان والأنس، سواءً تواجد من تعتبرهم قناة أو لا. من الضروري أيضًا ألا تربط هذا الرزق بشخص معين، فهذا الربط سيؤدي للخذلان لا محاله.

-  ضع ثقتك في محلها

بعض الناس يفعلون ما يقولون، ويقولون ما يفعلون، ويتحرون الدقة في أفعالهم وأقولهم. ولكن غالبية الناس لا تفعل ذلك. هذه حقيقة. فقط لأنك تحب شخصًا ما، لا يعني أن من صفاته أنه يقول ما يفعل ويفعل ما يقول، وهذا لا يعني أنه شخص سيء، هي صفات شخصية تختلف من شخص لآخر ولدى جميع البشر جوانب تقصير، إنه جزء من طبيعة الحياة. لذا لا تضع ثقتك في غير محلها. فقط اعتمد على من هم أهل للثقة في الشيء الذي تعتمد عليهم فيه بالتحديد. وحتى مع فعل ذلك ضع هامش أمان نفسي، لأنه حتى أكثر الناس أهلا للثقة قد تأتي رياحهم بما لا تشتهي السفن في بعض الأحيان. وقد يصدر منهم بعض التقصير بدون قصد.

وبناءً على ذلك نعود للنقطة السابقة ونضع الثقة في الخالق، ذو القوة المطلقة والحكمة المطلقة .

-  إدراك أن الدنيا غير دائمة

هذه الحياة متقلبة للغاية، وهذا الوقت سيمر أيضًا، فلا داعي للوقوف كثيرًا في نقطة واحدة بينما الوقت يمر، نعم نسمح لمشاعرنا بالحدوث ولكن لا يمكن أن نعيش باقي حياتنا أسرى موقف واحد أو شخص واحد. هذا ظُلم بين للنفس. نعطي للموقف حقه ونتعلم منه ثم نترك الماضي وراء ظهورنا ونعيش حياتنا حتى الامتلاء.

إذن الآن نعلم أننا غير مضطرين لمواجهة الخذلان في حياتنا. هناك طرق سهلة وبسيطة لتفاديه في العموم، منها العطاء بنية سليمة، والاستعداد لكل الاحتمالات ووضع الثقة في محلها، وتذكر أن الحياة تسير شئنا أم أبينا. والأهم أن نخرج من تلك الحالة للانطلاق في الحياة والعيش بسعادة كما يجب.
--------------------------
فدوى مجدي
من المشهد الأسبوعي