18 - 07 - 2024

حاصروا الفتنة.. فمصر هي الأبقى

حاصروا الفتنة.. فمصر هي الأبقى

تتابعت فى الأسابيع الماضية عدة أحداث اخذت أبعادا طائفية لا تتسق أو تتوافق مع مصر الواحدة، مصر كل المصريين. فحادثة قتل القمص أخذت هذا البعد على أساس أنه رجل دين مسيحى قتل على أرضية الهوية الدينية، كذلك فتوى تكفير غير الصائم، ناهيك عن خبر مايسمى اختطاف إحدى المسيحيات بحجة أسلمتها. 

هنا أريد أن أركز على مايسمى باختطاف المسيحيات ، وذلك لاهتمامى منذ ثمانينيات القرن الماضى بهذه القضية . فقضية الأسلمة لها أبعاد تاريخية لابد من المرور عليها حتى يمكن أن نؤصل ونحلل هذه القضية التى دائما ماتكون سببا مباشرا لتصعيد المناخ الطائفى الذى يتم استغلاله من هنا ومن هناك. 

فقبل عهد محمد على ونتيجة للظروف السياسية والاجتماعية ووجود كثير من التعامل الطائفى مع المسيحيين باعتبارهم جالية يمثلها بطريرك الكنيسة مثل باقى الجاليات الأجنبية. فكانت تقام الاحتفالات الاجتماعية شبه الرسمية عند قيام أحد المسيحيين بالتحول إلى الإسلام اختيارا أو ترغيبا أو ترهيبا، فى شوارع البلد المقيم فيها . مما حول هذه العملية إلى حالة صراع بين المسلمين والمسيحيين ، المنتصر فيها الذى أخذ مسيحيا وحوله عن دينه والهزيمة للجانب الآخر الذى خسر واحدا. 

ظلت تلك الممارسات حتى عصر محمد على الذى أخذ فى التخفيف منها، حتى وصلنا إلى وجوب جلسة مع المتحول للتأكد من أن هذا التحول لم يتم غصبا أو ترهيبا، وبالطبع كان يصحب هذه الجلسة جانب من محاولة ارجاع المتحول بالنقاش والحوار، فاذا أصر وكان راغبا فى ذلك كان له. ولكن حديثا تم الغاء هذه الجلسات مما أوجد تخوفات تتحول الى شبهات بإجبار المتحول، ولذا أصبحت كل الحالات ليس إجبارا بل اختطافا. 

هنا لابد أن نتوقف كثيرا، فلماذا يتم اعتبار أى حالة على أنها اختطاف؟ ذلك لأنه لايتم إذاعة أسباب التحول، وتتم المسألة عبر اختفاء، خاصة لو كانت سيدة ، فمن الطبيعى عند الاختفاء أن الأهل لايعلمون مكان المختفية ولا أسباب الاختفاء، هنا يكون اختطافا حتى يتم معرفة الموضوع، وحتى أكون أكثر صراحة.. حتى لو لم تكن المختفية مجبرة على الأسلمة يتحول الأمر إلى عار اجتماعى على الأهل . ونظرا للموروث الاجتماعى الذى صور الأمر على أنه معركة فيها الخاسر والرابح، يتحول الأمر من أمر يخص أسرة المختفية إلى أمر يخص كافة المسيحيين ، وهنا تتحول حالة الاختفاء إلى صراع اسلامى مسيحى ، كل طرف يتصور خطأ أن المعركة معركته الشخصية بالرغم من خصوصية الموضوع للشخص وأسرته فقط. 

وفى هذا الإطار المركب من عيب اجتماعى وخسارة طائفية، لابد أن تتحول الحالة إلى صراع طائفى يجعل الكنيسة تقوم بدور المنقذ والحامى للمسيحيين تأكيدا وتكريسا لدورها غير الدينى بديلا لدور الدولة والقانون. 

والتساؤل ..هل دائما ماتكون الحالة هى حالة اختطاف؟ من خلال تجاربى الخاصة مع كثير من هذه الحالات سواء على مستوى التدخل الشخصى أو على مستوى اهتمامى بعرض هذه القضية ولأول مرة فى الإعلام المصرى مع المرحوم وائل الابراشي، أقول أن تعبير اختطاف لايصلح، ويمكن أن يكون إغراء عاطفيا أو جنسيا وهذا لايتم بالاختطاف إطلاقا. كذلك يمكن أن يكون الأمر استغلالا لمشاكل زوجية أو مالية ، وهذا يتم عبر التواصل حتى الاقتناع، ولذا يجب أن تسمى الأمور بمسمياتها الصحيحة.

فالاختطاف جريمة يعاقب عليها القانون ولايمكن أن يتحول الإنسان الى عقيدة أخرى بالاختطاف ودون قناعة ذاتية، إذن فما الحل؟ الحل إعمال القانون والقانون وحده ، بمعنى أنه لايجب إعلان إسلام شخص (خاصة السيدات) عن طريق الأزهر قبل إخطار الأهل ، على أن تتم مقابلة للتأكد من عدم وجود أجبار ووجود اختيار بكامل الحرية والاقتناع، كما أنه يجب أن تقوم الجهات الأمنية بالوصول إلى من يقال أنها مختطفة وإعلان بيان بما تم. فإذا كانت حالة اختطاف بالفعل يعاقب المختطف فورا بلا التفاف ودون نظر لمسلم أو مسيحى . إذا كانت الحالة عن إيمان واقتناع، فلها ماتريد تحت تفعيل حرية العقيدة التى تجيز حرية التحول من هنا إلى هناك أو العكس. حيث أن القانون لا يفرق بين مصرى ومصرى على أساس الدين، والأهم أن حرية العقيدة لايجب أن يزايد فيها أحد (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فيكفر) (أتكره الناس حتى يكونوا مؤمنين). 

فلا يجب أن تظل هذه القضية التى تحمل أبعادا تاريخية خاطئة وأبعادا طائفية ودينية أكثر خطأ، فيجب أن نضع الأمور فى نصابها الصحيح حفاظا على مصر الوطن العزيز الغالى. فالدين اكبر من هذه الممارسات الاجتماعية التى لاعلاقة لها بالدين، كفى اختراع معارك صفرية لايوجد فيها منتصر أو منهزم، فالمسيحية لن تضار بخروج من يسلم ولا الإسلام سيكسب بانضمام مسلم جديد . القيمة الحقيقية هل كلنا - مسلمين ومسيحيين حقيقيين - نمارس الإيمان الحقيقي؟ أم أن القضية نتاج إيمان شكلى وتدين مظهرى وصراع اجتماعى نلبسه ثوبا دينيا. فكم من الجرائم ترتكب باسم الدين والدين منها براء. فلنعمل القانون والقانون فقط . والحل الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة. 

حمى الله مصر وشعبها العظيم .
-------------------------
بقلم: جمال أسعد

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (١٦)