16 - 08 - 2024

أثيوبيا .. مؤشرات خطرة أبرزها أن خمس الأثيوبيين لا يثقون في قواتهم المسلحة

أثيوبيا .. مؤشرات خطرة أبرزها أن خمس الأثيوبيين لا يثقون في قواتهم المسلحة

الأفراد ذوو التعليم المرتفع أقل رضا عن الأوضاع .. والتيجراي الأكثر غضبا بين العرقيات

تعد إثيوبيا، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 115 مليون نسمة، ثاني أكبر دولة في القارة الأفريقية من حيث السكان، وتمر حاليا بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث تواجه حربا أهلية واسعة النطاق، قد تمتد لتشمل جميع أنحاء تلك الدولة المتعددة الأعراق، وهو ما قد يسفر عن أزمة إنسانية عميقة، وفرار الآلاف من منازلهم تحت وطأة الحرب. الأمر الذي يستدعي ضرورة فهم المجتمع الإثيوبي من الداخل، والتعرف على توجهاته نحو العديد من القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية. وهو ما قام به الباحث د.مصطفى ربيع رئيس برنامج المؤشرات وتحليل البيانات بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بأبوظبي، في دراسته التي عنونها بـ "فهم أديس أبابا.. توجهات المجتمع الإثيوبي إزاء قضايا السياسة والاقتصاد والحرب".

أكد ربيع أن دراسته تعتمد بشكل رئيسي على تحليل بيانات مسح القيم العالمية الذي يتم تنفيذه في العديد من دول العالم، وكان من ضمنها إثيوبيا، حيث جري المسح الخاص بإثيوبيا في شهري فبراير ومارس 2020، وذلك عبر عينة ممثلة من المواطنين الإثيوبيين بلغت 1230 ً مواطنا باستخدام أسلوب المقابلات الشخصية وقد تمت عملية التحليل عبر برنامج SPSS. والهدف هنا بناء مؤشر مدركات المجتمع الإثيوبي حول الاستقرار، وهو يعتمد على اتجاهات وآراء المواطنين بشكل كامل، ويتكون من 8 مؤشرات فرعية "الثقة في المؤسسات ومدى انتشار الفساد، والمخاوف من الحرب والإرهاب، ونزاهة الانتخابات، ومدى الديمقراطية، والرضا عن الوضع الاقتصادي للفرد والأسرة" والتي تضم بدورها 50 متغيرا تم سؤال المبحوثين عنها.

الخلاصات الأساسية التي خرجت بها تحليلات ربيع في دراسته، جاءت في ثلاث خلاصات، في الأولى التي تخص التوجهات السياسية والأمنية، أشار إلى أن المؤسسات الدينية تعد أكثر المؤسسات التي يثق بها الإثيوبيون، فأكثر من 92% يثقون بها سواء بشكل كبير جدا أو إلى حد ما. والملفت للنظر أن 35.5% فقط من الإثيوبيين يثقون بشكل كبير في القوات المسلحة وهي نسبة تعتبر منخفضة، وما يقرب من 41.4 % يثقون بها إلى حد ما، بينما أكثر من خمس الإثيوبيين لا يثقون في القوات المسلحة، سواء على الإطلاق أو إلى حد ما. كما أن الفساد منتشر بشكل واسع في إثيوبيا خاصة في المؤسسات الرسمية للدولة، فحوالي نصف الإثيوبيين 48.9% يرون أن كل أو معظم الأفراد في سلطات الدولة منخرطون في الفساد، كذلك ما يقرب من 46.7% يرون أن كل أو معظم الأفراد في السلطات المحلية منخرطون في الفساد، وحوالي 41 %من الإثيوبيين يرون أن كل أو معظم مقدمي الخدمات المدنية منخرطون في الفساد.

كذلك ينتشر الفساد بين رجال الأعمال وفقا لآراء الإثيوبيين، فحوالي 44.2% يرون أن كل أو معظم رجال الأعمال منخرطون في الفساد.. ولا يقتصر الفساد في إثيوبيا على رجال الأعمال أو أفراد السلطات العامة والمحلية ومقدمي الخدمات العامة، وإنما يمتد كذلك إلى الإعلام والصحافة، حيث يرى ما يقرب من ثلث الإثيوبيين أن كل أو معظم الصحفيين أو الإعلاميين منخرطون في الفساد.

يوضح أيضا في هذه الخلاصة أن غالبية المجتمع الإثيوبي 95% لديه مخاوف من الحرب الأهلية، كما تنخفض بشكل ملحوظ درجة الرضا عن النظام السياسي المعمول به فيه، حيث بلغت 4.7 نقطة من إجمالي 10 نقاط "حيث 1 تعبر عن غير راض على الإطلاق و10 تعبر عن راض للغاية". وأن 2 من كل 3 إثيوبيين يرون المسؤولين عن الانتخابات غير عادلين، وأن الصحفيين لا يغطون الانتخابات بنزاهة. بالإضافة إلى ذلك فإن 57%  يرون أنه لا يتم عد الأصوات بنزاهة، وما يقرب من 53% من الإثيوبيين يرون أن أخبار التلفاز تنحاز للحزب الحاكم. وتقريبا 1 من كل 2 من الإثيوبيين يرى أنه لا يوجد احترام لحقوق الانسان، سواء على الاطلاق أو إلى حد ما. 

يعد الموبايل هو الوسيلة الأساسية للإثيوبيين، للتعرف على ما يجري في إثيوبيا والعالم، فحوالي 50.7% يستخدمون الموبايل لمتابعة الأخبار والحصول على المعلومات بشكل يومي، ويأتي التليفزيون في المرتبة الثانية، فحوالي 42.3% يشاهدون أخبار التليفزيون بشكل يومي، ويأتي الراديو في المرتبة الثالثة حيث يستمع إليه يوميا 40.4% من الإثيوبيين كمصدر للأخبار.

انخفاض مؤشر الرضا عن الحياة

الخلاصة الثانية تتمثل في التوجهات الاقتصادية والاجتماعية، وفيها يكشف ربيع "انخفاض درجة الرضا لدى الإثيوبيين عن حياتهم بصفة عامة وكذلك عن أوضاعهم الاقتصادية، حيث تبلغ قيمة مؤشر الرضا عن الحياة بينهم 5.8 نقطة من إجمالي 10 نقاط "حيث 1 تعبر عن غير راض على الإطلاق و10 تعبر عن راض تماما". وتبلغ قيمة مؤشر الرضا عن الوضع الاقتصادي للأسرة 5.2 نقطة من إجمالي 10 نقاط "حيث 1 تعبر عن غير راض على الاطلاق و10 تعبر عن راض تماما".

 كما تعرض أكثر من نصف الإثيوبيين لعدم توفر نقود معهم "مرة واحدة على الأقل خلال السنة السابقة للمسح"، كذلك 37.8% من الإثيوبيين لم يكن لديهم ما يكفي من الطعام "مرة واحدة على الأقل خلال السنة السابقة للمسح"، بالإضافة إلى أن 36%من الإثيوبيين لم يتوفر لهم الدواء أو العلاج عند الحاجة" مرة واحدة على الأقل خلال السنة السابقة للمسح".

وتابع ربيع أن 71% من الإثيوبيين أشاروا إلى قلقهم الشديد من فقدان العمل أو عدم القدرة على إيجاد عمل، وحوالي15% أشاروا إلى قلقهم كثيرا من ذلك، وبذلك يتشارك أكثر من 85% من الإثيوبيين هذه المخاوف. 

وفيما يتعلق بالتدين فإن غالبية الإثيوبيين يؤمنون بالله والجنة والنار والحياة بعد الموت، وذلك بنحو 99% و88.8% و83.4% على التوالي. وما يقرب من 85% منهم يصلون مرة واحدة يوميا على الأقل، كذلك 88.6% منهم يذهبون إلى الأماكن الدينية مرة واحدة أسبوعيا على الأقل. وبغض النظر عن الممارسات الدينية، يعتبر ما يقرب من 93% من الأثيوبيين أنفسهم أشخاصا متدينين. كما أن غالبية الإثيوبيين لا يرغبون أن يكون مدمنو المخدرات جيرانا لهم بنسبة 92% يليهم مدمنو الكحول بنسبة 77.3% ثم المثليون جنسيا بنسبة 69.7% ثم المصابون بمرض الإيدز بنسبة 31.7% يليهم غير المتزوجين الذين يعيشون معا "المساكنة" بنسبة 23.2% " ويبدو أن هذه الظاهرة تلقى قبولا بين الإثيوبيين لأن نسبة الرفض تبدو منخفضة".

الحروب والإرهاب المخاوف الأسوأ

الخلاصة الثالثة الأساسية تتمثل في مؤشر مدركات المجتمع الإثيوبي حول الاستقرار وفيها يكشف ربيع أن قيمة مؤشر مدركات المجتمع الإثيوبي بلغت حوالي 46 نقطة من إجمالي 100 نقطة "حيث تعبر القيمة صفر عن الأقل استقرارا وتعبر القيمة 100 عن الأكثر استقرارا". وهي قيمة منخفضة جدا، وتشير إلى أن الإثيوبيين غير راضين عن الأوضاع في إثيوبيا، وأن هناك انخفاضا لدرجة الاستقرار. أيضا هناك انخفاض في قيمة جميع المؤشرات الفرعية الثمانية. ولكن يلاحظ أن مؤشر المخاوف من الحرب الخارجية والحرب الأهلية والإرهاب هو الأسوأ، حيث تبلغ قيمته 10 نقاط من إجمالي 100 نقطة، يليه مؤشر الرضا عن النظام السياسي بدرجة 41 نقطة، وهو يشير إلى تراجع رضا الإثيوبيين عن النظام السياسي.وبالنسبة إلى الأمهرة والتيجراي فقد كانت لهم أقل قيمة لمؤشر مدركات الاستقرار، حيث بلغت 40.5 و42.3 نقطة على التوالي، ومن ثم فهم الأقل رضا عن الأوضاع، بينما كان للأورومو والسيداما أعلى قيم لمؤشر مدركات الاستقرار "52 و52.9 نقطة على التوالي"، وإن كانت تظل منخفضة نسبيا أيضا".

وبالنسبة للتفاوتات الدينية، كان الأرثوذوكس لهم أقل قيمة للمؤشر 42.4 نقطة، يليهم البروتستانت 48.6 نقطة، وكانت قيمة المؤشر بين المسلمين 50.5 نقطة. وتشير النتائج إلى عدم وجود اختلافات ملحوظة في قيمة مؤشر مدركات المجتمع الإثيوبي حول الاستقرار حسب النوع، كذلك لا يوجد نمط واضح للعمر، وفيما يتعلق بالتفاوتات بين الطبقات الاقتصادية فإن الاختلافات محدودة بينهم في قيمة المؤشر، بينما على الجانب الآخر يلاحظ أنه مع ارتفاع المستوى التعليمي تنخفض قيمة المؤشر، فالأفراد ذوو التعليم المرتفع أقل رضا عن الأوضاع في إثيوبيا

وكانت التفاوتات بين الإثنيات كبيرة في مؤشر الرضا عن النظام السياسي، ويعد التيجراي هم الأقل رضا عن النظام السياسي، حيث بلغت قيمة المؤشر 17 نقطة من إجمالي 100 نقطة، يليهم الأمهرة بحوالي 33.8 نقطة، ثم الولايتا بحوالي 35.9 نقطة. بينما على الجانب الآخر كان الأورومو هم الأكثر رضا عن النظام السياسي في إثيوبيا حيث بلغت قيمة المؤشر بينهم 56.2 نقطة..
--------------------------------
محمد الحمامصي
من المشهد الأسبوعي