17 - 07 - 2024

امدادات أمريكا العسكرية تشعل الصواريخ الروسية على أوكرانيا والعقوبات تزيد بوتين "عنادا"

امدادات أمريكا العسكرية تشعل الصواريخ الروسية على أوكرانيا والعقوبات تزيد بوتين

خلف الدبابات .. تحرك الشعوب رهان القوى العظمى 
- د. سمير غطاس: لا توقعات بمسار محدد للحرب ونهايتها لن تكون إلا بإعلان نظام عالمي جديد 
- د. عمرو الديب: العقوبات غير المسبوقة على موسكو لن تزيد بوتين إلا إصرارا على استمرار العملية العسكرية 
- محمد ربيع الديهي: «الناتو» لن يدخل في مواجهة مباشرة ويجري إنهاك روسيا بإطالة أمد المعارك

هي حرب "عض الأصابع"، وصراع الكبار، فمن سيعلن هزيمته أولا؟ على طريقة سردية العالمي نجيب محفوظ في وصف معارك الفتوات، تدور المعركة الروسية الأمريكية على أوكرانيا، روسيا تريد استعادة عهد القياصرة والتمدد السوفيتي، وأمريكا سيدة العالم وحاكمته منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، فهل سيسهم الدعم الأمريكي الكبير للسلاح الأوكراني بإعلان موسكو الاستسلام، وبقاء واشنطن قوة مركزية للعالم، أم أن الوهن الذي أصابها لن يعيدها للسيطرة من جديد، وتكون النتيجة عالما جديدا متعدد الأقطاب، وحتى الوصول إلى هذه النقطة أو تلك كم من الدماء ستدفعها الشعوب المستقطبة والتي قد لا يعنيها في هذه الحياة إلا تحقيق الأمن الغذائي والاقتصادي والحدودي، ولا يعنيها التمدد هنا أو هناك قدر ما يعنيها التنقل بأمان.

« المشهد» في التحقيق التالي يقف على آخر المستجدات والتوقعات لخبراء السياسة حول مصير الحرب الروسية -الأوكرانية ومآلتها بعد الدعم الأمريكي الكبير بالسلاح لأوكرانيا، وتوقيع مزيد من العقوبات علي موسكو...

بداية يؤكد د. عمرو الديب أستاذ مساعد في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي- جامعة لوباتشيفسكي الروسية ومدير مركز خبراء رياليست أن ما يدور الآن على الأراضي الأوكرانية لا يسمى حربا بل عملية عسكرية خاصة، لها أهداف محددة ستنتهي بتحقيق أهداف عسكرية محددة، ويقول: تتمثل هذه الأهداف التي تم الإعلان عنها منذ بداية العملية في السيطرة على الحدود الإدارية لجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، عند السيطرة على هذه الحدود سيكون جزء مهم من هذه الأهداف العملية قد تحقق، أيضا السيطرة على الجنوب الأوكراني، وهو ما تحقق منه جزء كبير بالسيطرة على ميناء ومدينة ماريوبول، بما لهما من أهمية استراتيجية كبيرة ستؤثر على الشكل العام للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

أما التوقعات فهي عند تحقيق الأهداف العسكرية ستنتهي العملية، وكما نرى أنها مستمرة رغم ما طرأ عليها من تعديلات؛ بانسحاب القوات الروسية من ضواحي مدينة كييف إلى الشرق الأوكراني، ونحن بذلك أمام مرحلة جديدة لهذه العملية والتي تركز فيها روسيا على السيطرة على الشرق والجنوب الأوكراني بالإضافة إلي استمرار مسألة نزع السلاح الأوكراني، الذي يتم باستمرار الضربات الصاروخية والمدفعية والجوية عن طريق القوات الجوية الروسية، وهذا الأمر نراه بشكل يومي وبطلعات تتعدى مئات المرات يوميا، هناك أهداف ونتائج نراها تعترف بها أوكرانيا، لذلك فالعملية مستمرة حتى تحقيق الأهداف كاملة أو حتى التوصل إلى اتفاق سلمي بين القيادة الأوكرانية وروسيا، وإن لم يحدث ذلك فالعملية مستمرة حتى وإن دخلت الولايات المتحدة الأمريكية بثقلها في هذه العملية، وحتى دخول الولايات المتحدة عامل محفز لروسيا للاستمرار في هذه العملية، ولن تكون عاملا مثبطا للعملية العسكرية، وسيزيد التدخل الأمريكي روسيا من ضرباتها، وهو ما رأيناه الفترة الماضية من تكثيف الضربات الجوية الروسية واستهدافها لمخازن أسلحة تم نقلها من جانب الغرب ومن جانب الولايات المتحدة الأمريكية للأراضي الأوكرانية، وهذا أمر نعلمه جميعا حتي وإن لم يتم إقراره من الجانب الأوكراني أو الجانب الغربي.

عقوبات محفزة

وبالنسبة للعقوبات الأوربية الجديدة على موسكو، أوضح أن روسيا تعتبر الدولة الأولى عالميا التي توقع عليها عقوبات بهذا الحجم في كل المجالات، بداية من الفن والرياضة انتهاء بالاقتصاد والسياسة مرورا بالجانب الدبلوماسي، لذلك فالعقوبات بالنسبة لروسيا ليست أداة ردع، ولن تثنيها عما تقوم به أو تعطلها، بل عامل دافع للاستمرار، وروسيا لا تعاني وحدها من هذه العقوبات، فالاتحاد الأوربي يعاني معها من أزمة طاقة، وكذلك الولايات المتحدة، والشرق الأوسط وجميع الدول التي تستورد القمح والذرة تعاني، أي أن العالم كله يعاني وليس فقط روسيا، وروسيا كدولة تستطيع العيش دون الاعتماد على الغرب، وهنا نتحدث عن الأمن الغذائي؛ فروسيا لديها إنتاج وفير من الاحتياجات الغذائية بما يحقق لها الأمن الغذائي التام، ولا تحتاج لأي دولة أخرى، فقط المنتجات الترفيهية تستوردها، وبخلاف ذلك هي دولة منتجة لكل المستلزمات الضرورية لحياة الإنسان ولكل احتياجاته الاستراتيجية من لحوم ودجاج، قمح، ذرة، سكر، دواء، ولذلك يمكنها الاستمرار عشرات السنوات بالاعتماد ذاتيا، لذلك العقوبات بشكل عام سواء الأوربية والأمريكية وحتى اليابانية، بعد توقيع اليابان على فرض العقوبات على روسيا لن تثنيهاعما تقوم به، وعن تحقيق هدفها الأساسي، بل على العكس ستضطر معه روسيا إلى زيادة وتيرة العمليات العسكرية وما تقوم به من ضغوط تجاه الغرب.

وأضاف أن بوتين لن يتسرع في أي اتفاق، وقد عرضت عليه بالفعل عدد من الاتفاقات سواء من ألمانيا، أو النمسا، أو فرنسا، أو عن طريق زيلنسكي نفسه، فأكثر من مرة عرض الرئيس الأوكراني الجلوس إلى بوتين ولكن روسيا ليست في عجلة من أمرها، لذلك لن يكون هناك تسرع باعتقادي، وسيتم الانتظار حتى تحقيق الأهداف الروسية المعلنة لهذه العملية العسكرية.

أوروبا المنقسمة

ويتفق محمد ربيع الديهي الباحث في الشؤون الدولية  بأن الهدف المؤكد من دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا هو إطالة أمد العملية العسكرية التي تقوم بها روسيا في الداخل الأوكراني، وهو أيضا الهدف الأوربي بقصد إنهاك روسيا اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، وحتى الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة هو دعم محدود للغاية، وحلف الناتو يخشى الخوض في مواجهات مباشرة ضد روسيا من خلال أوكرانيا، ولكنه يحاول إنهاك روسيا عسكريا ويطيل أمدها، حتى فكرة تقديم المعونات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة يوما تلو الآخر لن تقدم جديدا على مسار العملية العسكرية ولن ترجح كفة أوكرانيا، ربما تكون روسيا بدأت الآن تكتب نهاية العملية التي بدأتها ضد أوكرانيا بعد ما حققته من نتائج وأهداف أعلنتها صراحة، وما بقي من الأهداف الروسية هو تحييد أوكرانيا من الدخول في حلف الناتو والاعتراف باستقلال العديد من المناطق التي كانت تحت السيطرة الأوكرانية.

بالنسبة للعقوبات الأوروبية نجد أن هذه العملية العسكرية التي تقوم بها روسيا أوضحت حجم الانقسام في الداخل الأوربي، وعدم وحدة الاتحاد، حتي في العقوبات لم تتمكن من الاستغناء عن إمدادات النفط والطاقة، وهناك علاقات مشتركة، لذلك شهدنا بعض الدول الأوربية ترفض تنفيذ بعض بنود العقوبات منها اليونان والمجر على سبيل المثال، والدول الأوربية تشهد حالة من الاستقطاب الشديد بين روسيا والولايات المتحدة مما يضعف من تأثير هذه العقوبات، كذلك ربط بوتين النفط الروسي بالروبل مما أعطى قوة إضافية وثقة لدى المستثمرين الروس في العملة المحلية، وبوتين من الواضح أنه درس هذه العملية جيدا، واستعد لجميع العقوبات، ليقلل من مخاطر هذه العقوبات، وشهدنا في بداية العملية وفرض العقوبات انخفاض كبير للروبل، ثم ارتفاع، والآن يشهد ارتفاعا مقابل الدولار، ويبدو أن موسكو مصرة بمنتهى الشدة على فكرة الاعتراف بها كقطب دولي وتعمل على اكتساب قوة اقتصادية عالمية، وبدأ الروبل في الظهور كعملة بديلة للدولار، وربما نشهد في السنوات القادمة ظهور عملات أخري، أو التعامل بالعملات المحلية دون ربطها بالدولار، أيضا فكرة ربط النفط والغاز الروسي المصدر إلى أوربا بالروبل سيكون له تأثير كبير وتداعياته السلبية على أوروبا.

لذلك أعتقد أن العقوبات لن تكون هي المنشط لتوقيع بوتين لأي اتفاق، ولكن الحقيقة هي تحقيق الأهداف الاستراتيجية للعملية العسكرية، وبعد أن حقق ما سعى إليه على أرض الواقع، وكذلك الأمر مرهون بقبول الجانب الأوكراني بالشروط الروسية كافة، دون التفاوض أو إدخال أي بنود جديدة، فأوكرانيا أصبحت في وضع حرج وعليه أن يدرس جميع نقاط التفاوض مع موسكو، روسيا لن تظهر حاليا أي ضرر من العقوبات، بما لديها من اكتفاء ذاتي من السلع، وبعض التكنولوجيا، وهو ما لا يضرها بأي شكل من الأشكال.

العملية المعلنة محدودة قياسا بالحقيقة

من جانب آخر يرى النائب البرلماني والمحلل السياسي سمير غطاس أن العملية العسكرية المعلنة محدودة للغاية، مقابل الجانب غير المعلن منها، ويقول: قبل العام 1990 كان الصراع على مَنْ يحكم العالم، ولكن منذ ذلك العام أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها قطبا أحاديا حاكما ومتحكما في العالم، واستمرت هذه الأحادية القطبية حتى أعوام قليلة ماضية، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة قدراتها أقل، وصعود قدرات منافسة مثل الصين والهند، ولذلك فإن العملية العسكرية التي تدور على الأراضي الأوكرانية تمهيد للإعلان عن التعددية القطبية، وهذا ليس رأيا منفردا، إنما نظرية تبناها كثير من المحللين والكتاب السياسيين حول العالم، ولكن هذا الأمر لن يتم في المدى المنظور، بل سيستمر لسنوات، والمعركة في أوكرانيا صغيرة بالنظر إلى المعايير الدولية والعالمية المنتظر تحققها، فولادة العالم الجديد وتحقق هذه التعددية القطبية، وفي الوقت نفسه تمسك الولايات المتحدة بسيادة العالم منفردة سيكون صراعا طويل الأمد بلا شك، وعلى صعيد ما يدور في أوكرانيا ربما يكتفي بوتين بتقسيم أوكرانيا إلى قسمين، الشرقي التابع لروسيا حتى القرم، والغربي التابع لأوكرانيا.

ومن مصلحة أمريكا والغرب استمرار الحرب واستنزاف على المدى الطويل للقوة الروسية اقتصاديا وعسكريا، وهنا يبرز أهمية الجانب الاقتصادي لهذه الحرب، خاصة وأن العقوبات لها وجه آخر، فأمريكا التي تعاني من التضخم الكبير، وأوروبا التي تعتمد على روسيا في عدة مستويات باعتبارها المصدر الأول لعديد من المواد الأولية، وهنا يظهر الرهان؛ فأمريكا تريد إطالة أمد الحرب، وفي الوقت نفسه ستكون كلفة هذا الرهان كبيرة، وأوروبا لن تصمد طويلا وهي التي تعتمد على النفط والغاز الروسي سواء الخام أو المسال، ولذلك ستستمر المعركة لأمد طويل حتى يحدث توازن قوى عالمي، ويتضح لمن سترجح الكفة، فالغرب وأمريكا يراهنون على العقوبات ومدى جدواها في التضييق على الشعب الروسي الذي ربما يعترض بشكل مباشر على هذه الحرب ويطالب بإنهائها، وعلى الجانب الآخر يراهن بوتين أيضا على تأثير العقوبات على الداخل الأوربي وثورة الشعوب علي حكوماتها نتيجة نقص المواد الأولية الروسية والغاز، و بالنسبة لنا في العالم الثالث فإن ولادة عالم متعدد القطبية سيكون أفضل، ولذلك لابد من إعادة النظر في مواردنا، فنحن نستورد ما يقرب من 70٪ من الاحتياجات الغذائية، لابد من سد هذه الفجوة وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء وتضييق الفجوة، وبالنسبة لمصر عليها إعادة النظر في حجم الاستيراد، فهذه الحرب ستستمر وعلينا تغيير السياسة وتحويل التحديات إلى فرص، وهذا ليس سهلا ولكنه ضرورة حتمية لتقليل انعكاسات الصراعات العالمية علينا من انهيار للعملة وكذلك اتخاذ موقف متوازن من القوى العالمية وعدم الانحياز لأي طرف من الأطراف المتنازعة سواء المعلنة أو الخفية. فالهدف من الحرب تغيير التعامل الدولي وكسرالدولار الأمريكي، فروسيا الآن تتكلم عن الروبل كوسيط اقتصادي للسلع الأساسية، والمناداة بالتبادل بالعملات المحلية، سيمثل ضربا للولايات المتحدة.

وأضاف د. غطاس: من الخطأ التنبؤ بمسار الحرب، وإصدار أحكام قاطعة، هذا الأمر كله احتمالات ستأخذ مدى أبعد من مجرد تنبؤات وانحيازات، والواقع هو أن الحرب الحقيقية هي من أجل التوازن الدولي؛ سواء عسكريا أو اقتصاديا، لو شعرت أمريكا أن مكانتها تهتز وسيطرتها على العالم تنفلت ستدخل حربا أكثر شراسة، وما تسليح أوكرانيا إلا لإطالة أمد الحرب والاستنزاف المالي والاجتماعي للداخل الروسي، فهذه الحرب بلا شك تؤثر على مقدرات الشعب الروسي، وهو نفس الرهان الذي يتبناه بوتين، بأن تتخذ الشعوب الأوربية موقفا تجاه حكوماتها، ولن تستقر هذه الحالة إلا بتغيير النظام العالمي، كما حدث في الحرب العالمية الأولى من خلال "مؤتمر الصلح" الذي عقد في قصر "فرساي" في العاصمة الفرنسية باريس الذي أعاد تشكيل النظام الدولي وخريطة القارة الأوروبية عقب الحرب العالمية الأولي، حيث عقد هذا المؤتمر خلال الفترة من 18 يناير 1919 حتى 20 يناير 1920 ، لاستعادة الاستقرار للنظام الدولي وفرض شروط الاستسلام على الدول المهزومة في الحرب، وكذلك الحال بما أفرزته الحرب العالمية الثانية من نظام عالمي جديد حيث أثبتت عصبة الأمم عدم جدواها في حل النزاعات، ومن ثم حرصت الدول المشاركة في التحالف ضد دول المحور على الإعلان في عام 1942 عن إصدار إعلان باسم (الأمم المتحدة) تعهدت خلاله بمواصلة الحرب ضد المحور. وفي عام 1945 أُعلن عن تأسيس منظمة جديدة باسم الأمم المتحدة تعنى بحفظ الأمن والسلم الدوليين، وهو ما يتوقع أن تسفر عنه الحرب الحالية من تغيير قوي العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
-----------------------------
تحقيق آمال رتيب
من المشهد الأسبوعي