30 - 06 - 2024

لا إيران ولا إندماج .. إنها (وداعا مستر ناحوم)

لا إيران ولا إندماج .. إنها (وداعا مستر ناحوم)

على الرغم  من (الهناء التاريخي) الذي عاشه اليهود في ظل الحضارة الإسلامية ، وعلى الرغم من المعاناة المشتركة التي جمعتهما معا في محاكم التفتيش الكاثوليكية (القرن الـ 15/16م) تحت وطأة العنف الدموي في الأندلس ثم لجوء المسلمين واليهود الناجين معا يدا بيد في شمال أفريقيا وأرجاء الدولة العثمانية وتوطنهم الطبيعي في تلك الأرجاء.

على الرغم من كل هذا التاريخ النبيل الكريم في ظل الإسلام وحضارته وأهله والمصحوب على ضفته الأخرى - الأوروبية - بكل أشكال الاضطهاد والاحتقار والقسوة تجاه اليهود وتجمعاتهم وثقافتهم وطقوسهم ، بتربص وتحفز متبادل ..

إلا أنه في القرون الثلاثة الأخيرة مع دخول الجنس البشرى المرحلة الأسوأ من تاريخه كله بعد تتويج (الرجل الأبيض) لنفسه سيدا على رأس الحضارة الإنسانية مزودا بالاكتشافات الجغرافية والثورتين العلمية والصناعية وخروجه إلى العالم الذى لا يعرف ما عرفه من تطور وتقدم وصناعات ..

فجاب عبر البحار والمحيطات متطلعا إلى هذا العالم .. والشرق الإسلامي بالطبع كان في القلب منه كفضاء مستباح لأفكاره بالغة التطرف والمركزية والعنصرية .. وأقدامه بالغة الوطأة والقسوة والعنف.

*******

هنا اختلف النظر إلى (اليهودي الشرير) وبدأ السيد الجديد (الرأسمالية والاستعمار) يعيد تقييم احتياجاته لإدارة تلك الممالك والمستعمرات .. وطور من نظرته القديمة لليهود كفئة وظيفية متدنية تفعل ما يتأفف منه الأوروبي الراقى ..

في الوقت نفسه الذى اضطرت فيه الكنيسة القديمة تحت وطأة الحركة العلمية النشطة من جهة ، وفسادها الداخلى وانحلالها من جهة للتراجع وإفساح الطريق للسيد الجديد ( الرأسمالية والاستعمار) وتكونت التحالفات والتفاهمات وعقدت الصفقات والاتفاقات..

ونشأت (الصهيونية) كحركة قومية تستوعب هذه النظرة الجديدة من (سيد العالم) لتقديم الخدمات وتسهيل كل الطلبات وكلنا يعرف باقى القصة.

حتى كانت باء النكبة وسين النكسة (أ.هيكل أصله كان شاطر جدا .. وضع حرف مكان حرف) وما بينهما من ضياع وتضييع تام للإنسان العربي فى المكان والزمان..

وهو ما تم نقله فقط من على الورق إلى الأرض بسهولة بالغة للغاية (محاضر اجتماع برمودا مارس 1957م بين ماكميلان رئيس وزراء بريطانيا /ايزنهاور رئيس أمريكا).. ذاك أنه كان قد تم تمهيد الأرض تمهيدا مهيدا مهودا من اليوم التالى لنهاية الحرب العالمية الثانية(1945م) لحدوث كل ذلك .. فحدث !!.. 

وللمرة الثانية كلنا يعرف باقى القصة ..

********

ما الجديد في الموضوع إذن؟ ما هذه البهجة المسعورة التي استولت على السيد/ بايدن (79 سنة) وهو يلقى خطابه عالي الجرعات سريع الطلقات هذا بمجرد وضع قدمه على أرض كنعان ! متغنيا مترنما منشدا مذكرا واعدا متوعدا (التزام أمريكا الصارم بأمن إسرائيل وازدهارها).!!  

خطاب ولا خطاب الرئيس الأسبق لينكولن في (مقبرة جيتيسبيرج) أيام الحرب الأهلية الأمريكية وهو بالمناسبة أشهر خطاب في التاريخ الأمريكي(1863م)  

رغم أن إسرائيل هي هي وأمريكا أيضا هي هي ..و رغم أننا كلنا إحنا إحنا ولم يحدث شيء جديد من هم هم ..؟ ..إذا ماذا هنالك نالك؟ وراء كل ذلك ذلك ؟

بأمانة شديدة وبحق التاريخ (الطاهر الذيل) للأجداد المستوطنين الأمريكيتين؟ ما الذى استدعى كل ذلك ..؟ وما الجديد في كل ذلك؟  كل الخطبة البتراء هذه من أجل (تسريع اندماج إسرائيل بدول المنطقة؟).وماذا لو تأخر الاندماج قليلا أو لم تندمج نهائيا؟..هل هناك خطر قريب على درة التاج الأمريكي!؟ وهل هو محدق وحقيقي؟ قد يكون .!

**********

فالسيولة والسرعة التي تجرى بها كثير من الأحداث الدولية ملفتة .. ومهمة .. وبعضهم يقول (مريبة !!) أي هناك طبخ وطباخين وطبيخ ..وبعضهم يرجعها لأسباب اقتصادية مجردة لا علاقة لها بالأفكار ولا إنسان هذه الأفكار .. هي فقط تدور حول المصالح والموارد والطاقة ولا علاقة لها لا بأديان ولا بأفكار ولا ثقافات ..        

وبعضهم يقول بل إنها تتصل بالأفكار في الصميم ..لأن كل شيء في النهاية (فكر).. كل شيء في النهاية (فكرة)..

لكن حذارى حذارى أن تقول خطر (إيران) لندع موضوع إيران وعلاقاتها بالغرب وبجيرانها العرب في ركن بعيد هادىء وملىء بكل الأمنيات الطيبة .. بدأ بدخول أفغانستان 2001م والعراق 2003م مدعومين ومتفاهمين ومهنئين .. وانتهاء بكل صاروخ يطلق على سفينة في الخليج !! ..                                                    

لازال تاريخ هذه العلاقة وطبيعتها لم يٌكتب بعد ..إن في جانبها الذاتي الضيق ..أو في جانبها الحضاري الأوسع ..وهو ليس موضوعنا على أي حال ..

***********

إن يكن من أمر .. فلك أن تعلم أن فئران الشرق الأوسط كله تلعب الأن في عب كل من له بالتاريخ الماضى معرفة ونسبا أو بالتاريخ المستقبل حسابا وحسبا.. وهل للمستقبل تاريخ؟  للأسف نعم .. هو نفسه الذى مضى وانقضى ولكنه يعود ويسترسل متجددا بجديد الأقدار بشرا وحجرا وشجرا .. لكنه لا يتكشف الا لمن يتبصر .. والتبصر هو (الأب الروحى) للمعرفة والقراءة والدرس والبحث والسؤال المتجدد .. وكلها كما نرى ليست من سماتنا ولا صفاتنا .. رغم أن (البصيرة) و(التبصر) ثقافة إسلامية خالصة.

***********

الحاصل أن هناك خطر حقيقي و وجودي على دولة إسرائيل وهو خطر يكمن في أعماقها الاجتماعية والدينية (92 جنسية تجمعهم أسطورة ورغبة في الهروب وجيش !!!!).                                                

وهو ليس بالخطر الهين أو السهل وتحوطه _ كعادة اليهود_ أسرار وتفاصيل وتواريخ وعلامات وإشارات ورموز وتمثلات ونبؤات..

إيهود باراك(82سنة) رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق قال لـصحيفة (يديعوت أحرونوت) أن إسرائيل سوف تتفكك قبل حلول الذكرى الثمانين لتأسيسها  .. طوال التاريخ اليهودي لم يحكم اليهود لأكثر من ثمانين عاما باستثناء مملكتي (داود) و(سلالة الحشمونية) وفي كلتا الفترتين بدأ تفككهم في العقد الثامن... نفس الكلام ذكره بنيامين نتنياهو ..

المؤرخون أيضا يقولون ذلك وتوقعاتهم بشأن مستقبل إسرائيل الكئيب أسوا وأسوأ بيني موريس( 74سنة) أحد أهم المؤرخين  الجدد في إسرائيل قال نفس الكلام..

أنا لا أتعجب على فكرة من الحالة الأمريكية المدلهمة المرتبكة في تحركاتها الأخيرة تجاه إسرائيل فهى حالة اقرب ما تكون بحالة (نهاية الرجل الأحمر) الاتحاد السوفيتي والتعبير للروائية المعروفة سافيتلانا الكسيفيتش/74 سنة .. ( نوبل 2015م )..

وأصلا الشرق الأوسط لم يعد بحاجة إلى دور إسرائيل كدولة خادمة لأوروبا وأمريكا ..فما سيحدث في سوريا والعراق وليبيا والسودان من تقسيم وتجزيء وتكسيح كفيل بنفسه .

********

هي الشركات العملاقة إذن التي يعرف الجميع دورها في الحروب و الأزمات والسياسة والأفكار ..وأؤكد على عنوان (الأفكار)لأنها هى العدو الحقيقى لسطوة وسيطرة هذه الإمبراطوريات المالية الضخمة .. ولن ينفصل جزء عن أجزاء ويعطى الصورة سمته ورسمه هو فقط ..

فكما نرى المسالة كلها متصلة في اقوى نقاط سطوتها بـ(الإنسان) فكرا وفهما وموقفا ..وحربهم على الإسلام من هنا تحديدا.. كونه يصبغ الإنسان بصبغة الله كما تقول الآية الكريمة (سورة البقرة) وسنكون أمام إنسان حر النفس.. يقظ متبصر.. طاهر اليد والضمير يدرك أن أمره ومصيره بيد الله العزيز الحكيم وأنه يسير في غاية وقصد وتدبير إلى هذا المصير ..

لكن التعجب حقيقة ممن لا يرى كل ذلك .. ويتصور أن إسرائيل لازالت تمثل (حامل أختام جلالة الملك)  ..ليس الأمر كذلك ولم يكن أصلا مثل ذلك .. الحقيقة التامة والكاملة هي ما ذكره بارك ونتنياهو وبنى موريس ويعيشها المجتمع الإسرائيلي وكأن لسان حاله يقول (وداعا مستر ناحوم).

ولكن يبدو أن الوهم والتوهم طبيعة بشرية تتلبس بعض الناس بعض الأحيان .. فعشق الإنسان للأوهام والأكاذيب التي تكاد تفقأ العين! بل ودفاعه عنها لازال لغزا من ألغاز النفس البشرية.

ورحم الله الرجل الصالح الذى كان ينصح تلاميذه بالإكثار من دعاء (اللهم أرنى الأشياء كماهي)  ..

(ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور) سورة النور.
---------------------------
بقلم: د. هشام الحمامى

مقالات اخرى للكاتب

لا إيران ولا إندماج .. إنها (وداعا مستر ناحوم)





اعلان