06 - 11 - 2024

رواد التنوير (11) "كيرلس الرابع" بطريرك أنشأ أول مدرسة للبنات وابطل زواج القاصرات

رواد التنوير (11)

- اشتهر بلقب أبو الإصلاح وصعد لمقعد البطريركية بعد معارك وألغى عقد "تمليك" الفتيات 
- رفض الخديوي "عباس" ترشيحه بعد أن أخبره العرافون بأنه إذا صار بطريركا فستكون علامات نهايته
- ترك إرثا تنويريا عظيما لمصر الحديثة وأدخل الموسيقى إلى المدارس والتراتيل للكنائس للترغيب في الدراسة والحضور للكنيسة

خلال الحملة الفرنسية (1798 – 1801م) أصاب الرجال المصريين فزع بسبب "تبرج النساء" يعني خروجهن سافرات الوجوه في الشوارع ، بعد قرون طويلة من بقاء المرأة المصرية رهينة سجن الحريم العثماني ، شكلت تلك الحالة النسوية التحررية المفاجئة التي ترتبت على وجود الفرنسيين في مصر صدمة ذكورية مذهلة..

ورغم أن المؤرخ "عبدالرحمن الجبرتي" يرصد - في مدونته التاريخية "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" - خبر سفور بطولي لنساء مناطق باب اللوق والمناصرة في مظاهرة صاخبة ضد قرار أصدره قائد الحملة "نابليون بونابرت" بهدم بعض بيوت تلك المناطق، إلا أن الصدمة فيما يبدو كانت تنحصر في سفور نساء الطبقة المتوسطة المدينية في القاهرة وتقتصر على رجالها بالذات. يقول "الجبرتي" بلهجة حانقة مليئة بالسباب: "تبرج النساء وخروج غالبيتهن عن الحشمة والحياء لما حضر الفرنسيس الى مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في الشوارع مع نسائهم حاسرات الوجوه لابسات الفستنات والمناديل الملونة ويسدلن على مناكبهن الطرح الكشميري والمزركشات المصبوغة ويركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقا عنيفا مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية معهم وحرافيش العامة، فمالت اليهم نفوس اهل الاهواء من النساء الاسافل والفواحش"

بعد خروج الحملة الفرنسية بأكثر من تلاثين عاما يكتب "رفاعة الطهطاوي" في كتابه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" الذي صدر سنة 1834 تلك العبارات الجريئة عن المرأة الفرنسية: "وحيث إن كثيرا ما يقع السؤال من جميع الناس عن حالة النساء عند الإفرنج كشفنا عن حالهن الغطاء، وملخص ذلك أيضا أن وقع اللخبطة بالنسبة لعفة النساء لا يأتي من كشفهن أو سترهن، بل منشأ ذلك التربية الجيدة أو الخسيسة، والتعود على محبة واحد دون غيره، وعدم التشريك في المحبة، والالتئام بين الزوجين. وقد جُرب في فرنسا أن العفة تستولي على قلوب النساء المنسوبات إلى الرتبة الوسطى من الناس دون نساء الأعيان والرعاع، فنساء هاتين المرتبتين تقع عندهن الشبهة كثيرا، ويتهمن في الغالب".

ثم يعود "الطهطاوي" لموضوع تحرير المرأة بشكل أقوى في كتابه الأخير، وهو أول كتاب يؤلف بالعربية في موضوع التربية وصدر سنة 1872م بعنوان "المرشد الأمين في تربية البنات والبنين"، وتلاحظ فيه الجرأة بدءا من العنوان الذي يمنح تربية البنات موقع السبق ومن ثم الأهمية بالنسبة لتعليم البنين، ليؤكد بحزم: "ينبغي صرف الهمة في تعليم البنات والصبيان معا لحسن معاشرة الأزواج، فتتعلم البنات القراءة والكتابة والحساب ونحو ذلك. فإن هذا مما يزيدهن أدبا وعقلا ويجعلهن بالمعارف أهلا ويصلحن به لمشاركة الرجال في الكلام والرأي، فيعظمن في قلوبهم ويعظم مقامهن لزوال ما فيهن من سخافة العقل والطيش، مما ينتج من معاشرة المرأة الجاهلة لامرأة مثلها. وليمكّن للمرأة عند اقتضاء الحال أن تتعاطى من الأشغال والأعمال ما يتعاطاه الرجال على قدر قوتها وطاقتها. فكل ما يطيقه النساء من العمل يباشرنه بأنفسهن، وهذا من شأنه أن يشغل النساء عن البطالة، فإن فراغ أيديهن عن العمل يشغل ألسنتهن بالأباطيل، وقلوبهن بالأهواء وافتعال الأقاويل، فالعمل يصون المرأة عما لا يليق، ويقربها من الفضيلة".

والفجوة بين صدمة "الجبرتي" وحسم "الطهطاوي" في مسائل تعليم وعمل المرأة التي تعني - بشكل غير مباشر وإن كان ضروريا – سفورها، فجوة لا يمكن ملؤها بدون الإتيان على السيرة الحاسمة لذلك الأب / البطريرك المصري المستنير الذي كره رؤية المرأة ولقائها ولو كانت أمه (!!)، لكنه ذهب من قبل "الطهطاوي" إلى أبعد مما تمناه بكثير. ولم يكن يمكن للطهطاوي غالبا أن يجد أساسا واقعيا أرسخ من سيرة ذلك الأب ليبنى عليها جرأة استنارته في مسألة تحرير المرأة. إنه بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية "كيرلس الرابع" الذي اشتهر بلقب "أبو الإصلاح".

ترجمة حاله

لا يُعرف الكثير عن المؤثرات الأولى في طفولة "داود ابن توماس ابن بشوت ابن داود" ابن نجع أبو زرقالي التابع لقرية "صوامعة سفلاق" المعروفة بالصوامعة الشرقية مركز إخميم مديرية جرجا (سوهاج حاليا)، وهو الطفل الذي أصبح فيما بعد قداسة البابا "كيرلس الرابع". وُلد سنة 1532 قبطية (1806م) لوالد فلاح، مزارع غني لكنه أميّ لا يتقن القراءة، عُرف بالطيبة والسذاجة وسلامة النية، كما أنه لم يغفل عن تربية أولاده تربية حسنة، فعُني بتعليمهم القراءة والكتابة باللغتين العربية والقبطية ومباديء الحساب.

بعد أن استكمل الصبي "داود" تعليمه الأولي في الكتاتيب على عادة زمنه انخرط في مساعدة والده في أعمال الزراعة، لكنه كان يفضل الخلوة وممارسة التأمل في الهواء الطلق، بالإضافة إلى تعلقه برياضة ركوب الخيل ومسابقاتها، وهي الهواية التي اكتسبها بسبب اختلاطه بعربان المنطقة، كان كثيرا ما يرافقهم في أسفارهم في البوادي وفي تنقلهم بين القفار والجبال. وفي سن الثانية والعشرين استهوته الصحاري بالسكن إليها ، فقرر مفارقة أسرته وسلوك طريق الرهبنة. قصد دير القديس أنطونيوس في الجبل الشرقي وترهب علي يد رئيس الدير. ولم تمض مدة يسيرة حتى اشتهر بذكائه وورعه وثقافته مع همته ونشاطه، فكان يجمع رفاقه من الرهبان ويقرأ عليهم ويحضهم على المطالعة. بعد دخوله الدير بسنتين فقط أجمع رهبانه على رئاسته له عندما رحل رئيسه السابق، وانصرف القس "داود" منذ هذه اللحظة بكل جد واقتدار إلى مهام وظيفته في مقرها بمركز بوش مديرية بني سويف. كان يفضل انقطاع الرهبان عن العالم واعتزالهم للخدمة والدراسة، ومن أقواله الصارمة في هذا السياق: "من يختار ثوب الرهبنة مات عن الدنيا ودفن نفسه بمحض إرادته بدليل أنهم يصلون عليه صلاة الموتى فهل يخرج ميت من قبره؟ والرئيس الذي يؤذن للراهب في الخروج من ديره فقد أخرج ميتا من قبره".

لازمه مع ذلك غرامه بالكتب ومحبته للإطلاع ودأب على نشره في أوساط الرهبان، ضم الكتب التي وجدها متناثرة بين عدة أديرة في مكان خصصه لها، وفتح مكتبة عامة متاحة لكل الراغبين في التردد عليها من الرهبان والشعب، فكان يجمعهم في مكتبته الجديدة ليحضهم على المطالعة والنقاش والمعارضة في الموضوعات الدينية والأدبية والتاريخية. وأتم جهده بإنشاء مدرسة لتعليم الصبيان اللغتين العربية والقبطية، اهتم بتقديم المكآفات للتلامذة المجتهدين فيها، وضرب الميداليات الذهبية والفضية لتوزيعها على المتفوقين. ثم أتم هو في المدرسة التي أنشأها دراسته التي بدأها في قريته لقواعد النحو والصرف، كان القس العظيم مهتما بضبط لغته، كان كما يصفه المؤرخ "جورجي زيدان": "بالجملة فقد كان نورا تنبعث منه أشعة الفضيلة والقدوة الحسنة في سائر مديرية بني سويف وأجمع أهلها على اختلاف المذاهب على حبه واحترامه ومشاورته في مهامهم".

في تلك الآونة كان كرسي الكرازة المرقسية المصري مسئولا عن تعيين مطران للكنيسة الأرثوذكسية الأثيوبية التابعة له، وحدث أن وقع خلاف شديد بين المطران القبطي لأثيوبيا وبين الكهنة الأثيوبيين. يذكر موقع تراث الكنيسة القبطية أن السبب في الخلاف كان المنافسة بين الكنائس، فقد حاولت بعض إرساليات الكنائس الأوروبية فك ارتباط الكهنة الأثيوبيين بالكنسية القبطية. واختير القس "داود" لكفاءته وثقافته - اللتين كانتا عرفتا عنه - لمهمة السفر لأثيوبيا لحل الخلاف المعقد. وكاد القس الماهر ينجح في مسعاه الخيري بالفعل لولا تدخل القنصل الإنجليزي لإفشال مهمته، فعاد إلى القاهرة سنة 1852م بعد شهرين تقريبا من وفاة البطريرك السابق ليجد معركة أخرى طالت في انتظاره.

ترشحه للباباوية

خلال الاجتماع الأول الذي عقد في دار البطريركية لاختيار البابا الجديد ولم يكن قد عاد لمصر بعد، كان اسم القس "داود" على رأس الأسماء المرشحة، لكن بعضهم اعترض على انتخابه لأنهم لا يعلمون من أمر حياته شيئا، فقد ترامى لمسامعهم نبأ خروجه من الحبشة مسافرا إلى مصر ثم انقطعت أخباره!. انتهى الاجتماع ولم يتم انتخاب البابا، وقبل حلول موعد الاجتماع اللاحق كان خبرنبأ وصول القس قد سبقه إلى مصر، عندئذ أسفرت وجوه معارضي انتخابه عن نفسها وانتهت الجلسة كذلك بلا نتيجة. في الاجتماع الثالث ظهر أن مجموعة من الأعيان كانوا على رأس المعارضين لانتخابه، وتبرر بعض الآراء تلك المعارضة برفض الخديوي "عباس" ترشيحه بعد أن أخبره العرافون بأنه إذا صار القس "داود" بطريركا فستكون أيامه بعدها خصومات وضيق ثم تنتهي بموته وتمزيق شمل أتباعه!".

كان الخديوي "عباس" - على خلاف سلفه "محمد علي باشا" - معروفا برجعيته وتعصبه، هكذا وجد القس "داود" نفسه وهو لايزال على أعتاب توليه كرسي الكرازة المرقسية في قلب معركة حامية ضد الرجعية والخرافة، وهي المعركة التي انتصر له فيها الأقباط المصريون، وكافحوا وراء مطلب تولي القس المستنير لمنصب البطريرك كفاحا عنيدا بطوليا. مع التفاف الشعب القبطي حول اسم البطريرك الجديد لم يكن هناك مفر أمام المعارضين سوى تولية غير القس "داود" بالحيلة، فاجتمعوا بشكل سري لتنصيب بطريرك قالوا إنه تحصل على أمر شفاهي من الخديوي "عباس" بترسيمه. وعندما تسرب خبر الاجتماع أحاط الأقباط بمقر البطريركية وأخرجوا المجتمعين بالقوة وأقفلوا الأبواب.

المعارضون لتولي القس "داود" كما يقول "زيدان": "لم يكونوا يعرفون للبطريرك عملا غير الصلاة والفصل في بعض القضايا الجزئية كتأييد الصلح بين رجل وامرأته أو ما شاكل، أما مصلحة الأمة العمومية فلم يكونوا يفقهون لها معنى". عند هذا الحد يحاول الأثيوبيون بدورهم التدخل ضد اختيار البطريرك الجديد فيتهم قس حبشي "داود" بأنه قام بالزواج وإنجاب طفلين خلال رحلته للحبشة!، وكذلك بالتدخل في أمور السياسة هناك بما يشبه الخيانة للحكومة المصرية!. لكن لا تلبث أن تسقط بالبرهان كل الشائعات المبتذلة.

في سنة 1853 وبعد صمود دام لأكثر من عشرة أشهر ييأس المتحالفون من عناد الأقباط ويتقرر ترسيم القس "داود" مطرانا عاما يباشر إدارة البطريركية مدة عام مؤقت تحت الاختبار، وهو الحل الذي تمكن به أصحابه من أن يحتالوا على رفض الخديوي لكي يبددوا مخاوفه. خلال عام الاختبار كان معارضو المطران قد انضموا إلى مؤيديه بعد أن شمر عن ساعده وأظهر همة قوية للإصلاح والتنوير. وكان أول أمر له منذ أن باشر مهامه بناء أول مدرسة للأقباط تقام في مصر، فأشتري من أجل تأسيسها عدة منازل وأقام على أنقاضها مدرسة ذاع بفضل رعايته لها صيتها في عموم الديار المصرية. كان البطريرك يتولى بنفسه التدريس في مدرسته الجديدة، بل وكان يواظب فيها تشجيعا لتلامذتها على تلقي الدروس أيضا، ومن عباراته المتكررة قوله لهم: "قد استفدت معكم اليوم فائدة لم أكن أعرفها قبلا".

وفور اطمئنانه لانتظام الدراسة في مدرسة الأزبكية الجديدة أنشأ مدرسة أخرى في "حارة السقايين" بمنطقة السيدة زينب، رتب لها زيارة منتظمة يقوم بها كل أسبوعين بعد أن أسند إدارتها إلى مدير نابه. ورغم أن الدراسة في المدرستين مجانية لم تكن تكلف التلامذة شيئا لكن عدد الطلبة لم يزد عن 150 طالبا في مدرسة الأزبكية، فشمر البابا ساعد الاجتهاد لترغيب الأسر في تعليم أبنائها وصرفهم عن تفضيل نظام الكتاتيب التقليدي المألوف لديهم. وهو ما جعل ذهنه المستنير ينصرف إلى التفكير في فن الموسيقى. قرر انتخاب عدد من ذوي الأصوات الحسنة من بين الطلاب لتتكون منهم فرقة ترتيل كنسية على الطراز الحديث بكامل الأدوات والملابس والنغمات الموسيقية المضبوطة. وهو ما رغّب الأهالي بالفعل في وضع أولادهم بالمدارس وأيضا رغبهم في المواظبة على الحضور للكنيسة لسماع التراتيل. في ذلك يقول الكاتب البيروتي "إبراهيم أفندي الطبيب": "وفي حارة الأقباط مدرسة عظيمة يعلِّمون فيها اللسان القبطي القديم والتركي والإيطالي والفرنساوي والإنكليزي والعربي، وهم يقبلون فيها من جميع الطوائف، وينفقون على التلاميذ من مال المدرسة، وهذه بناها البطريرك كيرلس القبطي وأنفق عليها نحو ستمائة ألف قرش، وكل هذا بخلاف ما نعهده في بلادنا من الإكليرس وأوجه الشعب".

لم يمض زمن طويل حتى تخرج من مدرسة الأزبكية أجيال من الموظفين الأكفاء يؤدون أعمالهم باللغات المختلفة في مختلف المجالات، وهو ما أدى فيما بعد إلى أن يقدم الخديوي "إسماعيل" الشكر بنفسه للكنيسة القبطية للخدمة الوطنية التي قامت بها مدارسها.

تحرير الفتيات

فضلا عن قيامه بإصلاح إدارة البطريركية وأوقافها إصلاحا كليا شاملا على الطراز الإداري الحديث المنضبط، وإجرائه لأول مرة رواتب القسس من البطريركية بعد أن كانوا من قبل يعيشون على إحسان أهل الصدقة. قرر البطريرك المستنير "كيرلس الرابع" إنشاء مطبعة قبطية تتولى طبع الكتب بما فيها الكتب المدرسية والكنسية، فأرسل أربعة من الشبان النجباء رتب لهم رواتب شهرية ليتعلموا فنون الطباعة في مطبعة بولاق الأميرية، وكانت في ذلك الوقت المطبعة الوحيدة في القطر المصري، كما أرسل لاستيراد أدوات الطباعة من النمسا. وعندما وصلت تلك الأدوات إلى القاهرة قرر البابا استقبالها باحتفال  طقسي ديني كنسي رسمي، قام فيه الشمامسة بالترتيل وهم يرتدون زيهم الرسمي المخصص للخدمة الكنسية. وهي نفس المطبعة القبطية التي اشتهرت فيما بعد باسم "مطبعة الوطن".

لكن إنجازه الوطني الاستناري الأهم على الإطلاق الذي تركه البابا "كيرلس الرابع" من ورائه إرثا تنويريا عظيما لمصر الحديثة فلم يكن غير دوره في إنقاذ أوضاع الفتيات المصريات التي كانت لاتزال متردية منذ سنوات الاحتلال العثماني. وقد شرع البطريرك في ذلك بقرارات عملية، كان إنشاء أول مدرسة للبنات في التاريخ المصري بمنطقة "حارة السقايين" أول تلك القرارات التاريخية، وانضم للمدرسة مصريات من مختلف المذاهب مسلمات ويهوديات إلى جانب المسيحيات.

أما قراره الثاني التاريخي فكان سن قانون كنسي يحدد سن زواج البنت ويحظر زواجها قبل سن 14 عاما وهو ما لم يكن مألوفا للمصريين وقتئذ. ولكي يضمن موافقة الفتاة على زواجها اشترط ليتم الزواج في الكنيسة أن يحصل الكاهن على اعتراف صريح من العروسين بالرضا والموافقة قبل إتمامه. بل إن البابا "كيرلس الرابع" يعد كذلك أول من منح المقبل على الزواج فرصة اختبار شخصية شريك حياته والتعرف عليه عن قرب، فيما عرفته الأجيال الحديثة بمرحلة الخطوبة التي تسبق عقد الزواج. وليقوم بهذه الخطوة الجبارة ألغى ما كان يسمى من قبل "عقد التمليك"!. وهو ما يقول عنه "زيدان":

"كانت العادة في الزيجة أن يعقد القسيس بين الشاب والشابة عقدا يدعونه عقد تمليك قبل الإكليل بمدة، غير أن هذا العقد لا يقبل الحل أو هو بمنزلة عقد الزيجة، فأصدر البطريرك منشورا بجعل ذلك العقد عقد صلح وسلام، حتى إذا عرض لأحد الطرفين ما يمنع إتمام الاقتران يمكن حله، وهذا لا يزال جاريا إلى الآن، وكانت العادة أن يزوجوا البنات صغيرات جدا فأمر أن لا يتم عقد الزواج على الفتاة إلا إذا تجاوزت الأربع عشرة سنة من العمر، وجعل الاعتراف قبل الإكليل فرضا واجبا على العروسين؛ حتى لا يحصل ما يكره أحد الفريقين بسبب ما كان من التحجب بين الرجال والنساء في تلك الأيام، وأمر أن لا يعقد القسس إكليلا إلا بعد استئذان البطركخانة حتى يسجل ذلك في دفاترها، والبطركخانة لا تؤذن بالإكليل إلا بعد الاطلاع على محضر الاتفاق بحيث لا يكون ما يمنع الاقتران".
---------------------------------
بقلم: عصام الزهيري
من المشهد الأسبوعية