17 - 08 - 2024

لماذا وزارة للآثار ؟

لماذا وزارة للآثار ؟

جدل واسع شهدته الساحة المصرية مؤخرا حول إقالة وزير السياحة و الآثار الدكتور خالد العناني من منصبه و تولية المنصب لرجل المال و الإدارة أحمد عيسى.

انقسم الناس بين مؤيد للتغيير و معارض ، و كان منطق المؤيد للتغيير يقوم على أن الدولة المصرية تمر بأزمة إقتصادية و تحتاح إلى رجل مال و إدارة يحسن استثمار مواردها السياحية و يعمل على حل مشكلات قروض وزارة الآثار ، في حين تركز منطق أصحاب التوجه الآخر على أن مسؤولية الآثار يجب أن يتولاها تكنوقراطي متخصص يعمل في مجال الآثار و كنت أنا من أصحاب هذا الإتجاه.

لماذا أرى وجوب تولي مسؤولية الآثار لمتخصص في الآثار ؟ 

الآثار المصرية القديمة تراث إنساني حضاري عظيم متفرد ، ولأنه عظيم كنا نرجو أن تفصل الدولة بين وزير الآثار الذي يجب أن يكون متخصصا مدركا للقيمة الإنسانية الحضارية لهذا التراث وبين وزير السياحة الذي تتركز مهمته على إستثمار الموارد السياحية للدولة تراثية و غير تراثية لزيادة الدخل القومي ..

إذا فمهام وزير السياحة تتركز حول استثمار موارد مصر الطبيعية وغير الطبيعية لجلب الأموال وهي تختلف كلا وجزءا عن مهام وزارة الآثار التي يتمحور دورها حول الكشف و الدراسة و الحفاظ على الآثار .

و دولة مثل مصر فيها كل هذه الآثار- التي هي كنوز و ثروات ناضبة غير متجددة و غير متكررة في العالم - عليها واجب المحافظة على هذا التراث الإنساني و حمايته بقوة ، بحيث تستفيد منه لكن دون أن يُهدر أو يُهمل أو يتم إستخدامه بصورة جائرة تؤثر على سلامته أو قيمته.

 لهذا لا يجب أن يكون المسؤول عن تلك الكنوز الإنسانية العظيمة هو أحد وكلاء الوزارة الذي يقع منصبه تحت قيادة المسؤول عن إستثمار موارد مصر السياحية، بل يجب أن يكون مساويا له في المنصب حتى يتم بينهما تعاون على أرضية واحدة ثابتة ومتساوية دون جور من الطرف المنوط به جلب المال على الطرف المنوط به مسؤولية التنقيب والكشف و الحفاظ على تلك الكنوز ..

وزارة الآثار لا يجب أن تخضع ميزانيتها لحسابات المكسب و الخسارة .

بل إنها تستطيع أن تخاطب منظمات دولية كاليونسكو و غيرها  للسعي لتوفير التمويل اللازم لها لإجراء ما يلزم من تنقيب و كشف و دراسة لهذا التراث الإنساني العظيم الذي لم يكشف عن عظيم أسراره بعد ،  تلك الأسرار التي يهتم لها كل البشر على وجه الأرض.

وزير الآثار الدكتور خالد العناني الذي نجح في إبهار العالم بموكب المومياوات وطريق الكباش يستطيع أن يكون واجهة دعائية عظيمة للحضارة المصرية القديمة بقدرته على شرح و تحليل بعض من أسرار عظمتها،  و يستطيع أن يكون أيضا داعيا للمجتمع الدولي لمنح مصر الأموال اللازمة لدراسة وصيانة المناطق الأثرية بمنح لا ترد إسهاما في التعرف على هذه الحضارة العظيمة و الحفاظ عليها ، و ليس ببعيد عنا دور منظمة اليونسكو وحملتها للحفاظ على التراث الثقافي للعالم  بمساهمتها في نقل معبد أبي سنبل في أسوان بإعتباره تراثا ثقافيا انسانيا.

كلنا نعرف أن بلاد الحضارات قد تم تدمير متاحفها وسرقة آثارها و لم يبق للإنسانية كلها تراثا حاضرا من الآثار التاريخية القديمة العظيمة إلا هذا التراث الموجود داخل مصر وهو مدخل نستطيع إستثماره في جلب المنح بل والتبرعات العالمية أيضا لتوفير ميزانية محترمة لوزارة الآثار بإعتبارها وزارة مسؤولة عن التراث الإنساني الحضاري في مصر .

  وعندها تستطيع وزارة السياحة أن تستثمر هذه الدعاية في جلب السائح من كل أنحاء العالم لزيارة مصر.

الآثار المصرية القديمة هي جزء هام من التاريخ الإنساني العالمي ، وهي أيضا جزء هام من الموارد السياحية في مصر ، لذلك فعلينا أن نعطيها حقها من الرعاية و الإهتمام و ألا ننظر إليها فقط كمصدر لزيادة دخل الدولة من السياحة فهذه قضية و تلك قضية أخرى. 

لذلك نقترح أن يكون هناك وزارة للآثار المصرية القديمة لها خصوصيتها و يكون استثمار الأماكن الأثرية بالتعاون بينها وبين وزارة السياحة لصالح مصر.
----------------------
بقلم: إلهام عبدالعال

مقالات اخرى للكاتب

خدمة العملاء و تعذيب المواطن