17 - 07 - 2024

ترنيمة عشق | (الأوّاهة... أم المساكين)

ترنيمة عشق | (الأوّاهة... أم المساكين)

على الخاص تواصل معي أحد الشّباب وهو حزين؛ يطلب منّي الاستماع لـ "فيديو"؛ وكتابة رد مناسب، لأنه عاجز عن الرّد !!!

واسترسل قائلًا: اجتمع بعض الشّباب "المُلحد"؛ وكنت بصحبتهم، وعرضوا جزءًا من حديث لفضيلة الشّيخ "محمد متولي الشّعراوي"؛ يحكي قصة زواج الصّحابي الجليل "زيد بن حارثة" بالسّيدة "زينب بنت جحش" رضي الله عنها.... فما المشكلة ؟!

المشكلة حين شاهدتُ الفيديو فوجدته قد تم تقطيعه وإسقاط بعض أجزائه؛ فبدا الكلام غير متسق ولا يدخل العقل، كما تم كتابة تعليقات مغرضة عليه بهدف التّهكم والسّخرية... ثم يقومون بنشره.

نبهتُ الشّاب الغيور على دينه بما لاحظته، فوجدته ينبهني بدوره أن هؤلاء الملحدين يستقطبون أعدادًا كبيرة من شباب غض يسهُل التّأثير عليه وتشويه عقيدته.

فوجدتُ لزامًا علي توضيح القصة على حقيقتها... وكما أفهمها في نقاط.

- "زيد بن حارثة" هو الصّحابي الوحيد الذي كُرّم وذُكر اسمه في القرآن الكريم صراحةً.

- تولى النّبي - صلى الله عليه وسلم - تربيته ورعايته بعد أن ضاع من والديه في إحدى غارات القبائل المعتادة، وبِيع هو وأُمه ؛ حتى وصل لأم المؤمنين السّيدة "خديجة بنت خويلد" - رضي الله عنها - مُهدىٰ من قريبٍ لها؛ والتي أهدته بدورها لـ "لنّبي" الذي أحبه وأكرمه.

- فلما وصلا إليه (والده "حارثة" وعمه) رفض الفتىٰ العودة إليهما؛ وفضّل البقاء مع "النّبي" لحُسن معاملته.

- بعدها توجّه "النّبي" للكعبة وأعلن أنه قد تبناه... وصار اسمه: "زيد بن محمد".

- فلما نزل قوله تعالى: "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله..." أي يبقى الابن حاملًا اسم أبيه... عاد اسمه: "زيد بن حارثة".

- "زيد" ... حِب رسول الله ؛ أراد "النّبي" إكرامه ؛ فأنعمَ عليه بأن جعله حُرّا لا عبدًا ؛ وأنعم عليه ثانيةً بالنّسَبِ الشّريف ؛ فخطب له ابنة عمته "زينب بنت جحش".

- لكن "زينب" رفضتْ في بادئ الأمر ؛ إذ كيف تتزوج المُنسّبَة بنت كبار القوم من مولىٰ ؟!

- فنزل قوله تعالى: { ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم }... فامتثلتِ السّيدة التّقية للأمر.

- فلما تزوجا ظل في روع السّيدة "زينب" بعضًا من الاعتزاز بالنّفس ، وبأنها أعلى نسبًا وأشرف من زوجها ؛ فبدرت منها بعض التّصرفات التي فَهم منها "زيد" أنه (مش مالي عين زوجته).

- كان "النّبي" يزورها ويبشّ في وجهها ليسترضيها عن الزّواج؛ وبأن اختياره لـ "زيد" ليس تقليلًا من شأنها.

- مرّ حين من الدّهر؛ والنّفور يعلو حائطه بين الزّوجين، حتى كرها البقاء معًا... فلم تربط المودة بين قلبيهما، ورغِب الزّوج عنها وأراد مفارقتها.

- انطلق "زيد" إلى "النّبي" يُعلِمُه رغبته في طلاق زوجه ، وأنها بدورها تكره عشرته ؛ وأنه قد ضاق من تعاملها غير الودود معه.

- فأمَره "النّبي" أن يمسكها ويتّقي الله فيها، أي يتراجع عن قرار الطّلاق والفراق.

- لكن الله سبحانه كانت له المشيئة .. إذ أذِن أن يُبطِل عادة التّبني عند العرب ؛ وأراد أن يزوج الرسول من ابنة عمته "زينب" بعد طلاقها ، كي يقضي على من يُردّد أنها "زوجة ابن النّبي".

- { فلما قضى زيد منها وطرًا...}... و"الوطر" في اللغة تعني الحاجة والبغية - وليست المتعة الجنسية كما يروج البعض - ... فحاجة الرّجل من المرأة السّكن ، فإن لم يكن فالمودة ، فإن لم يكن فالرّحمة ، فإن لم يجد ورغِب عنها فله أن يفارقها.

- أعلَمَ الله "نبيه" أنه سيزوجه من ابنة عمته بعد طلاقها وانقضاء عدتها... فقد اختارها له زوجًا وأمّا للمؤمنين.

- { وإذ تقول للذي أنعمَ الله عليه وأنعمتَ عليه أمسِك عليك زوجكَ واتقِ الله وتُخفي في نفسكَ ما الله مبديه وتخشىٰ النّاس والله أحق أن تخشاه فلما قضىٰ زَيد منها وطرًا زوجناكها كي لا يكون على المؤمنين حرجٌ في أزواج أدعيائهم }... أنعمَ الله عليه بأن جعله مسلمًا.

- { وتُخفي في نفسك ما الله مبديه...} أي أن الله أعلمَ رسوله بأن السّيدة "زينب" ستصبح من أزواجه... لكن "المصطفى" ظل ينصح "زيدًا" بأن يُصلح ذات بينه وبين زوجه.

- فلما انقضت العِدة، طلب "النّبي" من "زيد" أن يذهب إليها فيذكُر "النّبي" عندها... أي يطلبها للرّسول ، فانطلق مسرعًا يقول لها: "أبشري"... دليل أنه ليس بنفسه شيئًا تجاهها ، ولِمَ لا يبشرها وقد جاءها يزف إليها خبر مَن هو أحب إليه من نفسه وأهله مذ رفض مصاحبة والده وعمه وفضّل المكوث جوار "النّبي" الكريم ؟!

- يقول "زيد" لما رأي "زينبًا": (عظُمَتْ في نفسي ، حتى ما أستطيع أن أنظر إليها؛فوليتُ لها ظهري ) تعظيمًا وإكبارًا... أي رآها امرأة ذات قدر جليل وعظيم... وكأنه تأكد أنها تليق بأن تكون أمًا للمؤمنين وزوجًا لخاتم النّبيين.

- استمهلتْ "زينب" الرّد ؛ لتتأكد أنه أمر الله ، فبأمر الله تزوجت زيدًا، وبأمره طُلقَت، وبأمره تتزوج الهادي البشير لتصير أُمًا للمؤمنين، وبقصتها يتنزّل تشريعٌ لإبطال "التّبني"، مهما يتحاكى الناس... فإنما الخشية من الله وحده.

- عنها قالت السّيدة "عائشة" رضي الله عنها: "لم أرَ امرأة خيرًا في الدّين من "زينب"، وأتقىّ لله، وأصدق حديثًا، وأوصل رحمًا، وأعظم صدقة، وأشد عملًا وثقة بالله".

- اشتَهرتْ بالزّهد، ولُقبت بـ "أم المساكين"، وكان لها العديد من المناقب؛ وراوية للحديث الشّريف.

- وعنها قال النّبي: كانت أواهة... أي خاشعة متضرعة.

- وكانت تمازح "النّبي" بأنها: أقرب أزواجه رحمًا، وقد زوجها ربها للنّبي من فوق سبع سماوات، وأن "جبريل" - عليه السّلام - سفير  تلك المهمة... وأنها ابنة عمته.
------------------------------
بقلم: حورية عبيدة

مقالات اخرى للكاتب

ترنيمة عشق | حتىٰ أنت يا بروتس ؟!