16 - 08 - 2024

هل يعاني الاقتصاد المصري من أزمة حقيقية؟ خبراء يجيبون

هل يعاني الاقتصاد المصري من أزمة حقيقية؟ خبراء يجيبون

خبراء يجيبون لـ" المشهد" : نعم .. فنحن جزء من عالم يمر بأسوأ أزمة منذ 100 عام 
- هاني أبو الفتوح : من الضروري ترشيد الاقتراض الخارجي وتحجيمه وتأجيل المشروعات غير الضرورية
- د. أحمد شوقي : الاقتصاد المصري مازال قادرا على مواجهة واحتواء الأزمة الحالية ونحتاج تبني سياسة رشيدة
- د. محمد راشد : لاستعادة التوازن ينبغي خفض الواردات واقتصارها فقط علي السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج
-  خالد الشافعي : نعيش أزمة جديدة هي التيار المناخي بما له تأثيرات سلبية على الأوضاع الزراعية والمعيشية

يعيش المصريون أجواء اقتصادية أشبه بتلك التي صاحبت تعويم الجنيه نهاية عام 2016، ووصفتها الحكومة حينها "بالدواء المر" من أجل التعافي من آثار السياسات الاقتصادية الخاطئة على مدارعقود مضت، وانخفض الجنيه حينها إلى مستويات قياسية فاقدا أكثر من 50% من قيمته وهبطت معه قيمة مدخرات المصريين، وارتفعت الأسعار بقوة، وقفز التضخم إلى مستويات قياسية  

وفي الوقت الذي كان المصريون ينتظرون فيه انتهاء مشوار الإصلاح الاقتصادي وبرنامج صندوق النقد الدولي بعد تجرع "الدواء المر" طوعا وكرها، وجني ثمار الصبر والمثابرة، وجدوا أنفسهم أمام أزمة اقتصادية جديدة لكن تبدو ملامحها هذه المرة أكثر قتامة ووطأتها أكثر شدة ، خاصة بعد قرار الحكومة مؤخراً باللجوء إلى صندوق النقد الدولي مجددا، وبالتلى تساءل الجميع: هل مصر لديها أزمة اقتصادية حقيقية؟ وما هو مداها ؟ وعلى أي احتمالات تنفتح؟  

السطور القادمة تكشف حقيقة الأزمة وتحاول طرح روشتة علاج للخروج منها

حالة حرجة

يقول الخبير الاقتصادى هانى ابو الفتوح، ان مصر تشهد مثلها مثل باقي العالم أسوأ أزمة منذ مائة عام ، فقد تفاقم الدين العام في مصر والعديد من دول العالم إلى مستويات غير مسبوقة، ما جعل مصر تصنف مع 60 دولة في حالة حرجة مع ارتفاع سقف الديون.  

وأضاف أبو الفتوح، إن من ملامح الأزمة انخفاض الجنيه إلى مستويات قياسية فاقدا نحو 22% من قيمته منذ شهر مارس الماضي، وارتفاع التضخم إلى مستويات عالية تفوق مستهدفات البنك المركزي، وشح الدولار.  

وقال: لمواجهة الأزمة لجأت الحكومة إلى مراجعة منظومة الدعم وتوسيع القاعدة الضريبية ، وتعظيم الاستفادة من أصول الدولة من خلال التخارج من ملكيتها لبعض الأصول ، كما هو محدد في وثيقة سياسة ملكية الدولة، وتقوم الدولة باستثمار علاقتها المتميزة مع الدول الخليجية لجذب الفوائض المالية وضخ الاستثمارات لتسهم في تشغيل العمالة وتخفيف الضغط على العملة المحلية.  

غير أنه من الضروري ترشيد الاقتراض الخارجي وتحجيمه من خلال إعادة النظر في تنفيذ بعض مراحل المشروعات بما لا يؤثر على جدواها ، وتأجيل المشروعات غير الضرورية الى حين تعافي الاقتصاد.  

ديون غير مسبوقة تتجاوز 300 تريليون دولار!

وعلى نفس الصعيد يقول دكتور أحمد شوقي، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع والاحصاء، وعضو الهيئة الاستشارية للدراسات الاقتصادية لمركز ايجبشن انتربرايز للسياسات والدراسات الاقتصادية "إن كافة الاقتصاديات تعانى من الأزمة الحالية وليس الاقتصاد المصري هو الاقتصاد الأوحد الذي يعاني ، فالأزمة الحالية هي الأعنف مقارنة بأزمة فيروس كورونا ، لانها تعتبر ازمة أمن غذائي وأزمة طاقة ، والناتجة عن الازمات المركبة التي يمر بها العالم بداية من التوترات الجيوسياسية ثم اضطرابات سلاسل الامداد المصاحبة لازمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة ، والتي اشعلت التضخم عالمياً ، وهو ما دفع البنوك المركزية لتشديد السياسات النقدية ورفع أسعار الفائدة لاحتواء التضخم ، فضلاً عن ارتفاع معدلات الدين العالمية والتي تجاوزت 300 تريليون دولار أمريكي أي ما يمثل 350% من اجمالي الناتج الاجمالي العالمي

وقال شوقي: لقد تجاوزت الديون في أغلب دول العالم نسبا غير مسبوقة مقارنة بالناتج المحلي ، ففي الولايات المتحدة الامريكية بلغت 137.2% ومنطقة اليورو 95.6% واليابان 266%  وإيطاليا 150% وانجلترا 95% والسودان 259%  ولبنان 171% و ليبيا 155% والبحرين 128% والأردن 92.4% وفي مصر 92%  والصين التي تمثل مصنع العالم 66.8%.  

وبالتالي ، فان ملف الدين في العالم أجمع قضية عالمية وليست خاصة في مصر ، وبالنسبة للاقتصاد المصري فان النسبة الأكبر من حجم الدين الخارجي طويل الأجل لإجمالي الدين الخارجي 83.3% بنهاية الربع الثالث للعام 2021/2022 ونسبة الدين الخارجي قصير الآجل لإجمالي الدين الخارجي 16.7% لنفس الفترة ، وبالتالي فإن الجزء الأكبر من الدين الخارجي لا يمثل أزمة في الأجل القصير، ومع توجه مصر لسد فجوة التمويل في الآجل الطويل في ظل التوجه التنموي لمصر وجذب استثمارات مباشرة لتنويع مصادر العملات الأجنبية فيمكن إدارة ملف الدين الخارجي في المدى الطويل من خلال تبني سياسة رشيدة وتقليل حجم الانفاق الاستهلاكي وخفض فاتورة الاستيراد والاعتماد على التصنيع والاكتفاء الذاتي ببعض السلع والمنتجات في الأجل الطويل.  

وأوضح شوقي، أن صندوق النقد الدولي أظهر في تقريرة الأخير أن الاقتصاد المصري من الاقتصاديات القليلة التي ستحقق معدل نمو مرتفع خلال العام الحالي ليصل إلي 5.9% وفقاً لتوقعاته والسعودية 7.6% والهند 7.4% والفلبين 6.7% ، إلا أن الاقتصاديات ذات معدل النمو المنخفض اقل من 3.5% كالصين 3.3% وأمريكا 2.3% وإنجلترا 3.2% وفرنسا 2.3% مقابل 3.2% متوسط معدل النمو العالمي ، وبالتالي فان الاقتصاد المصري يفوق متوسط معدل النمو العالمي المتوقع من الصندوق بما يقترب من ضعف النسبة ، بالإضافة الي تفوق معدل النمو الحالي ليتجاوز 6% مقابل توقعات الصندوق وذلك لاستراتيجية مصر الطموحة لتحقيق معدلات نمو مرتفعة في ظل حالة الارتفاع القياسي لمعدلات التضخم العالمي المتوقعة.  

وأكد شوقي، على أن الاقتصاد المصري مازال قادرا على مواجهة واحتواء الأزمة الحالية وهو ما كان واضحاً أثناء أزمة فيروس كورونا بقيادة القطاع المصرفي المصري ، والذي ساند كافة القطاعات الاقتصادية لتحقيق معدل نمو مرتفع 3.3% بالعام الماضي والذي كان يمثل واحدا من أعلى معدلات النمو خلال أزمة فيروس كورونا، وإدارة برنامج الإصلاح الاقتصادي والمضي في برنامج الإصلاح الهيكلي.  

 فعندما كان سيدنا يوسف يريد ان يقيم العدل والحفاظ على مصلحة العباد (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) في سورة يوسف فخزائن الأرض في مصر لما تتمتع به من ثروات طبيعية ميزها ووهبها الله لها، فكم من ازمات مرت بالعالم ومصر استطاعت العبور منها وأعطت نموذجا للقدرة على الصمود أمام الازمات، فالآزمة الحالية هي ازمة عالمية وليست ازمة مصرية.  

تراجع موارد النقد الأجنبي

من جانبه يعزف الدكتور محمد راشد أستاذ الاقتصاد بجامعة بني سويف نفس النغمة، ويؤكد أن العالم كله في أزمة اقتصادية غير تقليدية جراء ارتفاع مستويات التضخم بشكل كبير.

وأضاف، أن المشكلة الأساسية التى تواجه الاقتصاد المصري هي تراجع موارد النقد الأجنبي جراء تأثر السياحة الوافدة سلبا بالحرب الروسية الأوكرانية ، علاوة علي ارتفاع فاتورة الواردات بشكل كبير جراء ارتفاع أسعار الغذاء بشكل غير مسبوق منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008 ، مما أثر سلبا وأدى لتراجع قيمة الجنيه المصري في سوق الصرف بنحو ثلث قيمته منذ شهر مارس الماضي وهو ما ينعكس علي ارتفاع مستويات التضخم وتآكل القوة الشرائية للمواطنين.  

وأوضح أنه لاستعادة التوازن إلى سوق الصرف ينبغي العمل على خفض الواردات واقتصارها فقط علي السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج ، وعدم استيراد أى سلع لها بديل محلي أو غير ضرورية أو غير مطابقة للمواصفات القياسية العالمية ، وكذلك العمل علي توطين التكنولوجيات الحديثة وجذب الاستثمارات الأجنبية والتى تستهدف العمل من أجل التصدير بالأساس ، فزيادة الصادرات وخفض الواردات مع البحث عن أسواق بديلة للسياحة عوضا عن روسيا واوكرانيا هي مفتاح حل المعضلة الحالية ، ولن تتحقق زيادة الصادرات وخفض الواردات إلا عبر بوابة زيادة الإنتاج ورفع جودة المنتج المصرى وتعميقه. وأكد راشد، على انه من الممكن ان تمثل البورصة بابا سحريا لجذب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة وجلب العملة الصعبة من خلال تزويدها بالمحفزات التي تفتح شهية المستثمرين ويمكن فعل ذلك من خلال إعطائهم مزايا ضريبية معينة لرفع القدرة التنافسية للبورصة المصرية.  

أزمة جديدة .. التيار المناخي

من جانبه يقول الدكتور خالد الشافعى الخبير الاقتصادى، أن العالم كله يمر بأزمة اقتصادية نتيجة تداعيات فيروس كورونا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، ثم تباطؤ سلاسل الامداد والتوريد، ثم ارتفاع أسعار النفط والغاز والطاقة علي مستوي العالم بجانب ارتفاع أسعار السلع الغذائية، كل ذلك تسبب في وضع مصر والعالم في أزمة اقتصادية حقيقية، بجانب وصول معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة.  

أضاف الشافعي، مصر لديها الآن أزمة جديدة وهي التيار المناخي حيث شاهدنا جفاف أنهار في أوروبا و مازال التيار المناخي له تأثيرات سلبية علي كل الأوضاع سواء الزراعية أو الحياتية أو المعيشية ، فكل ذلك يؤثر علي اقتصاد العالم، ومصر لن تكون في معزل عن كل ما يدور في العالم ، وبالتالي أصبح لديها أزمة ، لكن بعض القرارات التى اتخذت فى هذا الشان تخفف كتيرا من تاثير هذه الأزمة على المواطن. لكن بعد ذلك نري ممارسات من قبيل استغلال التجار ورفع الأسعار بشكل عشوائي فى الأسواق وعدم وجود انضباط داخل السوق وعدم تحقيق التوازن فيها ، وهذه أمور تتسبب فى ارتفاعات عشوائية لأسعار سلع كثيرة بدون أساس، ومن الممكن أن يكون ذلك هو السبب في عدم شعور الناس بتحسن نتيجة قرارات الحكومة.  

يضيف الشافعى: "يجب على الحكومة ان تعمل على حماية المستهلك فى ظل الأزمات الاقتصادية المتكررة فى هذا الشأن ويوضح أن الازمة الاقتصادية أثرت علي السياحة ،خاصة وان ثلث السائحين من روسيا وأوكرانيا، وكانت السياحة تدخل لمصر 12.6 مليار دولار فحينما ينخفض الرقم إلى 4.5 مليار دولار يصبح هناك انخفاض فى دخل السياحة يفوق الـ8.9 مليار دولار وهذه أبسط الامور ، وللخروج من تلك الأزمة يجب أن يكون هناك تحديد وتوصيف دقيق لها ، لنعمل على حلها ونسأل أنفسنا هل مصر تعانى من أزمة مياه، او غذاء او تعانى من أزمة موارد، أو صناعة أو نقص سيولة أو بطالة الخ..... لذلك لابد ان نعمل على تحديد أزمتنا لنعلم نقاط ضعفنا وقوتنا لنعمل عليه.
----------------------------
تحقيق: بسمة رمضان
من المشهد الأسبوعية