17 - 07 - 2024

صندوق النقد يسعى والقاهرة تحاول منع اتفاق قد يتلاعب باستقرار مصر

صندوق النقد يسعى والقاهرة تحاول منع اتفاق قد يتلاعب باستقرار مصر

- عز الدين حسنين : تلبية شروط الصندوق يسبب ضغوطا تضخمية كبيرة ويزيد أعباء الدولة والمواطن والنشاط الاقتصادي
- ايمن فودة : شروط الصندوق تتعارض مع بناء اقتصاد قوى وتسبب الركود و الانكماش وتراجع الإنتاج وزيادة معدلات البطالة
- جون لوكا :الخلاف الدائر حول رفع الدعم عن الخبز والمنتجات البترولية والطاقة والكهرباء وتعويم الجنيه كاملا مقابل الدولار
- اسامة زرعي : "إدمان الاستدانة الخارجية"، أوصل الدين الخارجي إلى وضع شديد الحرج ونحتاج تغييرا جذريا في إدارة الاقتصاد
- أحمد سمير: مصر لا تمتلك رفاهية الوقت في ظل التراجع المتتالي للاحتياطي النقدي ومتفائل بسيطرة مصر على معدل التضخم
- ياسر حسين : المطالب ممكنة التنفيذ عبر مراحل متدرجة لا تربك ولاتهز الجسد الاقتصادي بشكل يؤثر بالسلب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا
- ياسرشحاتة : لاعلاقة للصندوق برحيل محافظ البنك المركزي فلا يستطيع احد التدخل في الشأن الداخلي لمصر بطلب البقاء او الرحيل
- كرم سلام : الحكومة مطالبة بدعم الفئات الأكثر احتياجاً وتعزيز برامج الحماية الاجتماعية لتخفيف العبء على كاهل المواطن العادى 

ينام المصريون ويستيقظون على أسئلة ملحة ، وهم يشاهدون في الأفق سحابة أزمة مقبلة تتعلق بحياتهم وسبل عيشهم ، تحذيرات لا تتوقف من التضخم وارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الجنيه وندرة فرص العمل ومن أيام صعبة مقبلة. لم تعد الكرة شاغلا رئيسيا لهم ولا النميمة عن حالات الزواج والطلاق بين المشاهير ، بل أصبح شغلهم الشاغل ، كيف يقضون أيامهم في ستر .

لذلك فإن تساؤلات حتى البسطاء منهم هي : ما آخر تطورات مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي - ماهي شروط الصندوق - وما الذي ترفضه مصر منها - وما هي العقبات التي تعترض إبرام اتفاق ، وهل لهذه المفاوضات علاقة برحيل طارق عامر، وما انعكاسات كل ذلك على نمط حياتهم واستقرار بلدهم؟

يسرد عز الدين حسنين الخبير الاقتصادي والمصرفي تاريخ مصر مع صندوق النقد الدولي والذي يعود إلى عامي 1977ــ 1978 حينما اقترضت مصر من الخارج لأول مرة في تاريخها في عهد أنور السادات ، حيث تم اقتراض 186 مليون دولار لحل مشكلة المدفوعات الخارجية وزيادة التضخم ، وفي عامي 1991- 1993 كانت مصر تقترض للمرة الثانية ، حيث تم اقتراض 375 مليون دولار لسد عجز الميزان التجاري. وفي عامي 1996 ــ 1998 طالبت مصر بقرض فيمته 434.4 مليون دولار ، لكن تم إلغاؤه ، بعد إلغاء 50% من الديون المستحقة على مصر لدول نادي باريس.

 بعد ثورة 25 يناير ، طلبت مصر الحصول على قروض مرة في عهد المجلس العسكري ومرتين في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي كادت مرة أن تتم غير أن مصر طلبت زيادة القرض من 3.2 إلى 4.7 مليار دولار، لكن تراجعها عن تنفيذ إصلاحات طلبها الصندوق أدى إلى تعليق المفاوضات.

في عام 2016 بدأ برنامج إصلاح اقتصادي مدته 3 سنوات حصلت مصر بموجبه على قرض بـ 12 مليار دولار علي ثلاث سنوات (كل شريحة بـ 4 مليارات دولار) وقروض أخرى رفعت ما حصلت عليه مصر من صندوق النقد في آخر من 2016 حتي 2021 إلى 20 مليار دولار.

وخلال هذا العام طلبت مصر مساعدة الصندوق بأداة التسهيل الائتماني الممتد بقيمة لم تفصح عنها الحكومةالمصرية حتي الآن وإن كان الاغلب في حدود 3 مليار دولار ، ومازالت المفاوضات جارية بين الطرفين ، لكنها تتعثر احيانا بسبب طليات صندوق النقد والتي  تراها الحكومة ستضع ضغوطا جديدة عليها ومنها إلغاء الدعم تماما علي الخبز والطاقة وإلغاء مبادرات البنك المركزي لدعم النشاط الاقتصادي وتوحيد سعر الفائدة ، إضافة إلى خصصة الشركات العامة وخروج الحكومة من النشاط الاقتصادي وزياده حصة القطاع الخاص التي تقلصت في اخر 4 سنوات حتي وصلت الي 26% مقابل 74% للشركات العامة وتحرير سعر صرف الجنيه امام الدولار ليكون وفق آليات السوق بدون تدخل البنك المركزي . وتحقيق هذه المطالب يضع ضغوطا علي الحكومة امام الشعب الذي سيتاثر سلبا بهذه الاجراءات وسط ضغوط تضخمية كبيرة ، كما يسهم في زياده الاعباء علي الدولة والمواطن والنشاط الاقتصادي.

ويشير عز الدين حسنين إلى أن بعض الدوائر الاقتصادية ربطت بين استقالة طارق عامر محافظ البنك المركزي السابق ورفضه بعض شروط الصندوق ، لكن ذلك من وجهه نظره تكهن خاطيء ، فاستقالة عامر جاءت علي خلفيات ودوافع مختلفة من قبل القيادة السياسية، منها تعارض المصالح الذي نشأ بعد تعيين زوجته رئيسا تنفيذيا لشركه بلتون المالية والتي يفترض أن البنك المركزي أحد الجهات الرقابية عليها ، ومنها أيضا قرارات اتخذها البنك المركزي منفردا وقيدت حركة النشاط التجاري والصناعي وأدت لاستياء في القطاعين  لاتخاذها دون التشاور مع اصحاب المصلحة وكان من نتائجها تكدس البضائع في ساحات الجمارك وتكبد الصناع والتجار خسائر وتكاليف اضافية تم تحميلها علي المستهلك مما ساهم في زيادة التضخم.

ويرى حسنين أن حسن عبدالله القائم بأعمال محافظ البنك المركزي سيتخذ اجراءات وقرارات من شأنها ضبط ايقاع السياسة النقدية خلال الفترة القادمة ومنها تحقيق استقرار سعر الصرف وضبط التضخم والسير بموضوعية في مفاوضات صندوق النقد الدولي.

نقاط حساسة 

يرى الخبير الاقتصادى جون لوكا ، إن المفاوضات الدائرة بين مصر وصندوق النقد الدولي تكشف عن نقاط خلافية عدة تمثل نقاطاً جوهرية من جانب الصندوق، لكنها في المقابل تتمتع بحساسية مفرطة من جانب الحكومة. فالحساسية المفرطة تتعلق بالدعم العيني الذي تقدمه الحكومة في أشكال عديدة، منها دعم رغيف الخبز والطاقة والكهرباء. والصندوق ليس لديه أي تحفظات على الدعم النقدي الذي يقدم بصورة نقدية، مثل إعانة دعم العمالة غير المنتظمة التي قدمت في العامين الماضيين، لتقليل الآثار السلبية لجائحة كورونا

ولفت جون لوكا إلى أن الدعم الذي يؤثر في عجز الموازنة العامة للدولة لا يحظى بقبول المسؤولين التنفيذين بالصندوق الدولي، والخلاف الدائر حول رفع الدعم عن الخبز والمنتجات البترولية والطاقة والكهرباء وتعويم كامل للجنيه مقابل الدولار، وأن يباع بقيمته الحقيقية في الأسواق العالمية بشكل سريع، وهو ما ترفضه الحكومة المصرية نظراً لحساسية القرارات في ظل الغلاء المشتعل في الأسعار محلياً

ويوضح لوكا ان القرار سياسي وليس اقتصادياً، وأن إعلان الحكومة المصرية حزمة قرارات لدعم برامج الحماية الاجتماعية في الفترة الماضية كان غرضه التخفيف من الآثار السلبية المتوقعة بعد إتمام الاتفاق مع الصندوق. وتوقع لوكا أن تنتصر الحكومة المصرية لوجهة نظرها بتقليص الدعم تدريجياً، وأن تصل قيمة القرض إلى أكثر من 5 مليارات دولار.. فقد حدثت عدة تلميحات للرفع التدريجي على لسان الرئيس ورئيس الوزراء مفادها أن الحكومة تدرس سيناريوهات عدة محتملة تتعلق بتعديل سعر رغيف الخبز.

 وأكد جون لوكا، أن رحيل طارق عامر محافظ البنك المركزى فى هذا التوقيت يؤكد على أن هناك شيء غامض حتي هذه اللحظة فى شروط صندوق النقد الدولى مما تسبب فى تخلى طارق عامر عن منصبه والفترة المقبلة ستكون اكبر شهيد على ذلك.

إدمان الاستدانة

ينتقد الخبير الاقتصادى أسامة زرعي، ما أسماه "إدمان الحكومة في السنوات الأخيرة الاستدانة الخارجية"، حتى وصل الدين الخارجي إلى وضع شديد الحرج ، مؤكدا أن الحكومة تسعى للحصول على قرض جديد يمكنها على الأرجح من سداد أقساط الدين الخارجي، معتبراً أن سداد الديون بديون شيء خطير للغاية.

ويعتقد زرعي, أن الاتفاق مع الصندوق لن يجدي، لأننا نخرج من أزمة لنقع في أخرى جديدة بعد عدة سنوات، فقبل التعاون مع صندوق النقد كان سعر الدولار الأميركي لا يتخطى الـ10 جنيهات، بينما تجاوز حالياً 19 جنيهاً".

ويرفض زرعي، ربط الأزمة التي يمر بها الاقتصاد المصري بالحرب بين روسيا وأوكرانيا، موضحاً أن الاقتصاد المحلي ليست لديه مناعة في مواجهة الصدمات، إذ هو اقتصاد ريعي هش تنتشر فيه أعراض المرض، علاوة على الضعف الواضح الناتج من إهمال الزراعة والصناعة ، ويضيف: "لدينا خلل خطير في الإدارة الاقتصادية الكلية، والحكومة مطالبة بتغيير جذري في إدارة الاقتصاد، وتضمين ذلك في المحور الاقتصادي ضمن الحوار الوطني المرتقب عقده".

ويؤكد زرعي أن رحيل طارق عامر في هذا التوقيت بؤكد أن هناك شروطا لصندوق النقد الدولى سيترتب عليها ارتفاع فى الاسعار مما سينتج عنه وجود ضغط على الشعب ، فرحيله خلف علامات استفهام كثيرة.

حاجة ماسة لقرض الصندوق

يوضح الدكتور أحمد سمير الخبير الاقتصادي أن مفاوضات مصر للحصول على قرض جديد من الصندوق مستمرة رغم الجدل والتباين في الاراء بهدف الحصول على قرض يتراوح قيمته من ٥ إلى ٧ مليار دولار ليساهم في سد الفجوة التمويلية لمصر من النقد الأجنبي ، حيث  تواجه مصر تحديًا في انخفاض مخزون الاحتياطي النقدي،  وتحتاج إلى 35 مليار دولار خلال العام المالي الجاري 2022/2023 لتعويض خروج استثمارات أجنبية من البلاد بلغت قيمتها 20 مليار دولار، وسداد التزاماتها الدولية بقيمة 15 مليار دولار. وأوضح أن مصر تحاول تعويض تراجع الاحتياطي من خلال مساعدات خليجية، منها 15 مليار دولار من السعودية، قدمت منها بالفعل 5 مليارات دولار وديعة في البنك المركزي، فيما تترقب ضخ استثمارات سعودية بقيمة 10 مليارات دولار خلال الفترة المقبلة. كما تعتزم قطر ضخ استثمارات مباشرة بقيمة 5 مليارات دولار، وضخت الإمارات ملياري دولار لشراء حصص حكومية في شركات مقيدة بالبورصة، وتتبقى فجوة بقيمة 13 مليار دولار تحاول الحكومة سدها من خلال الحصول على قرض ضمن برنامج تسهيل ممدد لمدة 3 سنوات.يتراوح بين 5 -7 مليارات دولار من صندوق النقد وما بين 5-7 مليارات دولار ستحاول مصر سدها من خلال جذب استثمارات أجنبية مباشرة، وتمويلات من مؤسسات دولية أخرى.

ويؤكد د. أحمد سمير أن مصر في حاجة ماسة لقرض الصندوق ، لسد الفجوة التمويلية في ميزان المدفوعات والتي تقترب من 40 مليار دولار مقسمة بين 20 مليار دولار لسداد مديونيات مصر الخارجية، و20 مليار أخرى عجزا في المعاملات الجارية ، كما سترتفع ثقة المستثمرين الأجانب في مصر بعد الاقتراض؛ لأن موافقة الصندوق تعني اتفاقا على برنامج محدد للإصلاح الاقتصادي، يعالج هيكل الاقتصاد الوطني، كما يدفع الى تعديل مؤسسة "موديز" للنظرة  المستقبليه لمصر مما يخفض من تكلفة سعر الاقتراض من المؤسسات الدولية.

ويتوقع سمير إتمام المفاوضات خلال شهرين كحد أقصى ؛ لأن مصر لا تمتلك رفاهية الوقت في ظل التراجع المتتالي للاحتياطي النقدي ، كما يرى أن هناك  تفاؤل بسيطرة مصر على معدل التضخم خلال الفترة المقبلة، حيث يتوقع أن تتراجع أسعار القمح من 500 دولار للطن  ليتراوح بين 400 و370 دولارًا إلى أن يستقر عند مستويات 340 دولارًا ، وكذلك انخفاض سعر برميل النفط من 120 إلى 95 دولارًا للبرميل .

طرح العاصمة الإدارية حل

أيمن فودة رئيس لجنة أسواق المال بالمجلس الاقتصادي الافربقي يرى أن توالى الضربات على الاقتصاد العالمى الذى لم يكن الاقتصاد المصرى الناشئ بمنأى عنه ، تسبب في لجوء مصر للاقتراض الواسع خلال السنوات الماضية ، وخلقت الحرب الاوكرانية مشكلة الغذاء عالميا وارتفاع معدلات التضخم ومخاوف الانكماش فى ظل تراجع الاستثمارات واضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار النفط وخامات الصناعة.

وحدثت في مصر فجوة تمويلية لنقص العملة الصعبة اللازمة للوفاء بالتزامات مصر الخارجية التى تتجاوز 20 مليار دولار هذا العام فقط منها 8.3 مليار دولار واجبة السداد خلال ما تبقى من أشهر العام فلجأت للتفاوض على قرض جديد من الصندوق واستوجب هذا التمويل عدة توجيهات للصندوق بينها رفع الفائدة لتقويض التضخم المستورد اساسا من الخارج ، وتوحيد سعر الفائدة التى وصلت لمعدلات حقيقية سالبة ( 1.3% - ) وتخفيض سعر العملة مقابل الدولار لجذب الاستثمار و الذى يتعارض مع تقويض التضخم نظرا لمزيد من ارتفاع التكلفة و الاسعار بارتفاع الدولار كون مصر من الدول المستهلكة و المستوردة لنسبة تزيد عن 60% من خاماتها و سلعها الأساسية من الخارج ، واستجد طلب الصندوق إلغاء كافة المبادرات الحكومية ذات الفائدة المنخفضة و التى تتمثل فى القروض الميسرة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة و لقطاع السياحة و التمويل العقارى و الذى سينعكس بدوره سلبا على تلك القطاعات العامة فى الاقتصاد الكلى و ياتى بمزيد من الركود و الانكماش و ما يترتب على ذلك من تراجع الإنتاج و الحاجة إلى الاستيراد غير المستحب وزيادة معدلات البطالة.

هذه الإجراءات وإن استهدفت دعم قدرة الدولة على السداد إلا أنها تتعارض مع بناء اقتصاد قوى يمكنه امتصاص أى صدمات على المدى المتوسط و الطويل ، فتطبيق تلك الشروط سيزيد من التداعيات على الاقتصاد الكلى ولا بد من التجاوب مع معطيات هذه المرحلة الصعبة والتفكير بصورة موازية لخلق مصادر جديدة للعملة الصعبة و من أهمها سرعة طرح شركة كبيرة وناجحة كشركة العاصمة الإدارية الجديدة  فى البورصة بسهم دولارى وسهم بالجنيه المصرى والذى يمكنه توفير 50 مليار دولار هى نصف قيمة إجمالى الطرح الذى نوه عنه رئيس الجمهورية  مع الاستعانة بشركة عالمية لتسويق الطرح فى الداخل و الخارج.

استوفينا غالبية الشروط

يشير د. ياسر حسين الخبير الاقتصادي والمالي أن مصر أوفت بالتزاماتها وسددت جميع دفعات قرض برنامجها السابق مع صندوق النقد الدولي حتى اخر الدفعات في مايو الماضي ، وبعدها بدأت مفاوضات لقرض جديد لا يقل عن ١٢ مليار دولار اميركي ، ويوضح أن مصر قامت باجراءات فعلية تستهدف الوفاء بشروط صندوق النقد الدولي ، مثل خفض دعم الكهرباء والمياه والوقود، والعمل علي خفض عجز الموازنة وزياده الإيرادات العامة للدولة. وبعد أن استوفت غالبية الشروط أصبح من حق مصر الاستفادة من القرض بفوائده الميسرة المنخفضة، وتأمل في أن يتم الاتفاق قبل ديسمبر.

أما الشروط الأخرى فهي من الصعوبة التي تجعل مصر ترفض تنفيذها بشكل حالي سريع ، وتشكل عقبات كبيرة في حاله طلب تنفيذها في الحال ، لأنها صعبة التنفيذ في المدي الزمني القصير، لكن من الممكن تنفيذها بجدول زمني مريح وغير مربك للاقتصاد المصري ، وعبر مراحل متدرجة لا تربك ولاتهز الجسد الاقتصادي بشكل يؤثر بالسلب ، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا .

ويعتقد د. ياسر حسين أن من بين أسباب رحيل طارق عامر عن رئاسه البنك المركزي ، تاخر الاتفاق مع الصندوق وتخارج نحو ٢٠ مليار دولار من الخزانة المصرية بعد خروج المستثمرين في أدوات الدين المحلي ، مما عرض الاحتياطي النقدي المصري لتناقص كبير.

تحديات أمام محافظ "المركزي"

أما الدكتور ياسر شحاتة الخبير الاقتصادي وأستاذ التنمية المستدامة فيؤكد ظهور خلافات مع مصر بشأن شروط صندوق النقد ، والتي من الممكن أن تزيد الأعباء على المواطن،لأنه غير مستعد لأعباء جديدة. والقيادة المصرية تسير بخطوات ثابتة وشغلها الشاغل حماية المواطن من تبعات الاصلاحات الهيكلية، فانطلقت تجاه توسيع برامج الحماية الاجتماعية، وكذلك "حياة كريمة" والذي نستطيع أن نطلق عليه مشروع القرن ، لأنه يضع الريف والصعيد في قلب التنمية.

مما لا شك فيه أن مصر في حاجه للحصول علي قرض صندوق النقد لسد الفجوة التمويلية في ميزان المدفوعات ، ومنح الثقة للمستثمر في قدرة مصر علي الوفاء بالتزاماتها الدولية ، فمؤسسة " موديز " عدلت النظرة المستقبلية لمصر في تقييمها الأخير بسبب حجم الدين الخارجي، وحصولها علي قرض الصندوق يساهم في تعديل النظرة الى إيجابية مرة ثانية مما يساعد علي تخفيض تكلفة سعر الاقتراض من المؤسسات الدولية.

وأخيرا – يضيف د. ياسر شحاتة - هل لهذه المفاوضات علاقة برحيل محافظ البنك المركزي، أؤكد أنه لا يستطيع احد التدخل في الشأن الداخلي لمصر في البقاء او الرحيل ، فعندما تم منح القرض في عام ٢٠١٦ في وجود طارق عامر ، كانت الفرصة مواتية لتحرير سعر الصرف ، ولكن اليوم تحرير سعر الصرف يزيد من التضخم، وكل مرحلة تتطلب آليات وأفرادا لتحقيق الاستراتيجيات الوطنية ، والمحافظ الجديد لديه تحديات كثيرة أهمها استعادة معدلات التضخم إلي مستهدفات البنك المركزي ، وهذا يستغرق وقتا ويحتاج إلي خطط قصيرة وطويلة الأمد ، وأتوقع أن يصل التضخم للمنطقة المستهدفة في ابريل ٢٠٢٣، كذلك التعامل مع ملف سعر الصرف والموازنة بين متطلبات صندوق النقد واحتياجات الأسواق.

الدكتور كرم سلام الخبير الاقتصادي ومستشار العلاقات الاقتصادية الدولية يؤكد أن مفاوضات مصر مع الصندوق وصلت إلى مرحلة متقدمة ويتبقى الاتفاق على مستوى الخبراء في الأسابيع المقبلة ، ومن ثم موافقة المجلس التنفيذي للحصول على القرض الذي يرجح  أن تتراوح قيمته بين 5 و20 مليار دولار، ويعد القرض مهما فى الفترة الراهنة لحفاظ مصر على استقرار الاقتصاد الكلى للبلاد ، حيث أنها تواجه تحديًا في انخفاض الاحتياطي النقدي وتحتاج إلى 35 مليار دولار خلال العام المالي الجاري 2022/2023 لتعويض خروج استثمارات أجنبية قيمتها 20 مليار دولار، وسداد التزامات دولية بقيمة 15 مليار دولار. 

ويتوقع د. كرم سلام نجاح توسيط الرئيس عبدالفتاح السيسي لزعماء أوروبا  فى التخفيف من شروط الصندوق ، حيث  أن حصولها عليه يعد شهادة ثقة أمام العالم ، كما أن مصر حققت الاستقرار الاقتصادي فى الاتفاق السابق مع الصندوق.

ويقول سلام : "يتعين على  الحكومة المصرية بعد الحصول على القرض أن تقوم بدور كبير فى دعم الفئات الأكثر احتياجاً وتعزيز برامج الحماية الاجتماعية لتخفيف العبء على كاهل المواطن المصري العادى و إتخاذ حزمة قرارات تضيف حماية اجتماعية للفئات الأكثر احتياجاً ، لتخفيف الآثار السلبية المتوقعة بعد إتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ، كما يجب تقليص دعم الطاقة والمحروقات ودعم الخبز تدريجيا على مدار السنوات المقبلة، وصرف مساعدات استثنائية للفئات الأكثر احتياجا لمدة 6 أشهر مقبلة، بينها 9 ملايين أسرة من الأكثر احتياجاً بتكلفة إجمالية تصل إلى مليار جنيه (52.8 مليون دولار) شهرياً ، ومن أصحاب المعاشات الذين يحصلون على معاش شهري أقل من 2500 جنيه (132 دولاراً)، وكذلك من العاملين بالجهاز الإداري للدولة الذين يحصلون على راتب أقل من 2700 جنيه (142.5 دولار) شهرياً.

هناك حاجة أيضا – حسب د. كرم – إلى تعزيز الأمن الغذائي للأسر الفقيرة والأمهات والأطفال، من خلال التوسع في طرح كراتين السلع الغذائية المدعمة بنصف التكلفة، بواقع مليوني كرتون شهرياً وأيضا التدرج فى  زيادة أسعار الكهرباء حتى نهاية العام الحالي ، مع العلم أن "تكلفة التأجيل التي ستتحملها الموازنة العامة للدولة لمدة 6 أشهر تصل لـ10 مليارات جنيه (528 مليون دولار) حتى تتحمل الدولة العبء الأكبر من الزيادات للتخفيف عن المواطن المصري.

ويرى أن التحديات التي تواجه محافظ البنك المركزي هي السيطرة علىالتضخم ، وتحسين قوة الجنيه والمحافظة على استقرار اسعاره أمام الدولار، وزيادة الاحتياطي النقدي ، وتحديد اسعار الفائدة بما لا يؤثر سلبا على دخول الاقتصاد المحلي في ركود ، وسداد الديون الخارجية من خلال تدبير النقد الأجنبي قبل موعد استحقاقها.
------------------------
تحقيق: آمال عبدالله
من المشهد الأسبوعية