29 - 06 - 2024

لبنان من فقر السياسة الي فقر الناس

 لبنان من فقر السياسة الي فقر الناس

يمثل لبنان حالة لفشل التقسيم الطائفي للسلطة وفق المحاصصة وصعود الطوائف علي حساب الكفاءة والجدارة ، وهو ما يعني ان الوطن كعكة يجري تقسيمها بين الفرقاء , ولا يختلف هذا عن حال الدولة الوطنية في الوطن العربي التي ورثها فرقاء المحررين من المستعمر فاعتبروها كعكة تورث بينهم  ، لذا مثل نجاح المستقلين في الانتخابات اللبنانية الاخيرة حدثا لبدء تغير نري بوادره تشرق من بعيد في الوطن العربي ؛ فالآن هناك تبلور دولة جديدة في الوطن العربي بعيدا عن الاسلام السياسي الذي اثبت فشله الذريع ، لضيق الافق وانعدام الخبرة ، وبعد ان سقطت العروبة في هزيمة يونية ١٩٦٧ وبعد أن سحقها حزب البعث بغزو الكويت في ١٩٩٠ ثم بالإرث الاسري في سورية ، لنري لبنان الذي كان واحة للحرية إلي الحرب الاهلية هو من يعيد صياغة المشهد السياسي العربي بعيدا عن التدخلات العربية والإيرانية والأجنبية ، لكن ما نراه في لبنان هو مجرد بداية مخاض له ما يماثله بصور مختلفة طبقا لسياق كل بلد في المغرب والعراق والجزائر وتونس والسودان ، لكن في الجزائر يبدو الجميع متفقا علي التغيير الهاديء الموزون ، بينما المغرب يبلور تجربته سريعا مما انعكس علي معدلات نمو وتنمية مرتفعة ، بينما ما زال المخاض صعبا في تونس والعراق والسودان . 

مثل لبنان عنوانا للفشل السياسي والاقتصادي والسياسي أدي إلي الفقر المدقع وهو ما جعل البنك الدولي يصدر تقريرا عن معدلات الفقر في لبنان جاء فيه ما يلي :

يتحمل الأطفال دون سن الثامنة عشرة في لبنان العبء الأكبر الذي يسببه الفقر متعدد الأبعاد. ويُعد هذا الأمر أحد النتائج الرئيسية التي خلص إليها مؤشر الفقر متعدد الأبعاد في لبنان 2019 الذي أُطلق مؤخراً. وكانت إدارة الإحصاء المركزي قد أعدت هذا المؤشر بدعم فني من البنك الدولي وتمويل مشترك من وزارة الخارجية الهولندية في إطار برنامج بروسبكتس PROSPECTS. وقد سجلت الشريحة الأصغر سناً أعلى معدل انتشار للفقر متعدد الأبعاد في عام 2019 إذ أشارت النتائج إلى أن نحو ثلثي الأطفال الذين لا تزيد أعمارهم عن 4 سنوات يعانون الحرمان. لسوء الحظ ، يعكس الوضع في لبنان ظاهرة عالمية تتمثل في أن الأطفال يشكلون أكثر من 50% من الأشخاص الذين يعانون الفقر متعدد الأبعاد على مستوى العالم.

( الشكل 1: معدل انتشار الفقر متعدد الأبعاد حسب الفئة العمرية، 2019 - المصدر: حسابات مُعدي التقرير باستخدام بيانات مستقاة من مسح القوى العاملة والأحوال المعيشية للأسر 2018-2019 
ملاحظة: نطاقات الخطأ لفترات الثقة عند 95%. )  

تم وضع مؤشر الفقر متعدد الأبعاد في لبنان باستخدام مسح القوى العاملة والأحوال المعيشية للأسر على المستوى الوطني للفترة 2018-2019. وهذا المؤشر مشتق من 19 مؤشراً على مستوى خمسة أبعاد هي: التعليم، والصحة، والأمن المالي، والبنية التحتية الأساسية، ومستويات المعيشة. 

 يكشف مؤشر الفقر متعدد الأبعاد في لبنان لعام 2019 أن 53.1% من جميع السكان كانوا يعانون الفقر متعدد الأبعاد لأنهم كانوا محرومين في أكثر من 25% من المؤشرات. وتبلغ نسبة من يعيشون في فقر مدقع، حيث يكون السكان محرومين في أكثر من 50% من المؤشرات، 16.2% من عدد السكان. ويُعدّ الحرمان من التأمين الصحي (24.8%) أكثر المؤشرات مساهمةً في الفقر متعدد الأبعاد على الصعيد الوطني ، يليه مستوى التحصيل الدراسي (18.3%) ثم العمل الذي تنخفض فيه معايير الأمان (9.7%). عند تجميع هذه العوامل حسب الأبعاد ، فإن البعد الصحي (30.2%) أكثر العوامل التي تسهم في الحرمان ، يليه التوظيف (25.8%) والتعليم (25.3%). أما البُعد المتعلق بمستويات المعيشة فيسهم بنسبة 13% ، في حين يسهم بُعد البنية التحتية الأساسية بنسبة 6%. 

بالإضافة إلى ذلك، وُجد أن الأسر التي تعولها نساء أفقر إلى حد ما من منظور متعدد الأبعاد (بنسبة 56.7%) مقارنة بنظرائهن من الذكور (بنسبة 52.6%). ويعيش نحو 11.6% من الأفراد في أسر تعولها نساء، فيما يعيش الباقون (88.4%) في أسر يعولها رجال.

على صعيد محافظات لبنان الثماني، تُعد عكار والبقاع الأشد فقراً، في حين تتركز في بيروت أكبر كثافة للفقر بين الأشخاص الذين شملهم مؤشر الفقر متعدد الأبعاد. بعبارة أخرى، بينما يقل احتمال أن يُعد شخص ما في بيروت فقيراً حسب هذا المؤشر، يزيد احتمال تعرض الفقراء في بيروت للمعاناة من حرمان أشد مقارنةً مع سكان المحافظات الأخرى. ويعيش حوالي ثلث الفقراء الذين شملهم المؤشر في جبل لبنان، حيث يقيم نحو 41% من السكان. ويتشابه تكوين الفقر متعدد الأبعاد إلى حد ما على مستوى المحافظات. وتسهم النسبة الأكبر - المقابلة للافتقار إلى التأمين الصحي - بما يتراوح بين 23% إلى 27.4% في معدلات الفقر العام. 

(الشكل 2: نسبة مساهمة كل مؤشر في مؤشر الفقر متعدد الأبعاد على مستوى المحافظات، 2019 
المصدر: حسابات مُعدي التقرير باستخدام بيانات مستقاة من مسح القوى العاملة والأحوال المعيشية للأسر 2018- 2019) 

في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ينضم لبنان اليوم إلى تسعة بلدان أخرى غير مرتفعة الدخل أعدت خلال العِقد الماضي إحصاءات باستخدام مؤشر الفقر متعدد الأبعاد. يؤدي إنضمام لبنان إلى هذه البلدان إلى زيادة نسبة تغطية البلدان النامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بإحصاءات حديثة للمؤشر لتبلغ 77%، مما يجعلها تحتل اليوم المرتبة الثانية من حيث أعلى تغطية بعد منطقة جنوب آسيا. 

تجدر الإشارة إلى أن البيانات الخاصة بالفترة 2018 - 2019 المستخدمة في احتساب مؤشر الفقر متعدد الأبعاد تسبق بداية الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية التي يشهدها لبنان ، ولا تأخذ في الاعتبار تأثير التطورات التي تلت  مثل تفشي جائحة كورونا , هذا كله عكسته ازمة السيولة في مصارف لبنان وضياع إيداعات المدخرين ، مما اثر سلبا علي لبنان ، فحتي حركة نشر الكتب والتي تمثل ٥٪؜ من صادرات لبنان تاثرت سلبا بحيث تراجع عدد العناوين المنشورة في لبنان الي النصف ، كما تراجعت بالتالي طباعة الكتب وغيرها من الحرف المرتبطة بالنشر اضف الي ذلك تراجع صادرات لبنان لمنطقة الخليج والسياحة الي لبنان ؛ نحن امام بلد ضحية يجري ذبحها قربانا للصراعات التي يدفع ثمنها المواطن اللبناني المقهور في حياته وامنه ومستقبله .

إن تردي الوضع السياسي في أي بلدٍ لابد وأن ينعكس سلبا علي معدلات الفقر ، هذا ما يعكسه ما سبق ذكره من تقرير البنك الدولي ، هذا ما يتطلب ان ترفع القوي الاقليمية والدولية يدها عن لبنان حتي يستطيع أن ينهض بأدواته .، كما أن ترسيم حدوده مع دولة الاحتلال في جنوبه بات ملحا للبدء في استخراج الغاز من امام سواحله حتي تنتعش خزانة الدولة ، فضلا عن ضرورة محاربة تجارة وزراعة المخدرات التي تسبب استنزافا بعيد المدي للبنان الوطن لصالح مستفيدين قصيري النظر ، ان الفترة القادمة سيكون فيها لبنان علي المحك اذ علي القوي التقليدية استيعاب فشلها واعادة انتاج نفسها من جديد وفق سياق يتيح للبنان تفادي جوع وفقر ثم حرب اهلية جديدة لا تبقي ولا تذر ، او اننا سنشهد تحولا يقوده المستقلون في مجلس النواب لاعادة بناء الخريطة السياسية في لبنان.
-------------------------
بقلم: د. خالد عزب
من المشهد الأسبوعية 

مقالات اخرى للكاتب

سيرة المكان الأول في روايات نجيب محفوظ





اعلان