18 - 09 - 2024

من يكسر من .. الغرب أم هيبة الدب الروسي؟ موسكو تراهن على النفس الطويل في معركة "الشتاء والغاز"

 من يكسر من .. الغرب أم هيبة الدب الروسي؟ موسكو تراهن على النفس الطويل في معركة

- اللواء سمير فرج: بوتين يعد لحرب الشتاء والغاز وتقدم الجيش الأوكراني لا يمثل مفاجأة عسكرية
- د. نبيل رشوان: الحرب ستسمر وروسيا لن تستطيع إنهاء الصراع الآن
- محمد ربيع الديهي: الدخول من الشمال ودعم الأسلحة وتبديل القوات الروسية سر التقدم الأوكراني

نجحت روسيا الأربعاء، 21 سبتمبر، في كسر كل التوقعات بإعلانها التعبئة العسكرية الجزئية، واستخدامها كل ما تمتلك من أدوات لتحقيق أهدافها في أوكرانيا، ما مثل تلويحا باستخدام السلاح النووي، ناهيك عن إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن دعمه للدول التي كانت قد أعلنت قبلها بيوم عن إجرائها استفتاءات شعبية للإنضمام إلى روسيا.

جاءت تصريحات بوتين ، عقب التقدم المفاجيء للجيش الأوكراني شمال شرق أوكرانيا وانسحاب القوات الروسية مخلفة معداتها المتقدمة.

قبلها بأيام كانت العناوين المفاجئة لكل المتابعين للأحداث الروسية الأوكرانية، تتحدث عن تقدم مفاجئ للجيش الأوكراني، استرداد للأراضي، تراجع القوات الروسية، إمدادات أمريكية وأوربية، وبرزت تساؤلات من قبيل: هل بالفعل تنتصر أوكرانيا وتجبر القوات الروسية على الانسحاب؟ أم أنه انسحاب تكتيكي لمزيد من الاستعداد والمناورة؟ وهذه المرة لن يستعمل الرئيس الروسي بوتين قواته ولا عتاده من الأسلحة، ولكن كما أعلن صراحة أنه ليس على عجل من أمره والشتاء قادم ولا وجود للغاز الروسي إلا بشروطه! لماذا سحبت روسيا قواتها في هذا التوقيت وما أثر ذلك على المدى البعيد للحرب التي لم تتوقف منذ ستة أشهر، ويتوعدها الطرفان لثلاثة أشهر أخرى قادمة..

مفاجأة عسكرية

أوضح الخبير الاستراتيجي اللواء سمير فرج أن الهجوم المفاجئ لأوكرانيا واستعادة  3000كم من الأراضي، لا يعد مفاجأة عسكرية ولا نصرًا، وقال: في التحليل العسكري لا يعد ذلك مفاجأة لأن أوكرانيا استغلت المعلومات التي حصلت عليها من أمريكا، والتي أوضحت نقاط الضعف الروسية، فكانت الخطة الحربية بناء على هذه المعلومات الاستراتيجية والعسكرية، وحتى الخطة التي تقدمت بها القوات الأوكرانية واستردت بها بعض المناطق كانت بمساعدة أمريكية، بالإضافة إلي الأسلحة التي أمدت بها أمريكا القوات الأوكرانية، وخاصة قاذفات الصواريخ المتعددة بعيدة المدى، التي ساهمت بشكل كبير في تقدم القوات بشرق وجنوب البلاد، في الوقت نفسه سحبت روسيا، بعد 6 أشهر من أعمال القتال بأوكرانيا، قواتها المقاتلة النظامية في شرق البلاد، إلى الخلف، وتم استبدالها بقوات جديدة، لكنها كانت غير منظمة أو محكمة، وأقل خبرة وكفاءة، ما أدى إلى تقدم القوات الأوكرانية.

وما يبدو أنه تراجع روسي في حقيقة الأمر هو أن روسيا غيرت استراتيجيتها، وأصبحت الحرب على الأرض ليست الهدف الرئيس، ولكن التمسك بـ 20٪ التي ما زالت تحت السيطرة الروسية، والمرحلة الجديدة هي "حرب الغاز"، فروسيا تلعب على شهور الشتاء القادم إلى أوروبا، فهل سيظل الاتحاد الأوربي على موقفه من الغاز الروسي، أم أن حيلة الرئيس بوتين ستفلح في إخضاع أوروبا للشروط الروسية، خاصة بعد أن أغلقت روسيا محابس الغاز، فلا فرصة لأوروبا للتخزين بالأسعار المتفق عليها سابقا، ولن تقبل روسيا بالشروط الأوروبية، إنما حددت الدفع بالروبل، وبالأسعار التي تراها، فهي إذن معركة الشتاء الأوروبي والغاز الروسي، هل ستتحمل الدول الأوروبية ضغط شعوبها، أم سيتفكك الاتحاد الأوربي تحت مطالب الشعوب للحصول على الغاز الروسي، الذي لم تجد له أوروبا بديلا مناسبا حتى الآن.

وأضاف فرج أن الحرب لن تتوقف عند هذا الحد، ولن تقبل روسيا بتقدم الجيش الأوكراني، فلابد أن تستعيد روسيا هيبتها، وإلا فهذا يعني سقوطا كبيرا للجيش الروسي الذي يعد القوة الثانية عالميا في حين أن أوكرانيا تصنف في المرتبة 22 بين جيوش العالم، وهذا التراجع أيضا يعد هزيمة شخصية للرئيس بوتين، وهو ما لن يقبله بأي حال من الأحوال، فالانسحاب الروسي هو انسحاب استراتيجي لإعادة الترتيب، والاستعداد لمعركة طويلة خلال الشهور الثلاث القادمة.

لم نحرركم!

يقول د. نبيل رشوان الخبير في الشؤون الروسية: لا الأسلحة لعبت دورا ولا يوجد تطور كبير في الأحداث، كل ما هنالك أن القوات الروسية انسحبت أمام القوات الأوكرانية، وهو ما جاء على لسان أحد سكان مدينة أوزيوم عندما شكر أحد الضباط بأنهم حرروا المدينة، فرد الضابط: "لم نفعل شيئا.. القوات الروسية انسحبت"، ولا ننكر أن أوكرانيا الآن لديها أسلحة نوعية حصلت عليها مثل المدفعية الصاروخية الأمريكية، وأسلحة من دول أخرى مثل السويد والنرويج وفرنسا وألمانيا، لذلك فالحرب ستستمر، روسيا لن تستطيع إنهاء الصراع الآن، ولن تتمكن من احتلال أوكرانيا بالكامل، لأن هناك نقصا في الموارد البشرية إلى حد كبير، ويصعب على أوكرانيا حسم الموقف، وكانت هناك كلمة للرئيس بوتين في قمة منظمة شنغهاي للتعاون بأنه يريد إنهاء الحرب ولكن أوكرانيا لا تقبل بالتفاوض، وهذا حقيقي لأن الرئيس الأوكراني رفض التفاوض في الأيام الأخيرة، على أمل تقليص شروط التفاوض وعلى روسيا أن تحسن من شروط التفاوض، مثل نزع سلاح أوكرانيا، واجتثاث جذور القومية، وهي أمور يصعب على رئيس دولة قبولها، وحتى الوسطاء مثل فرنسا أو المستشار الألماني تحدثوا في الفترة الأخيرة مع الرئيس بوتين، ولكن لم يكن هناك أرضية مشتركة يمكن من خلالها الجمع بين طرفي النزاع "روسيا وأوكرانيا"، يبدو أن الدعم الغربي لأوكرانيا جعلها في موضع قوة، كذلك انسحاب القوات الروسية أمام القوات الأوكرانية في خاركييف بلا شك جعل القوات الأوكرانية  في موضع قوة ورفع معنوياتها وتطمح الآن في تحرير مدينة خيريسون في الجنوب، وهو انتصار نوعي عسكري محدود، من الممكن أن يتم بعدها التفاوض، ولا توجد معارك عنيفة، والمساحة التي تم تحريرها من أوكرانيا كبيرة وكانت تحتاج لشهور لولا انسحاب القوات الروسية، والتي بررت ذلك بإعادة تنظيم القوات والتركيز على دونيتسك ولوغانسك وهي المناطق المتنازع عليها فعليا ويبدو أن القوات الروسية قررت التركيز على هاتين المنطقتين حتى إشعار آخر.

تطور مستمر

الباحث الاستراتيجي محمد ربيع الديهي يفول : لا شك أن الازمة الروسية الأوكرانية في تطور مستمر ما بين تقدم للقوات الروسية أو تراجع مرة أخري للقوات إلى الخلف، مما أثار العديد من التساؤلات حول مصير الازمة الروسية الأوكرانية، وهل سيستطيع الرئيس الأوكراني زيلينسكي، من أن يفي بوعده ويستعيد السيطرة مرة أخرى على أوكرانيا، وأن الحرب بدأت من القرم في ظل الدعم الغربي المستمر لأوكرانيا بكافة الطرق.

فتراجع القوات الروسية في خاركيف أثار دهشة كبيرة لدى الكثيرين حول اسباب هذا التراجع وتقدم اوكرانيا ، وهل حقًا الترسانة العسكرية الروسية أضعف من نظيرتها الأوروبية والامريكية، ولكن التراجع الروسي وتقدم اوكرانيا واستعادتها مساحات كبيره في خاركيف هي مجرد انتصارات وقتية او لحظية لن تدوم طويلًا إذ يعود الانتصار الاوكراني على روسيا إلى عدة أسباب رئيسة والمتمثلة في:

السبب الأول يتمثل في عنصر المباغتة الذي لعب دورا حاسما في الهجوم على القوات الروسية ، خاصة وأن هجوم الجيش الأوكراني بدأ بشمال شرق البلاد، على عكس ما كان يعتقده الروسي بأن الهجوم سيكون من الجنوب.

السبب الثاني يكمن في عملية الإحلال للقوات الروسية في هذه المنطقة (تبديل أو تغير القوات) حيث قامت موسكو بسحب عدد من مقاتليها بعد ٦ أشهر من أعمال القتال بأوكرانيا إلى الخلف واستبدالها بقوات جديدة، لكن تلك القوات كانت غير جاهزة للقتال، فضلا عن كونها أقل خبرة من القوات التي انسحبت للخلف والتي كانت منخرطة في الأزمة منذ بدايتها وهو ما أدى إلى تقدم القوات الأوكرانية.

السبب الثالث يأتى معتمدا على الأسباب السابقة وهو دخول اسلحة غربية جديدة لأوكرانيا ساهمت في تغير شكل الصراع على الأرض لصالح اوكرانيا.

فالأسلحة الجديدة التي حصلت عليها أوكرانيا من الولايات المتحدة، وخاصة قاذفات الصواريخ المتعددة بعيدة المدى، التي ساهمت بشكل كبير في تقدم القوات الأوكرانية. فضلا عن أن أوكرانيا دفعت بعدد كبير من قوتها في خاركيف.

وفي هذا السياق لا يمكن لأحد ان يتوقع ان تكون للقوات الأوكرانية حتى الآن قدرةعلى التقدم او تحرير الأراضي التي دخلتها روسيا ، خاصة وأن الجانب الروسي يبني استراتيجية جديدة يسعي من خلالها لإطاله أمد الأزمة لتعظيم استفادته منها ، خاصة من خلال ملف الطاقة الذي يعد عقابا قويا من روسيا لأوروبا مع قدوم فصل الشتاء مما سيشكل تهديدًا علي الدول الأوروبية في ظل تظاهرات كثيره تطالب القادة الأوروبيين بالتركيز علي مصالح بلادهم مع روسيا ورفع العقوبات عنها. وهو الأمر الذي سوف يقلل من الدعم الغربي لأوكرانيا خلال الشهور القادمة ، خاصة وأن اوكرانيا قد كلفت الدول الأوروبية الكثير وقد تؤدي الي انهيار المنظومة الأوروبية نتيجة المشكلات الكثيرة التي تواجه تلك الدول.
--------------------------------
تحقيق – آمال رتيب
من المشهد الأسبوعية