قديماً قالوا "النار ترّد الخبث"، و"المعادن النفيسة تزداد لمعاناً كلما تعرضت للحرارة" ، وكذلك فإن المرء تظهر حقيقته عند الشدائد، وهذا ماحدث لصاحبنا الذي لم تستطع وطنيته أن تحتمل شدائد الوطن أكثر من 16 شهر فقط، بعد أن كان شرطه الأساسي عند توقيعه على عقد رئاسته للبريد ألا تقل مدته عن 3 سنوات.

جمال الدين الذي صاحبته التساؤلات وعلامات الاستفهام منذ يومه الأول اتضحت أسباب استقالته "أو إقالته" سريعاً، بل وظهرت الدوافع المادية أمامها وخلفها ..وحولها، رغم النفي المتكرر أن يكون الحد الأقصى للرواتب "الذي قام الرئيس السيسى بتطبيقه على نفسه" هو السبب، فالدكتور فضل القفز من سفينة الوطن عقب الإشارة الأولى التي تم التلويح له فيها بالدراهم الغير محددة بحد أدنى أو أقصى.

الدكتور أقام الدنيا وأقعدها لتكريمه موظفاً لديه لتبرعه لصندوق تحيا مصر، ولم يشأ أن يضرب مثلاً يحتذي به بإخراج "مليم أحمر" من جيبه الخاص حباً في مصر أو صندوقها، كما لم يبد استجابة لمطالبات الكثيرين بتخصيص منفذاً بالهيئة للتبرع للصندوق، أو لبيع شهادات الاستثمار في مشروع مصر القومي المتمثل في محور قناة السويس الجديدة.

الأندية يمكنها أن تمنع لاعبيها من الانتقال إلى الأندية الأخرى قبل انقضاء فترة التعاقد، كما إنها تحصل على مقابل كبير نظير انتقال اللاعب إلى ناد آخر، ونحن لا ندرى أين مستحقات مصر التي احتملت جمال الدين وصقلته حتى ظهرت كفاءته كرئيس لهيئة قومية مصرية كبيرة مما جعل المؤسسات العربية تخطب وده وتتودد إليه.

منذ أيام أعلن المهندس عاطف حلمي وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نتائج أعمال هيئة البريد المصري للعام 14/2013 ، وأشارت النتائج إلى تحقيق الهيئة 13.80% عائداً متفوقا عن عائدات 2013 بمقدار 8% تقريباً، وهذه النتائج إذا كان جمال الدين هو السبب في تحقيقها فلابد من محاسبته على هروبه وعدم إستمراريته في منصبه في وقت يجتهد فيه القاصي والداني والغنى والفقير للنهوض بمصر، ويبذلون في سبيلها الغالي والنفيس.

من وجهة نظري فإن السبب الحقيقي وراء هذه النتائج هم "عاصري الليمون" الحقيقيين -عمال البريد الشرفاء- الذين أحسوا بآلام المعاناة الاقتصادية للوطن، فاحتملوا إدارتهم، وتوحدوا، وقرروا أن يبذلوا الجهد والعرق للوصول إلى هذه النتائج، وهذا ما أدركه الوزير بفطنته المعهودة فقرر صرف مكافأة شهرين إضافة إلى مكافأة عيد الأضحى لهم.