17 - 08 - 2024

من المدارس للسناتر .. ياقلب لاتحزن

من المدارس للسناتر .. ياقلب لاتحزن

من تكرار القول أن نقول دائما أن التعليم هو الطريق لمستقبل أكثر تطورا يحاكى التطور العالمي ، الذى لا يمكن ملاحقته بالاسلوب التقليدى والأنظمة التعليمية المتخلفة. 

ومن المعروف ، ومنذ أن عرف الإنسان فكرة التعليم والتعلم إلا ووجدت أمكنة للتعليم أطلق عليها (مدرسة)، والمدرسة هذه ليست مكانا لاستيعاب المعلومات العلمية فى صورة مواد دراسية فقط ، ولكنها دائما وأبدا المكان الذى تتبلور وتتشكل فيه الشخصية تمهيدا للتكوين الفكرى والثقافى والعقلي ، إضافة لوضع اللبنات الاولى فى تشكيل العلاقات والمشاركة  الاجتماعية من خلال الأنشطة المتعددة ، وذلك حتى تتشكل شخصية متكاملة خاصة فى مرحلة التعليم الابتدائى والتى يتم البناء عليها فى باقى مراحل التعليم.

وهذا يعنى أن دور المدرسة ، وفى هذا الإطار ، هو دور محورى لايمكن الاستغناء عنه ولايوجد غيره بديلا ، ودليل ذلك مانراه من التسابق للالتحاق بالمدارس الأجنبية من هنا وهناك وليس مايسمى السناتر!. 

ولكن وللحقيقة ولظروف كثيرة ومتعددة أهمها الأعداد الكثيرة التى لايوجد ما يناسبها من المدارس ، إضافة لغياب الاستثمارات المناسبة لما تتطلبه العملية التعليمية تطبيقا لمواد الدستور ، وعدم اعداد المعلم بما يتوافق مع مهمته الرئيسية فى العملية التعليمية مع دخول غير مناسبة ، هذا جعل الدروس الخصوصية تتزايد وتتفاقم ، بل تصبح بديلا للمدرسة فى تحصيل المعلومة الدراسية ، وليس - ولن تكون - بديلا للعملية التربوية لإعداد وتكوين الشخصية المصرية. أما الاهم والأخطر فى هذه القضية هى الجرى واللهاث وراء اقتناص الشهادة الدراسية بكل السبل والطرق التى لاعلاقة لها بأى عملية تعليمية صحيحة أو قيمة تربوية شريفة.

ولأن القضية أصبحت شهادات فكان عدم الاهتمام بهذا التكوين الشخصي ، فأصبح الغش حقا معلوما بلا خجل ، لدرجة أن يتم الاعتداء على المدرس الذى يمنع هذا الغش ، وللأسف من أولياء الأمور ، وهذا يعنى ليس غياب دور المدرسة بل سقوط دور الأسرة. 

وفى ظل هذا الوضع المزرى لانرى ولا نسمع غير تصريحات واقتراح أنظمة تعلن وتؤكد إعادة دور المدرسة وإلزام التلاميذ بالحضور إليها ، ولكن بلا جدوى. 

هنا تحولت الدروس الخصوصية إلى تسمى بالسناتر، وهى شقق سكنية أو صالات بفنادق يتم الحجز فيها من بداية الإجازة السنوية ، والغريب أن أولياء الأمور والتلاميذ قد اعتبروا أن هذا السناتر بديلا للمدرسة تماما . فالتلميذ لايذهب للمدرسة إلا يوما فى الأسبوع حتى لايتم فصله ، حتى وجدنا أن الاولى على مستوى الجمهورية فى الثانوية العامة تعلن على الملأ أنها لم تذهب الى المدرسة يوما واحدا . 

ومن الواضح نتيجة للأزمة الاقتصادية وخضوعا للواقع (وليس تغييره التحسن) خرج علينا وزير التعليم يعلن فى بيان ألقاه فى البرلمان ، أنه قرر أعطاء تراخيص لهذه السناتر !!! فهل هذا إعلان وإقرار بالأمر الواقع ، وهو أن تكون السناتر بديلا رسميا للمدرسة؟ وهل بعد هذه التراخيص التى ستعطى التلاميذ وأولياء الأمور الراحة النفسية بأن مايفعلوه هو الصحيح (بلا مدرسة بلا غيره) يمكن أن نتحدث عن المدرسة ودورها التعليمى والتربوى؟ وهل هذا مقدمة لإلغاء المدارس وإعلان نظام تعليمى جديد اسمه تعليم السناتر؟ وهل هى ستكون بديلا للمدرسة ؟ 

السؤال هنا هل نعلم تأثير السناتر هذه ؟ أولا : حشر التلاميذ فى أماكن غير صحية وبأعداد ترسخ للغوغائية والفوضى. ثانيا: ترسخ الإحساس بسلامة الحصول على الورقة بالمال ومن معه يحصل ومن ليس معه مايلزموش. ثالثا: هى تمثل استنزافا للأموال ، خاصة لغير القادر ماديا فيتم حرمان بعض الطبقات من الضروريات سعيا وراء الحصول على الشهادة مثل الآخرين!! 

هو اقتصاد غير رسمى كان يحب محاصرته وليس الخضوع له ، بهدف تحصيل ضرائب نعلم أساليب التهرب منها. هل بهذا نكون قد ساهمنا فى إعداد الشخصية المصرية تعليما وتربية ؟ وهل عدم ممارسة الطالب الأنشطة نكون مساهمين فى محاصرة الأفكار المتطرفة أم العكس؟ 

الأمر خطير ياسادة . نعم تعلمنا وتكونت شخصياتنا من المدرسة . تأثرنا بالمدرس سلوكا ومظهرا ، فلا حل غير إعادة دور المدرسة قولا واحدا . فلن تكون هذا السناتر بديلا بل ستكون خرابا مستقبليا . ولن يكون حل الأزمة المالية على حساب التعليم أبدا. 

حمى الله مصر وشعبها العظيم .
------------------------
بقلم: جمال أسعد

مقالات اخرى للكاتب

أسلمة دكتور مجدى يعقوب