30 - 06 - 2024

هل ينهي الشتاء الحرب في أوكرانيا؟

هل ينهي الشتاء الحرب في أوكرانيا؟

فجأة وبدون مقدمات وفي عكس اتجاه كل التصرفات والأقوال الأطلسية تتابعت التصريحات من واشنطون مؤشرة على التوجه نحو حل سلمي للحرب في أوكرانيا.

البداية كانت في تسريبات صحفية عن مباحثات سرية أمريكية - روسية نفتها موسكو في حينه ، ثم تم الإعلان عن حدوثها بشكل متزامن من الطرفين وأن هدف تلك المباحثات كان منع تطور النزاع إلى حرب ذرية كونية.

وأعقب ذلك تصريحات من الخارجية الأمريكية عن استحالة إنهاء الحالة الأوكرانية بالحسم العسكري ، ومن ثم دعت واشنطون لعقد مباحثات بين روسيا وأوكرانيا لحل الأزمة.

بدورها وخلافا لمواقفها السابقة أعلنت موسكو عن أنه لا توجد شروط مسبقة للمفاوضات مع كييف ودعت أوكرانيا لاتخاذ خطوات عملية في اتجاه التفاوض.

هذا التحول الدراماتيكي المفاجئ في المواقف المعلنة لا تسايره خطوة واحدة على أرض الواقع من كل أطراف الصراع حول أوكرانيا.

قد يرى البعض أنها مسألة وقت لتظهر خطوات عملية على أرض الواقع ، ولعل أقرب مناسبة هي السماح بتصدير الحبوب الروسية في غضون الأيام العشرة الباقية من أمد اتفاقية الأمم المتحدة مع روسيا وأوكرانيا بهذا الصدد.

ولكن لابد من الاعتراف بأن ثمة شك عميق في أن واشنطون تعني فعليا ما قالته ، وذلك على ضوء الأوضاع الحرجة التي يمر بها الحزب الديمقراطي وبايدن في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس ، حيث جرى توظيف الدعم العسكري والمالي الكبير لاوكرانيا من قبل الجمهوريين لحث الأمريكيين على عدم التصويت للديمقراطيين مع الوعد بتحجيم هذا الدعم لحماية مصالح أمريكا وتخفيف حدة التضخم في البلاد.

ومهما يكن من أمر التصريحات السياسية التي تعطي مؤشرات على التوجه نحو التفاوض في المرحلة القادمة ، فإن تحولها إلى خطوات فعلية يبقى رهنا بتطور الأوضاع في الميدانين العسكري والاقتصادي.

فمن ناحية الأوضاع العسكرية بدأ واضحا أن كل الإنفاق العسكري الكبير وإمدادات السلاح المتدفقة على أوكرانيا لم تغير من موازين القوى مع روسيا ولن تغير تلك الموازين ، لا في المدى القريب ولا المدى المتوسط.

وزيادة على ذلك فإن القوة البشرية والعسكرية الأوكرانية لن تستطيع تحمل نزيف خسائرها أمام التعبئة الجزئية للاحتياط التي قامت بها روسيا ، وبمقتضاها تمت تعبئة ٣٠٠ ألف جندي دخل منهم ٥٠ ألفا فقط في العمليات العسكرية ، ومع ذلك أحدثت تلك الإضافة فارقا واضحا في كفاءة التصدي للهجمات الاوكرانية على كافة محاور القتال في الدونباس وعلى وجه اليقين سيزداد الموقف الأوكراني حرجا مع توقع انضمام أكبر من الاحتياط الروسي في أسابيع الشتاء القادمة.

وبوسع المراقب لتطور عمليات القتال أن يصل إلى قناعة بأن أوكرانيا ، وبتخطيط بريطاني عسكري ، حاولت شن عمليات وراء الخطوط العسكرية مثل اغتيال الصحفية الروسية وتفجير جسر القرم وعمليات استخباراتية في روسيا والدونباس ، ولكن نتائجها جميعا كانت محدودة بل وذهبت برد الفعل الروسي بعيدا إلى حد التدمير المنهجي لبنية الطاقة والطرق في أوكرانيا.

قد تكون نقطة الحسم في تعيين خطوة كييف والناتو القادمة في معركة مرتقبة أمام خيرسون.

ويمكن التنبؤ بأن البريطانيين الذين يتولون فعليا تخطيط العمليات العسكرية الاوكرانية يعولون كثيرا على إحداث اختراق كبير في الوضع الاستراتيجي في الدونباس بشن هجوم مركز في نقطة واحدة هي خيرسون ، وهي المدينة التي صرح بايدن قبل عشرة أيام بأنه يعتقد بأن أوكرانيا بوسعها الاستيلاء عليها مجددا.

يستدعي التعويل على معركة خيرسون للبدء في التفاوض مع روسيا على أوضاع جديدة للذاكرة معركة الدفرسوار أو الثغرة والتي أدت للدخول في مفاوضات الكيلو ١٠١ بين مصر والكيان ، فلولا تلك الثغرة لما كان بالإمكان الوصول إلى مفاوضات بشروط مناسبة لتل أبيب.

المعضلة الكبرى ستكون في توقيت معركة خيرسون والمحكوم لحد ما بانخفاض درجات الحرارة في أوروبا على وقع احتجاجات متصاعدة ضد التضخم وارتفاع أسعار الطاقة وكذلك بداية خلافات أوروبية مع الولايات المتحدة الأمريكية حول خطة واشنطون للحد من التضخم والتي تراها أوروبا مؤثرا سلبيا على التنافس التجاري وطعنا في مبادئ منظمة التجارة العالمية.

الانتظار الطويل قبل معركة خيرسون له أثر سلبي على الأوضاع الداخلية في أوروبا وعلى العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وبين الولايات المتحدة الأمريكية

وتبقى أهم مخاطر تأجيل معركة خيرسون ممثلة في تدفق أعداد متزايدة من الاحتياطي الروسي بأسلحته من الدبابات والمدفعية ومعها أجيال جديدة من الصواريخ يعتزم الروس استخدامها لتقصير أمد المعركة وإيقاع خسائر كبرى وحاسمة في أوكرانيا.

دائما يلعب الشتاء الأوروبي دورا حاسما في حروب القارة العجوز ورغم تقدم التقنيات فإنها بعد لم تغلب حقائق الجغرافيا والمناخ فيها.
----------------------------
بقلم: د. أحمد الصاوي

مقالات اخرى للكاتب

هل ينهي الشتاء الحرب في أوكرانيا؟





اعلان