18 - 07 - 2024

فرقة "المصريين" لهاني شنودة.. كيف طورت أغاني السبعينيات من الأغنية المصرية؟

فرقة

مرت الأغنية المصرية بالعديد من مراحل التطور إلى أن وصلت لشكلها الحالي، بداية من محمد عبد الرحيم المسلوب في أواخر القرن الـ١٨ وهو من شكل اللبنة الأولى للموسيقى المصرية الأصيلة بطبعها الشرقي، ثم سيد درويش في بداية القرن الـ١٩ والذي دمج بشكل غير مسبوق بين اللحن والكلمات، ثم محمد عبد الوهاب في منتصف القرن الماضي والذي أدخل لأول مرة إلى الألحان المصرية بعض الآلات الغربية، ثم جاءت مرحلة الفرق الموسيقية المصرية التي ظهرت في أواخر الثمانينات، والتي غيّرت من شكل الأغنية المصرية شكلاً وموضوعًا. 

كانت الفرق الأجنبية منتشرة في ربوع مصر، تغني أغاني إيطالية ويونانية وانجليزية وغيرها، ومع جلاء الاحتلال الإنجليزي ورحيل غالبية تلك الفرق بمرور الوقت، حلت محلها فرق مصرية شبابية تعيد غناء الأغاني الأجنبية بنفس اللحن واللغة الغربية، من أبرز تلك الفرق فرقة "لي بتي شاه" وكانت تضم عمر خيرت وهاني شنودة وعمر خورشيد. 

لكن ذلك لم يمثل تطورًا للأغنية المصرية، التطور الحقيقي جاء على يد هاني شنودة، الذي شكل لأول مرة فرقة مصرية شبابية خالصة تغني أغاني مصرية متنوعة أسماها فرقة "المصريين".. مثلت الفرقة حالة موسيقية مختلفة تمامًا عن الرائج وقتها، بداية من الألحان والتوزيعات الموسيقية ذات الرتم السريع التي تحمل الطابع الغربي والروح المصرية، مرورًا بطريقة الأداء الغنائي، وصولاً إلى المضامين والأفكار التي تناقشها، فكانت أكثر ارتباطًا بوقائع وأحداث المجتمع، وما يميزها في الأساس أنها ابتعدت كثيرًا عن شكل الأغنية العاطفية التقليدية، وتعتبر أغنية "ما تحسبوش يا بنات إن الجواز راحة" و"ماشية السنيورة" أحد أشهر أغاني الفرقة وأحد أشهر وأنجح أغاني تلك الحقبة على الإطلاق. 

يمكن اعتبار فرقة "المصريين" نموذجًا يمكن الانطلاق منه للتأريخ بين تطور وانتقال الأغنية المصرية من القديم للحديث، من الأغاني ذات المقدمات الطويلة والرتم الهادئ إلى السرعة والآلات الالكترونية الحديثة، وكذلك وهو الأهم، كانت نقلة في مضمون كلمات الأغاني، من أغاني عن الحب والعشق إلى أغاني تحمل طابع اجتماعي ومفردات جديدة كليًا، وكان العمود الفقري للفرقة هم الموزعين والملحنين والمؤلفين، ليس المطرب هو النجم الأوحد والأول، حيث كان يتم استبدال المغني أحيانًا كثيرة دون أن يشعر الجمهور بخلل، أي أن الثابت والأهم كان الفرقة الموسيقية وليس المغني. 

كان هنالك بالفعل بعض الأغاني التي تناولت موضوعات اجتماعية، تتشابه مع ما قدمه فرقة "المصريين"، لكنها كانت أغاني فردية مرتبطة بعمل تلفزيوني أو إذاعي، لكن فرقة "المصريين" هي أول مَن تبنى هذا النوع من الأغاني كمدرسة جديدة في عالم الغناء، وبشكل احترافي وممتد من خلال ألبومات وحفلات. وهو ما ألهم العديد من الفنانين بعدهم حتى تم توثيق تشكيل أكثر من ١٢٨ فرقة غنائية مصرية بعد النجاح الباهر الذي حققته فرقة "المصريين".

تأسيس فرقة "المصريين" 

يحكي هاني شنودة أن أول مَن طرح الفكرة كان نجيب محفوظ، عندما حضر أحد حفلات فرقة "لي بتي شاه" لعمل حديث صحفي، وقال لهاني شنودة لماذا لا تقدمون مثل هذا النوع ولكن بالعربية؟ لكن شنودة ومن معه قالوا أن الأغاني العربية لا تعجبهم لأنها بمقدمات طويلة كما أن الأغنية ليس بها بناء هارموني وفيها إعادات كثيرة، بينما الأغنية الغربية قصيرة ومباشرة، فرد عليه نجيب محفوظ قائلا: "لا تستبدل شهوة العمل بشهوة الكلام اعمل الأغنية اللى أنت شايفها مضبوطة" يقول شنودة أن هذه الكلمات ظلت "بذرة في دماغي".

ويحكي أيضًا: طلب مني عبد الحليم حافظ أن أكون له فرقة حديثة يضمها إلى الفرقة التي تعزف أغنياته، وأحضر لي أحدث «أورج» في العالم كي أعزف عليه، تحمست للمشروع خاصة وأن حليم كان مستعدًا لتقديم أغنيات جديدة بروح العصر مدتها أقصر وتعتمد على التوزيع الموسيقي الحديث، ولكن القدر لم يمهله ورحل عام ١٩٧٧، تذكرت نصيحة نجيب محفوظ وقتها فاتخذت اول خطوة في تأسيس فرقة المصريين.

أسس هاني شنودة فرقة "المصريين" في ٨ ديسمبر ١٩٧٧، وضمت كلًا من "هاني شنودة" كعازف للكيبورد و”تحسين يلمظ” عازف للباص جيتار، ”هاني الأزهري” عازف الدرامز، و”ممدوح قاسم” صاحب الحنجرة المميزة كمطرب ومعه “إيمان يونس” كمطربة ومن بعدها منى عبدالعزيز والمطرب “عمر فتحي”.. وكتب للفرقة شعراء كبار شكلوا هويتها المميزة، مثل صلاح جاهين، وعمر بطيشة، وعبد الرحيم منصور.

بدأت فرقة “المصريين” نشاطها من خلال توزيع وتلحين أول ألبوم غنائي للمطرب الصاعد آنذاك محمد منير، ألبوم "علموني عنيكي"، لكن الألبوم لم ينجح في أول الأمر بسبب قيام الشركة بنقله من أسطوانات إلى شريط «الكاست» والذي كان غير منتشر آنذاك، وفقًا لشنودة، وهو ما دفعه لإنشاء تجربته الغنائية الخاصة من خلال فريقه. 

قدمت الفرقة ألبومها الأول "بحبك لا" في ١٩٧٧ والذي لاقى نجاحاً كبيرًا في ذلك الوقت لأن الأغاني كانت جديدة على الجمهور ولم يقدمها أحد من قبل، ونقل الفرقة لمساحة ضوئية أمام الجمهور المصري والعربي، ثم قاموا بتلحين وتوزيع ألبوم منير الثاني «بنتولد» والذي نجح نجاحاً كبيراً وحقق مبيعات 40 الف نسخة، ووضع منير على الساحة الغنائية فأعادت الشركة إنتاج وتوزيع ألبوم منير الأول «علموني عنيكي» والذي نجح نجاحاً باهراً.

قدمت الفرقة ٦ ألبومات باسم فرقة "المصريين"، وهم: بحبك لا" صدر عام ١٩٧٧، وألبوم "حرية " صدر عام ١٩٧٩، وألبوم "بنات كتير" ١٩٨٠، و"ابدأ من جديد" صدر عام ١٩٨١، و"ماشية السنيورة" عام ١٩٨٥، و "حظ العدالة" عام ١٩٨٨.. كان أكثرها نجاحاً ألبوم «بنات كتير»، وألبوم «ماشية السنيورة».

استمرت الفرقة بعد ذلك محققة نَجاحًا كبيرًا، وحصدت شهرة كبيرة محلية وعالمية، وقدمت مجموعة من الأغاني الناجحة منها “ماشية السنيورة”، و”ابدأ من جديد”، و”الشوارع حواديت”، وقدمت العديد من الحفلات في مصر والوطن العربي، كما سافرت لأوروبا وأمريكا، وشاركت في عدد كبير من مهرجانات الموسيقى والغناء داخل وخارج مصر، وكان للفرقة طابع خاص، فكانت ترتدي جلبابًا أبيض في الكثير من الحفلات واللقاءات، لتضفي لنفسها حالة خاصة بين باقي الفرق.

استمر نجاح الفرقة ١٠ سنوات فقط ثم تفككت مع وفاة صلاح جاهين وتحسين يلمظ، وسفر ايمان يونس للزواج ولنفس السبب منى عبدالعزيز، وفي عام 2017 حاول شنودة إحياء فرقة المصريين من جديد، وضم مغنيين شباب جدد للفرقة، فسجل جميع أغاني الفرقة بالتعاون مع شركة "مازيكا جروب"، وقدم عددًا من الحفلات باسم “فرقة المصريين” على مسرح وزارة الشباب والرياضة، وساقية الصاوي، وسجل عددًا من الحلقات التليفزيونية بالاسم ذاته. 

مؤخرًا استعان الممثل الأمريكي من أصل مصري رامي يوسف بعدد من أغاني وموسيقى فرقة المصريين في المسلسل الأجنبي "رامي" انتاج ٢٠١٩ والذي حاز فيه البطل على جائزة أفضل ممثل كوميدي وتم تشغيل لأول مرة موسيقى مصرية في حفل الجائزة، واستخدم المسلسل "لونجا ٧٩" أو كما سميت لاحقًا "الكاميرا في الملعب" كتتر لبداية ونهاية المسلسل بعد أكثر من ٤٠ عامًا على صدورها. 

وقد أبدع الموسيقار الكبير في تأليف الموسيقي التصويرية لعشرات الأفلام السينمائية الناجحة من بينهم 22 فيلم من أشهر أفلام النجم الكبير عادل إمام، مثل الحريف - الغول – المشبوه - المولد – شمس الزناتي – عصابة حمادة وتوتو وغيرهم، بالإضافة الي عشرات المسلسلات والبرامج الشهيرة التي حملت بصمته. 

ومازال شنودة حتى اليوم منتجًا لعدد من الألحان، كما يعمل على اكتشاف العديد من المواهب من خلال مبادرة "قافلة السعادة" وهي مبادرة تستهدف تنظيم عدد من الفعاليات الفنية لكبار السن والأيتام في دور الرعاية، واتاحة الفنون لقطاع عريض من الجمهور، والكشف عن المواهب والطاقات الفنية لدي الأطفال من الأيتام ودمجهم في المجتمع من خلال تذوق الثقافة والفنون.