18 - 06 - 2024

شهادة (عن صلاح فضل)

شهادة (عن صلاح فضل)

لم تمر شهور قليلة على لقائي بالدكتور صلاح فضل رئيس مجمع اللغة العربية تلبية لدعوته لي مع الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي والكاتب إبراهيم عبد المجيد والكاتبة ريم بسيوني في مجمع اللغة العربية بالزمالك ، في سابقة هي الأولى من نوعها ، إذ لأول مرة يدخل الأدباء إلى مجمع اللغة العربية ليتحدثوا عن علاقتهم باللغة وماذا قدموا لها من خلال أعمالهم الأدبية، لاحظت تراجع صحته لكنه طمأني كعادته في تمرير أي صعب. 

هكذا كان دوما حريصا على التغيير ومع التطور الذي يحتاج إلى رمي حجر في الماء الراكد ولهذا رأيناه وهو الأزهري والدرعمي يتبنى أفكارا ريادية حديثة بان أثرها في لجنة الـ50 التي وضعت دستور مصر بعد ثورة يناير  2011 ، لم ينس أبدا أصوله لكنه استفاد بشدة من رحلته الدراسية العلمية والعملية إلي إسبانية والمكسيك واليمن والبحرين وساهم في إسبانيا بإحياء ونشر تراث ابن رشد الفلسفي ، وأنشأ خلال وجوده في المكسيك قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة المكسيك المستقلة عام 1975 .

كنت قد تعرفت عليه من خلال كتابه عن الواقعية الاشتراكية الذي ترجمه عن الإسبانية ، قبل أن ألتقيه في ندوة إذاعية من خلال برنامج مع النقاد الذي كان يقدمه د. عادل النادي ليناقش مجموعتي القصصية الثانية أجنحة الحصان ، ومنذ هذه اللحظة نمت الصداقة بيننا والمتابعة الدؤوب منه لي. توقعت دائما أن أجد له مقالا عن عملي الجديد في كل مرة نشرت فيها رواية أو مجموعة قصصية جديدة ، حقيقة الأمر أنه لم يكن الناقد الوحيد الذي تابعني بهذا الاهتمام وإنما سبقه الدكتور عبد المنعم تليمه الذي نصحني حين قرأ عملي القصصي الأول بعد نشر روايتي السباحة في قمقم أن أنشره على الفور ثم تابعني بتشريفه لي في ندوات عن كتبي هذه ، والناقد الثاني هو الدكتور محمد عبد المطلب الذي رعى كتابتي منذ نشرت روايتي الأولى ، والكاتب الكبير أدوار الخراط ، هكذا انصفتني الحياة بأربعة من كبار النقاد دفعة واحدة. 

لم يبخل د. صلاح فضل أبدا بجهده في دفعي إلى مسارات جديدة وترشيحي للسفر في أكثر من مؤتمر، كما أني سعدت بالسفر معه أيضا ضمن الوفود المصرية كما حدث في مؤتمر الرواية المصرية المغربية في مدينة كازابلانكا وكانت نعم الصحبة. 

حين أنظر الآن بعد رحيله إلى منتجه الثقافي أجدني عاجزة عن إدراك وتقدير كل هذا الكم المبدع ليس في إنتاج الكتب وحدها ، بل المساهمة في الأنشطة الثقافية والانخراط في متابعة الإنتاج العربي المعاصر في الأدب وبناء البنية الأساسية للثقافة ، ومنها اشتراكه في إنشاء مجلة فصول وانتدابه مستشارا ثقافيا لمصر ومديرا للمعهد المصري للدراسات الإسلامية بمدريد ، وقد رأس في تلك الفترة تحرير مجلة المعهد المصري للدراسات الإسلامية وشغل منصب عضو المجلس الأعلى للثقافة والإعلام بالمجالس القومية المتخصصة وعمل مستشارا لمكتبة الإسكندرية.

حصل د. صلاح فضل على جائزة الدولة التقديرية وجائزة سلطان العويس وجائزة البابطين، من بين أعماله: منهج الواقعية في الإبداع الأدبي نظرية البنائية في النقد الأدبي ، تأثير الثقافة الإسلامية في الكوميديا الإلهية لدانتي، أساليب الشعرية المعاصرة ، أشكال التخيل من فتات الحياة والأدب، أساليب السرد في الرواية العربية، ملحمة المغازي الموريسكية. ومن بين ترجماته الحياة حلم للكاتب بدرو كالديرون  دي لا باركا، ونجمة أشبيلية للكاتب لوبي دي فيجا، القصة المزدوجة للدكتور بالمي للكاتب أنطونيو بويرو، أسطورة دون كيشوت للكاتب أنطونيو بويرو

تعرض صلاح فضل في السنوات الأخيرة لنكبات حياتية قاسية بفقده لزوجته أولا، ثم فقده لابنه الوحيد ثم ابنته وإصابته بمرض عضال ، لكنه كان مقاوما للحظة الأخيرة وترك لنا في حياتنا بصمة إنسانية واضحة وتراثا من الترجمة والكتب النقدية يبقى إضافة حقيقية للمكتبة العربية.
-------------------------------
بقلم: هالة البدري

مقالات اخرى للكاتب

في محبة الكاتبة الكبيرة لطيفة الزيات





اعلان