22 - 06 - 2024

صراع الأفاعي في الحسابات الجيوسياسية بأفريقيا

صراع الأفاعي في الحسابات الجيوسياسية بأفريقيا

إن الأوضاع الراهنة للأزمات التي تعاني منها غالبية دول القارة سمحت للقوى الخارجية في محاولة سعيها ونفوذها ، لتصبح القارة السمراء مسرحا للتنافس الجيوسياسي لقوى مختلفة تحاول كل منها بناء تحالفات اقتصادية وأمنية!! ومع جولات مكوكية لكل من وزيري الخارجية الأمريكي والروسي؛ والرئيس الفرنسي للإعادة التوازنات الدولية في عالم جديد متعدد الأقطاب؟

خلال اللحظة الفارقة في تاريخ الشعوب الأفريقية ، هل تستطيع دول القارة استغلال المتغيرات والأزمات العالمية لتكون فرصة للوصول إلى أهدافها وتحقيق التنمية ، من نظام دولي جديد حيث تعتبر أفريقيا قوة "خامسة" للاقتصادات الواعدة في العالم

فقد شهدت منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا خلال الشهور الأخيرة اهتماما واسعا من جانب القوى الكبرى من عقد مؤتمرات وزيارات متلاحقة ، فكانت القمة الصينية/ العربية الخليجية في الرياض الأسبوع الماضي، أعقبها هذا الأسبوع مؤتمر الدول الأفريقية مع الأمريكان في واشنطن؛ صراع محموم يقوم بها ساسة ووزاء خارجية من الغرب وأمريكا والروس والصينيين للقارة، للتقارب وخاصة التقارب الأمريكي أثناء إدارة '"بايدن" بشقيه الأمني والاقتصادي، فمن الناحية الأمنية بدأ نشر قوات أمريكية في شهر مايو من هذا العام في الصومال، وتقديم مساعدات مالية للمناطق التي تعرضت للجفاف شرق أفريقيا، وكذلك قامت فرنسا بمساعدة دول غرب إفريقيا بسبب تداعيات الأزمة الحالية للأمن الغذائي والجفاف. 

بدأت أمريكا في شهر "يوليو" هذا العام بمساعدات طارئة تقدر بحوالي "مليار دولار" وهو نصف التزاماتها التي تقدر بملياري دولار لمواجهة أزمة الجفاف في البلدان الأفريقية!؟ وكانت المساعدات التي قدمتها أمريكا، لكينيا والكونغو وموزمبيق ونيجريا والصومال وجمهورية افريقيا الوسطي واوغندا وجنوب السودان؛ التي تاثرت بالجفاف... وظلت منطقة القرن الأفريقي محور اهتمام العديد من القوى الإقليمية والدولية، لاعتبارات جيوبولوتي?يه واستراتيجية، راجعة إلى ?ونها معبرا وشريانا رئيسيا للتجارة الدولية؛ نتيجة امتداد معابرها المائية من باب المندب وصولاً للبحر الأحمر، ?ما تعتبر ممراً للتحركات الأمنية لبعض القوى ال?برى المتجهة لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، ?ما حظيت المنطقة باهتمام مجموعة من القوى الدولية ?الولايات المتحدة وروسيا والصين لما تمثله من عمق استراتيجي ومنبع ثرواتي ضخم يجعلها أحد أبرز المناطق أهمية على مستوى العالم.

ومع تطور الوضع العالمي من الأزمة الحالية من حرب دائرة شرق أوروبا قام كلا من؛- الأمريكان والروس والغرب بزيارات وجولات شملت زيارة وزير الخارجية الأمريكي في الأسبوع الأول من أغسطس الماضي لبلدان إفريقية؛ وجاءت هذه الزيارة عقب زيارة عدد من المسئولين الروس والغربيين للقارة وتزامنت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف "لبلدان أفريقية وهناك صراع روسي لجذب الكتلة التصويتية الأفريقية لصالح روسيا في المنظمات والمحافل الدولية.

هذا الاهتمام والجولات تطرح أسئله شائكة ، هل هناك بالفعل نظام عالمي جديد يولد الآن 《من مع من ومن ضد من؟》ورغم الاتجاهات الإيجابية لإدارة "بإيدن" إزاء التعاون بين الولايات المتحدة وأفريقيا والتي تختلف بشكل واضح في الصيغة والأداء عن نهج الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة" ترامب "، في رفع (شعار أمريكا أولا) ، إلا أن استعادة العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا في عالم متعدد الأقطاب يواجه العديد من التحديات من أهمها الحاجة إلى استعادة الثقة بين الجانبين وتلبية احتياجات الدول الأفريقية حيث ظهرت الصين كمنافس قوي علي أرض الواقع في تمويل برامج البنية التحتية في بناء جسور ومد طرق سكك حديدية ومطارات وموانيء.

حيث دخلت الصين في المنافسة في تقديم مزايا ملموسة أكبر من أي قوة متواجدة في القارة، وارتفعت التجارة بين الصين وأفريقيا بأكثر من 35 % لتصل إلى حوالي 254 مليار دولار عام 2021. هناك صراع وترتيب مصالح لكل القوى في" الغرب وأمريكا واليابان والصين وروسيا "للاستحواذ علي الثروات الاقتصادية للقارة.

إن الآفاق المستقبلية لولادة عالم جديد متعدد الأقطاب بدأ مع صعود للاعبين دوليين 《روسيا والصين 》في مناطق جديدة مع وجودهم في إعادة صياغة صراع جيو استراتيجي في أفريقيا!!

ومع حقبة حكم" ترامب "الشعبوية رفع شعار (أمريكا أولا) وتم سحب قواته من الصومال، كذلك فرنسا سحبت قواتها من" مالي "والساحل مما أدى إلى فراغ أمني ودخول قوة بديلة للمستعمر القديم في أفريقيا.

إن خارطة الصراعات "الجيوبوليتي?ية" في أفريقيا بدأت تتوسع في مناطق إستراتيجية لها أهمية عالمية، فالمتغيرات الراهنة وصعود قوى إقليمية ودولية، تلعب أدوارا في الصراعات فمثلا؛- تركيا تبحث عن قدم لها في ليبيا وكذلك صراع بين فرنسا وإيطاليا. علي الغاز والنفط بعد الحرب في ليبيا ؛ كذلك صراع بين المستعمرين القديمين للقارة (فرنسا وبريطانيا) غرب أفريقيا؛ إن ظهور قواعد عسكرية للقوى الصاعدة في" جيبوتي وأثيوبيا "من قاعدة عسكرية صينية وقوات روسية في صراع مالي من أمراء الحرب في روندا والكونغو '' كذلك هناك صراعات وتوازنات دولية وإقليمية، تمثل أحد العوامل المهمة لضرورة إعادة الصياغة الجيوسياسية في شرق القارة ومنطقة القرن الأفريقي!؟

إن التنافس بين الصين وأمريكا علي المصالح الاقتصادية في القارة أدى إلى الدخول في صراعات وتحالفات داخل الإقليم الجغرافي الواحد وخاضتا في غرب أفريقيا، من المفهوم الذي انطلقت منه أهداف النظريات (الجيوسياسية)؛ حيث ترى أن منطقة جغرافية ما تؤثر في تطلع القوى المتصارعة نحو العالمية، ومن موضع استقطاب، وجذب للعديد من هذه القوى، والتي ليس بالضرورة أن ت?ون متواجدة في هذا الإقليم، بما ينطوي عليه من خصائص ومزايا تطلع نحو السيطرة العالمية عليه، ويصبح موضع استقطاب وجذب للعديد من هذه القوى. 

إن الصراع الأهم علي الاستحواذ من القوي الكبرى يشمل منطقة القرن الافريقي لحسابات جيوسياسية وامنية:-

أولا؛- الموقع الجغرافي والأهمية الاستراتيجية (قوس الأزمة) من حيث وقوع هذه الدول علي المحيط الهندي والبحر الاحمر وعلي المدخل الجنوبي "باب المندب" وهي منطقة حيوية للقادم من الشرق والغرب ومتاخمة للجزيرة العربية ومنطقة مهمة عالميا في عبور التجارة العالمية وخاصة النفط.؛ كذلك للعبور الآمن شرقا وغربا !!

ثانيا:- الأهمية الاقتصادية لشرق افريقيا والقرن الافريقي ، حيث توجد ثروات طبيعية ومعدنية، سواءً "النفط أو اليورانيوم أو الغاز الطبيعي والنحاس والذهب؛ كما تعتبر اكبر منطقة مائية في العالم. ويوجد بها ثروة حيوانية كبيرة... مما جعل روسيا تقدم نفسها لدول المنطقة على أنها شريك أساسي خلال المرحلة الراهنة. ويم?ن القول بأن التوجه الروسي شأنه شأن التوجه الأمري?ي والصيني ، حتى تتم?ن من موا?بة أمری?ا والصین، وفى ظل الانتشار السریع للصین في القارة؛ فضلاً عن حرصها على تقدیم الدعم للاتحاد الأفريقي من أجل إیجاد تمویل مستدام لعملیات السلم والامن للقارة. 

إن المخاوف الروسية من حدوث عزلة دولية ودبلوماسية من الدول الغربية نتيجة لموقفها في سوريا وأو?رانيا وبعض الدول الأخرى دفعها إلى البحث عن حلفاء جدد، ومناطق نفوذ لها بخلاف الشرق الأوسط ?منطقة القرن الأفريقي لمواجهة هذه العزلة وعلى وجه الخصوص مع الدول التي تخضع للعقوبات من الولايات المتحدة والدول الغربية وتقديم الدعم لها. أصبحت العلاقات بين《روسيا وأفريقيا》أ?ثر دينامي?ية يعززها الاهتمام بتزايد مصالح《 الصين والهند والبرازيل》ولا سيما في الدول الأفريقية الموحدة بهدف الوصول الآمن إلى الموارد الطبيعية واحتياطيات الطاقة، وبفضل مواردها الطبيعية، هذا بالإضافة لمشار?ة روسيا في (مجموعة الثمانى) مما يمنحها دعما وثقة أ?بر من منطلق اشترا?ها في مجموعة ذات قوة اقتصادية والمساهمة في تأمین المصالح الروسية في البحر الأحمر، والمشار?ة في حمایة مضیق" باب المندب "فضلاً عن القرب من الأزمات الإقلیمیة في منطقة الشرق الأوسط.

ويتجلى السعي الروسي إلى التغلغل في منطقة القرن الأفريقي من خلال تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول المنطقة فعلى المستوى الأثيوبي مثل قطاع الطاقة مدخلاً هاماً لروسیا لفتح المجال أمام شرا?ة قویة بينها وبین أثیوبیا؛ بحيث أصبحت الأخيرة البوابة الروسية لأفريقيا؛ وعلى المستوى الإريترى مثلت أسمرة مدخلاً هاماً لموس?ولإیجاد موطيء قدم في القرن الأفريقي؛ حیث تطورت العلاقات الثنائیة خلال السنوات الماضیة، على المستوى السياسي والاقتصادي، وامتدت لتشمل بناء قدرات إریتریا العس?رية، فضلاً عن إنشاء أسطول روسي في البحر الأحمر لحمایة مصالحها،. وعلى المستوى الصومالي رأت روسیا فيها موردًا هاماً للعديد من الموارد الطبيعية غير المستغلة؛ مثل النفط والغاز والیورانیوم، بالإضافة إلى حاجة الصومال لشريك استراتيجي يسهم في إعادة البناء في ظل عدم الاستقرار الذي تتمتع به؛ حيث سعت الصومال للاستفادة من الخبرة العس?ریة الروسية في محاربة الإرهاب، وعلى المستوى السوداني، تمتعت روسيا بعلاقات ثنائية على المستوى السياسي والاقتصادي والعس?ري؛ حيث ?انت روسيا داعماً رئيسياً للسودان في ظل توتر العلاقات الأمري?ية السودانية وفى جنوب السودان اعتمد الرئیس" سلفا?یر میاردیت "على روسیا والصین في الوقوف إلى جانبها ضد العقوبات الأمری?یة على بلاده، وحظر الأسلحة من مجلس الأمن. 

هل ينجح الافارقة في خلق توازن في علاقاتهم الدولية واستثمارها لصالحهم!!؟ 
----------------------------
بقلم: محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الشؤون الجيوسياسية

مقالات اخرى للكاتب

صراع الأفاعي في الحسابات الجيوسياسية بأفريقيا





اعلان