17 - 07 - 2024

قناة السويس .. دواعى الشك والتحذير

قناة السويس .. دواعى الشك والتحذير

هل يمكن ان تتجرأ السلطة المصرية على بيع قناة السويس؟ هذا هو السؤال المفزع الأكثر تداولا بين المصريين على امتداد الايام القليلة الماضية، بعد الاعلان عن موافقة البرلمان المصرى على تعديل قانون يخص الهيئة العامة لقناة السويس ويبيح لها القيام ببيع اصولها.

ورغم كل البيانات الرسمية التى حاولت ان تطمئن الرأى العام بأنه لا مساس بالقناة، إلا أنها فشلت فى إقناع غالبية الناس وطمأنتهم، بسبب غياب مصداقية وشفافية السلطات والحكومات المتعاقبة على امتداد عقود طويلة.

1) ولأن المسألة تتعلق هذه المرة بقناة السويس قدس الأقداس الوطنية وأهم شريان من شرايين مصر الأمنية والاستراتيجية والتمويلية ، والتى كان تأميمها هو "أم الانتصارات" فى تاريخنا الحديث، وأيقونة استقلالنا الوطنى، وشرارة لانطلاق ثورات التحرر والاستقلال لكل شعوب العالم الثالث.

2) ولأن القانون ينص صراحة على الحق فى بيع أصول صندوق هيئة قناة السويس ، بعد ايام قليلة من صدور بيان صندوق النقد الدولى فى 16 ديسمبر، حول حيثيات الموافقة على القرض الجديد لمصر والذى ورد فيه بالنص (إتاحة تمويل إضافي لصالح مصر .. من شركائها الدوليين والإقليميين .. من خلال عمليات البيع الجارية للأصول المملوكة للدولة ..)

3) ولأن تأسيس الصناديق الخاصة للمؤسسات والهيئات العامة هى البوابة الخلفية والحيلة المعتادة التى تستخدمها السلطات منذ سنوات لابعاد تصرفاتها وصفقاتها وقراراتها عن أعين ورقابة البرلمان والرأي العام.

4) ولأن الموضوع كله يحيطه غموض تام، من أول نصوص القانون وعباراته المراوغة مرورا بتوقيته وانتهاء بالأسباب الحقيقية وراء إصداره.

5) ولأن لدينا عقدة تاريخية عميقة من القروض والديون منذ القرن التاسع عشر انتهت بسقوط مصر فى براثن الهيمنة الاقتصادية والاستعباد المالى ثم الاحتلال على امتداد ما يقرب من مائة عام.

6) ولأن جروح التفريط المصرى الرسمى فى جزيرتى تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، لم تندمل بعد، ولن تندمل.

7) كما أن للسلطات المصرية على امتداد الخمسين عاما الماضية تراثا طويلا من التنازل والتفريط فى حقوق مصر واراضيها ومواردها الوطنية ومصالحها العليا وأمنها القومى، بدءا بخضوعها للشروط المجحفة التى وردت فى اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية من انحياز إلى أمن (اسرائيل) على حساب الأمن القومى المصرى، ومرورا بالامتيازات السياحية التى حصلت عليها (إسرائيل) منذ 1989 من حق دخول سيناء والتنقل على شواطئ خليج العقبة لمدة اسبوعين بدون تأشيرة. وكذلك تلبية الطلب الاسرائيلى الذى سبق أن رفضه مبارك وطنطاوى باخلاء المنطقة الحدودية الشرقية فى سيناء. وصفقات بيع الغاز المصرى لإسرائيل بأبخس الأثمان أيام مبارك، ثم العودة لاستيراده منها منذ 2018 فى صفقة بلغت ما يزيد عن 15 مليار دولار. وتفكيك الاقتصاد الوطنى وضرب المنتجات المصرية وتصفية الصروح الصناعية الكبرى من شركات القطاع العام، والخضوع لشروط وتعليمات صندوق النقد الدولى بتعويم الجنيه وإضعافه وتخفيض وإلغاء الدعم منذ 1977 إلى اليوم، وغيره الكثير.

8)  ولأن المصريين يعلمون ما تتعرض له الدولة من الدائنين ومؤسسات الاقراض الدولى وعلى رأسهم الصندوق فى قرضه الاخير، من ضغوط على رأسها تعليماتهم ببيع أصول الدولة كما ورد حرفيا فى بيانه الاخير المذكور عاليه، كمخرج مزعوم وخبيث ومغرض من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تمر بها البلاد فى الآونة الاخيرة والارتفاع الهائل غير المسبوق فى الديون وفوائدها والنقص الكبير فى رصيد الدولة من الدولارات، والارتفاع الكبير فى أسعار السلع والخدمات، والغليان المكتوم فى صفوف الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

9) ويعلمون أن هؤلاء الدائنين ليسوا سوى الاستعمار الاقتصادى الجديد ورثة وخلفاء الاستعمار القديم، وهم خبراء ومتخصصون فى الاستيلاء على موارد وثروات وأصول البلدان النامية.

10) كما يعلمون الضعف الشديد منذ السبعينات فى مناعة الدولة المصرية ومؤسساتها أمام الإملاءات الخارجية، خاصة إذا كانت تتعلق بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية أو الإسرائيلية أو الديون الخارجية ورؤوس الأموال الأجنبية.

11)  ويعلمون أن البرلمان المصرى والغالبية العظمى من نوابه موالون وخاضعون لمؤسسات السلطة التنفيذية وعلى استعداد لتمرير أي قانون أو تشريع أو معاهدة أو صفقة أو قرار رئاسى بدون رفض أو معارضة أو تدقيق أو تعقيب أو حساب حتى لو كان فيه تخل عن أراض مصرية أو إضرار بمصالح الدولة وأمنها القومي، مثلما حدث فى تيران وصنافير عام 2016 وحدث من قبل فى اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 وما بينهما وما بعدهما.

12) ويعلمون ان الدولة قد أحكمت قبضتها على الحياة السياسية وعلى كل الأحزاب والشخصيات المعارضة وأنها تهدد على الدوام بقدرتها على الزج بالمئات والآلاف من المعارضين فى السجون لسنوات طويلة فيما لو تجرأوا ورفضوا أي صفقة من صفقاتها، وتجربتهم مع تيران وصنافير خير شاهد على ذلك.

***

لكل هذه الأسباب وغيرها، يعيش المصريون هذه الأيام حالة من القلق والفزع غير المسبوق على مصير قناة السويس، ولأول مرة منذ سنوات يتداعى الجميع لمراقبة الموقف والتحقق من خفاياه، والاستعداد لكل السيناريوهات، والتحذير من السيناريو المحتمل والأسوأ بوجود نوايا او صفقات غير معلنة مع أطراف غير معلومة، للتفريط فى حقوق مصر وسيادتها الوطنية على قناة السويس.

وربنا يستر.
----------------------------
بقلم: محمد سيف الدولة
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

تاريخ أسود للقروض والديون في مصر