(أرشيف المشهد)
29-8-2011 | 23:24
لا تتعجب ، فهم – كعادتهم – ينافقون، و الفارق الوحيد بين ما كان قبل الثورة وما صار بعدها : تغيير القناع .
قبل الثورة ، كانوا يهاجمون الدنيا، بمنطق أن الكل يعادي مصر و يتآمرعليها، باستثناء شخص واحد سهدت عيناه لمنع هؤلاء " الجرذان " من مس فيروز عينيها, أما بعدها, فالأعداء أنفسهم يتربصون و يخططون للنيل من المحروسة، ورجل واحد أيضا هو الذي يقف لهم بالمرصاد، وعلينا – كمصريين بسطاء – أن نهتف له، على طريقة الإسلاميين يوم " مليونية الشريعة " :" سامع سامع يا مشير .. صوت ولادك في التحرير"!.
و لأن هتافهم لا يدوي، كما حضور تلك المليونية، فقد قرروا أن يسجلوه بالكلمات المكتوبة و المنطوقة ، و الأدهى أن بعضهم لا يتورع عن التخفي وراء الشعار الوطني العفوي " الشعب و الجيش ايد واحدة "، لتمرير رسائل النفاق إلى أعلى ، غير مكترثين بتأثير ذلك على مسيرة الثورة و أحلامها الكبرى ، ليس فقط لأنهم يراهنون على السلطة بدل الشعب، وإنما لطبيعتهم المتسلقة التي تتأذى من وجود علاقة سوية و عادلة بين مختلف فئات الشعب .
هؤلاء المنافقون ليسوا مجرد أفرادا يمكن لك أن تضعهم في قائمة سوداء، ليعرف الناس ماضيهم وحاضرهم فيقاطعونهم أو ينبذوهم ، لكنهم ظاهرة تأكل من لحم الثورة الطري، و تسعى – بغير رحمة – للقضاء على كل ما فيها من نبل، و الهدف : خلط الأوراق ، ليصبح كل شريف مشكوك فيه ، حتى تسلم الثورة أقدارها للرجل الكبير، صاحب الظل الذي يتسع، حسب تصورهم المشوش ، للمستشارين والمستوزرين و الخائفين من رعشة فؤاد الشعب !
لا تتعجب ، إذا قالت الحكومة إنها ستطبق قانون الغدر على كل فاسدي العهد السابق، فيقفز بعض هؤلاء من مقاعدهم ، رافعين رايات الرفض ، والحجة المعلنة أن مثل هذا القانون سيدخل البلد في فوضى و سيهدم مؤسسات كاملة ويقودنا لـ " الحرب الجميع ضد الجميع ", أما الحقيقة ، التي تطل من بين السطور و الكلمات، فتقول إنهم خائفون من نار الحساب ، فمنهم من عين في منصبه بالمحسوبية ، ومنهم من ترقى بالمجاملة ، ومنهم كذلك من عام في بحر مال و نفوذ جاء من حرام .
حين تسمعهم ، وهم يتكلمون عن أفاق الديمقراطية التي فتحتها الثورة بإسقاط الديكتاتور ، ثم تقارنها بصراخهم ضد كل محاولة لإعادة توزيع الثروات ، ستجد أن ميزانهم مختل ، فالديمقراطية بغير عدل " ديكتاتورية لصوص" ، والحزب أو التيار الذي يغض الطرف عن تجار السياسة مقابل شراء صمتهم أو حتى ضجيج تأييدهم يتساوى مع الحزب الوطني، وربما يكون امتداداً له و لكن باسم آخر .
لو تابعت البرامج الحوارية في رمضان لرأيتهم عراة الا من ورقة التوت, فلول تطهر فلولاً على الهواء مباشرة، و الكل راغب في إقناع الناس بأن السائل و المجيب كانا، على عكس ما نعرف، في مقدمة الثوار بالتحرير .. كلهم كانوا رافضين للفساد ، لكنهم أجبروا عليه .. كلهم حلموا – مثلك – بالديمقراطية و الكرامة والعدل ، لكنهم لم يجدوا المجال ، فانخرطوا في صفوف الحزب و ظل الحزب، كي يخففوا عنا لهيب القمع .. كلهم شاركوا في جني الثروات الحرام ، ليس لأنهم فاسدون – و العياذ بالله – و إنما لأن الفساد كان الحقيقة الوحيدة في مصر !.
لا تتعجب ؛ فالمحاور واحد منهم و الأسئلة معدة سلفا ، تماما كالإجابات، ولو دققت النظر لعرفت أنها دائرة مغلقة، فالمذيع هنا ضيف هناك، و المقاعد في الحالتين وثيرة و المقابل مبهر للطرفين ، و الحصيلة دائما : تبريد للقضايا الملتهبة وتلميع للوجوه المحروقة مع إرضاء لابد منه لصاحب القناة أو ممولها ، و هو بالمناسبة إما من الفلول أو رجالهم المخلصين.. فلا تتعجب! .
يحدثونك بالنهار عن " العهد الجديد"، فإذا جاء الليل حاصروك بخطابهم القديم عن خطر الفوضى و ضرورات الأمن ، لكنهم لا يبلغونك أبدا عن أي آمن يتحدثون ! ، ومنهم من يتولى مهام " الإرشاد الثوري "، فيقدم لك جملة من الوصايا القادمة من زمن النفاق ، وعليها بعض تخويف من زمن أت فيه يجوع الناس وفيه يهلكون, أما إذا طال بهم الوقت على الشاشة، فسيقولون إن ما تحقق كاف ويزيد، و عليك أن تطوي أجنحة حلمك ، وترضى بما تحقق ؛ حل حزب وخلع رئيس !.
يوصونك أيضا بأن تنظر لحال الاقتصاد الراكد, و أن تفكر بمستقبل أطفالك الصغار، كي تعرف أن المزيد من الثورة يعني المزيد من المعانأة، فإذا قاومت طاردوك بأخبار البلطجة وقطع الطرقات, وترويع الآمنين ، ولا مانع لديهم أن يعيدوا على مسامعك حكايات " الفوضى الخلاقة "، مضافا اليها شيئا من ذكريات الحرب الأهلية في لبنان و المجاعة في الصومال و الاحتلال الأمريكي في العراق، ولولا قدر من الخجل لباحوا بما في نفوسهم تجاه الثورة و قالوا بملء الفم : تبا للفعل و الفاعل و المؤيد .
لن يحدثونك عن شبكات الفساد المنظم الباقية من عهد حسني مبارك ، و لن يمدوا أبصارهم نحو أصحاب المليارات المشبوهة، فكل ما يعنيهم هو أن يكبر الخوف داخلك، فتعود للانكماش، لتصبح أنت وثورتك مجرد فعل ماض، سيتذكرونه- بكل خير – وهم يتقاسمون كعكة السياسة . أما لو قاومتهم و مضيت مطالبا بـ " التطهير " و كشف حساب الفاسدين، فأعلم أنهم سيضمونك لـ " سجل أعداء الوطن "... يومها ؛ لا تتعجب!