16 - 08 - 2024

الثورة .. ومرتزقة الإعلام

الثورة .. ومرتزقة الإعلام

(أرشيف المشهد)

2-9-2011 | 03:26


لحظة تنحي مبارك كنت في ميدان التحرير، احتضنني أحد المخلصين في محراب الصحافة، لا أتذكر الآن ما إذا كان عزازي علي عزازي أم شفيق أحمد علي، وقال وهو يبكي: صبرنا كثيرًا يا صديقي، والآن جاء زماننا .. جاء زمان المخلصين. رددت وكأني أستشرف الغيب: لا تكن متفائلاً هكذا .. فالسلطة .. كل سلطة لا تريد ناقدين مخلصين .. بل تريد أتباعًا، الموجودون الآن في واجهة الإعلام سيغيرون أقنعتهم .. وسيحتلون الواجهة من جديد..

من يتصدرون المشهد الإعلامي الآن باستثناءات نادرة، منها أسامة سلامة - رئيس تحرير روز اليوسف - ومن يتصدرون واجهة الفضائيات أناس غسلوا وجوههم من مساحيق النظام القديم ووضعوا مساحيق جديدة تتلاءم مع زمن الثورة، لذلك تراهم يحنون للماضي، تفضحهم سطورهم وما بينها .. وكلماتهم وما بطن منها، وإن حاولوا إخفاء ذلك عبر اختراع بطولات لهم لم تحدث إلا في الخيال، والمبالغة في تحقير رموز النظام الذي دافعوا عنه مليًا، وكانوا على استعداد لخلع سراويلهم من أجل إرضائه.

يروي الزميل قطب العربي أنه حادث أحد أعضاء المجلس العسكري حينما كان المجلس يعقد لقاءات مع الإعلاميين وقال له: أنتم تستدعون الوجوه نفسها التي أفسدت الإعلام وساندت الديكتاتورية لتستشيروهم في شأن إصلاح الإعلام ليعبر عن الثورة! فرد المسؤول العسكري قائلاً: هؤلاء من نعرف .. اقترح علينا وجوهًا أخرى .. فكتب قطب العربي قائمة من خمسين اسمًا .. ولم يلتق المجلس العسكري أيًا منهم فيما بعد!

ما الذي فعلته الثورة؟ وأين نخبتها السياسية والصحفية؟ تأملوا المشهد جيدًا.. أليست الوجوه نفسها؟ حتى من تم استبداله منها جاؤوا ببدلاء من نفس مدرستهم المؤلهة للحاكم .. أي حاكم، مدرسة الأيدي المرتعشة التي تكتب وعيونها على مغنم هنا أو هناك .. أما المخلصون الذين يرون في الصحافة رسالة، ويعتقدون أن الكلمة أمانة فما يزالون في بيوتهم يمضغون الأحزان ويتحسرون على ثورة لم تكتمل ووطن خطا خطوتين للأمام .. ثم تراجع الخطوتين نفسيهما للوراء.

على الجهات المسؤولة أن تفسر لنا بقاء أولئك الذين يشبهون بق الفراش ممن شاركوا في الفساد والإفساد ، فمن مسؤول في أعلى مناصب الإعلام كان ينتفع من السلطة السابقة ويتقاضى راتبًا شهريًا كمستشار إعلامي لأحد وزراء العهد الماضي، إلى رؤساء تحرير سبّحوا بحمد مبارك ويسبّحون الآن بحمد المشير .. إلى مقدمي برامج بائسين ظلوا يتباكون على النظام حتى لحظاته الأخيرة، ليس ذلك فحسب بل الأدهى والأمرّ أن يتم البطش بمؤيدي الثورة وعقابهم عبر تحجيم أدوارهم أو إلغاء برامجهم.

إذا كنا بإزاء ثورة حقيقية فنحن بحاجة إلى أن يتقدم الصفوف إعلاميون أحرار يضعون مصالح الوطن فوق مصالحهم الشخصية، وإذا كانت الجهات المسؤولة لا تعرفهم يمكنها أن تستشير أمن الدولة الذي ظل باقيًا تحت مسميات أخرى.. يمكنها ببساطة سؤال الجهات الأمنية عمن كانت تتتبع خطاهم داخل الوطن وخارجه حتى تضع أيديها، ولو بالمصادفة، على هفوة يمكن أن تمثل لهؤلاء المغضوب عليهم نقطة ضعف وتسهل دخولهم إلى حظيرة النظام، هذه الجهات لديها أيضًا قوائم بالمنتفعين ولاحسي الأحذية.

إذا كان المجتمع في حاجة لإعلام حقيقي يكافح الفساد .. فكيف يقود هذه المكافحة من كانوا جزءًا من الفساد والإفساد؟! وإذا كان في حاجة للتعامل مع الحاكم على أنه بشر يصيب ويخطئ .. فكيف يقوم بهذا الدور من بنوا صعودهم على تصويره نصف إله؟! وكيف تقاوم الفساد والابتزاز واستغلال النفوذ صحف مستقلة وحزبية نشأت إما بدعم من جهاز أمن الدولة - صاحب الممارسات الوضيعة - وإما برضاه؟!

في إحدى الأمسيات سألت رئيس تحرير تقلّب بين عدة تجارب معارضة، ثم انتهى به المطاف رئيس تحرير لمجلة تصدر عن مؤسسة قومية، وسألته كيف ينام له جفن وهو الذي تبدل وتحول من انتقاد النظام إلى مديحه؟ ففاجأني برد يلخص حال من يتصدرون المشهد الإعلامي ويعبر عن نفسياتهم .. لقد قال بالحرف (وآسف مقدمًا لأنني مضطر أن أورد ألفاظًا مخففة قريبة من ألفاظه): حينما توليت رئاسة تحرير الصحيفة المعارضة الفلانية وجدت نفسي ألعب في خصية فلان، وحينما توليت رئاسة تحرير صحيفة كذا المستقلة وجدتني ألعب في خصية رجل الأعمال مالك الصحيفة، فقلت لنفسي: لماذا لا ألعب في خصية الرجل الكبير؟؟؟ ( يقصد الرئيس السابق حسني مبارك).

ما يجري نوع من إبقاء عجلة الإعلام على حالها القديم، حتى إذا جاء وقت إعداد المسرح لشخصيات من فلول النظام البائد - كي تعتلي الكراسي وتخرج ألسنتها للثوار- مرت الأمور كما يراد لها أن تمر.

أنصاف الثورات أكفان الشعوب، حقًا، صدق الصينيون.

مقالات اخرى للكاتب

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!