29 - 06 - 2024

الجماعات ودستور الظل

الجماعات ودستور الظل

(أرشيف المشهد)

16-8-2011 | 19:37

فى خضم التهديدات واستعراض عضلات ميتة فى وطن بحاجة إلى تقوية اللُحمة بين مكوناته المختلفة سياسيا المسلمة لله دينا ووجها، نرصد حقيقة وملاحظة ونخط محاولة لدعوة.

الحقيقة: أن مصر دولة إسلامية لاريب، غالبية مواطنيها أسلموا وارتضوا الاسلام دينا، واقليتهم اسلموا وجوههم لله الواحد القهار، وجميع المصريين لاتخلو تقافتهم من عوامل الحضارة الإسلامية.

الملاحظة: هى أن جماعات الإسلام السياسى تعمل على تحويل المنافسة السياسية بينها وبين التيارات الوطنية المختلفة إلى صراع دينى بين قوى مؤمنة (إسلامية) وقوى كافرة (علمانية وليبرالية..الخ)، يؤدى إلى تهديد مستقبل الدولة السيادى والديمقراطى.

المحاولة: وهى عن تفادى الهرج والمرج الناتج عن الوثائق الفوقية والدعوة لصياغة دستور الظل.

الدستور تعبير عن رغبات وطموح الشعب فى دولة مستقلة، تسطره النخبة ويصوغه فقهاء القانون فى مواد تحدد شكل الدولة وعلاقة المؤسسات ببعضها وطبيعة النظام الحاكم، ثم يقره الشعب بالاستفتاء الحر المباشر.

لا نريد الدخول فى جدال عن الدستور أولا أم الانتخابات أولا فوضع الأساس الخرسانى للمبنى أهم من الديكور الكرتونى لشبيه المبنى، وكما يقر فقهاء القانون  بأنه إذا كان المشرع (البرلمان) هو المخاطب بالدستور ليشرع على اساسه وفى حدود أحكامه، فكيف سيشرع البرلمان حتى صدور الدستور الجديد؟ وعلى اساس وأى أحكام؟ ام سيقعد دون أداء دوره؟ أم سيصدر البرلمان (المنتخب قبل الدستور) تشريعات تكون محل تعارض مع الدستور الجديد حين صدوره؟ وهذا يعنى ان وضع الدستور يجب أن يكون أولا ويسبق بناء مؤسسات الدولة.. اى ان الدستور يسبق البرلمان فى الوجود إذا اعتبرنا أن ماحدث فى 25 يناير ثورة وليس حركة إصلاحية، وفى الثورات تُعطل الدساتير السابقة ويتم الحكم بموجب إعلان دستورى مؤقت، وفى حالة الانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية (علينا بملاحظة الانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية، ونحن فى مرحلة انتقالية من ثورية إلى دستورية) تكون البداية بصياغة الدستور أولا الذى بمقتضاه يتم بناء مؤسسات الدولة الحديثة، أما فى حالة الحركة الإصلاحية والاعتراف بوجود النظام القديم الذى تغير بعض من أفراده فالحديث عن الانتخابات أولا يتسق مع رؤيتهم الإصلاحية لأنهم لايعترفون بأن ماحدث ثورة، وكل من يريد تأجيل الدستور يقر دون أن يدرى بأن ماحدث (للأسف) ليس ثورة، ويرى فى الثورة مظاهرة ضخمة أحدثت نوعا من تحريك الأمور لأصلاح واه لايبدو إلا فى مخيلة من يسعون إليه من خلال القفز على السلطة بأقل التكاليف.

ودعونا نعبر مرحلة المغالطة والادعاء بالالتفاف على إرادة الشعب وأن الاستفتاء على تسع مواد بنسبة 78% هو استفتاء على 62 مادة، ولا أعرف كيف لأناس يدعون تمسكهم بالإسلام لايرون فيما حدث بأنه غش وتزوير، فكيف تصبح التسع مواد إسلاميا وشرعيا 62 مادة؟ هل بارك الله فى التسع مواد وصاروا اثنين وستين مادة.. معاذ الله وأستغفر الله العظيم من تشبيهات أضطررنا إليها، وكيف لايرون تزويرا فى تغيير واستبدال "رئيس الجمهورية" بـــ "المجلس العسكرى" فى المادة 189 مكرر التى أصبحت المادة 60 فى الإعلان الدستورى الجديد. والحقيقة التى نتجت عن استفتاء 19 مارس 2011 هى شرخ فى جدار الوطن وثورة فى مهب الريح  جراء ادعاء تيار الإسلام السياسى بأنه يمثل الإيمان ومنافسوه يمثلون الكفر.

بدت مزايدات من البعض باسم الإسلام، ومخاوف لدى البعض ليس من الإسلام كدين ولكن من ممارسات مدعى الإسلام السياسى، ونشطت مؤتمرات أعقبها إقرار وثائق تسمى بالمواد الحاكمة او فوق الدستورية او الوثائق الاسترشادية لوضع دستور يضمن حقوق جميع أطياف الشعب المصرى على كثرتهم وقلتهم. هاجم تيار الإسلام السياسى تلك الوثائق واعترض عليها واعتبرها التفافا على إرادة شعب، استعرضوا عضلاتهم وهددوا بالنزول إلى  الميادين والشوارع فى مظاهرات مليونية لإبطال مشروع الوثائق وربما كان الوصف اللائق بها "وثائق استرشادية لوضع الدستور".

وحيث ان الدستور تعبير عن مصالح الشعب، تصوغه النخبة للعرض عليه وإقراره بالاستفتاء الحر المباشر، وحتى لانتوه فى دوامة الإفلات من بين طياتها، فإننى أتقدم باقتراح لجماعات الإسلام السياسى مجتمعة أو منفردة، بأن يصوغوا حاليا دستورا يمثل رؤيتهم فى إدارة الدولة كما صاغ الإخوان مشروعهم الحزبى، ليرى الجميع وجهة نظرهم الدستورية فى شكل الدولة وإدارتها، ويكون هذا الدستور وثيقة هامة توضع مع الدساتير الأخرى المصاغة من قبل التيارات السياسية الأخرى والموجودة حاليا فى الظل، وتبدأ المناقشة حول كل هذه الوثائق الظلية تلك بدلا من المشاحنات والتهديدات، وربما فى هذه الفترة يصل المختلفون إلى صيغة إقرار دستور غير رسمى يسمى "دستور الظل" يستدعى وقت الحاجة لاستفتاء الشعب عليه وفيه توفير للوقت فى الزمن القادم، وهذا أجدى لجميع التيارات السياسية.

دعونا لا نختلف كثيرا وليضع كل فصيل وثيقته الدستورية التى تمثل رؤيته لشكل الدولة وإدارتها ويجرى على هذه الوثائق حوار مجتمعى واسع، يُستخلص منه مايُتفق عليه ويظهر منه ما أخفته  النوايا ثم يعرض فى النهاية على الشعب للاستفتاء.

الخطر لا يكمن فى الحكم الديمقراطى لتيار الإسلام السياسى لكنه يكمن فى عودة الاستبداد وغياب الديمقراطية من خلال امتداد نظام العصابة البائدة.  لامجال للتناحر.. مازالت ثورتنا فى خطر، فلنفق من غفوتنا قبل ان يصيبنا الندم. والمعركة الحقيقية بين من يريدون خصخصخة الإسلام لمصالح مؤقتة يسهل ضربها ومن يريدونه نورا ونبراسا مشاعا عاما للجميع وأنا واحد من هؤلاء وأحلم بأن تكون الدولة حديثة قوامها الدين بغير مزايدة والأخلاق بغير تصنع والوطنية بغير ادعاء.

مقالات اخرى للكاتب

العوار الوطنى.. إشكالية المثقف والسلطة





اعلان