(أرشيف المشهد)
15-9-2011 | 16:46
ليس فيهم جمال عبدالناصر بعنفوانه الثوري الجامح ، و لا خالد محيي الدين بإيمانه الديمقراطي الراسخ ، ولا يوسف صديق بنبل فكره وطرحه ومواقفه ، ومع ذلك يصر البعض على تشبيه من وضعوا الرؤوس على الأكف و انطلقوا – في ليلة بالعمر كله – ليطيحوا مٍلكا و مُلكا ، بمن جلسوا في دفء المكيف حتى تبين الخيط الأبيض من الأسود ، فقالوا : اشهدوا إنا معكم !.
هو تشبيه بغير سند ، ولي متعمد لعنق التاريخ ، لكن – للأسف - هناك من يروج له ، ظنا بأن الحاحا بالقول ، من شأنه أن يصنع ظلا لوهم يخترق عقول المصريين ، ثم واقعهم ، لنجد أنفسنا في نهاية المطاف أسرى نظام صنع في الحديقة الخلفية لقصر العروبة ، وليس في فضاء ميدان التحرير .. رمز الثورة وصاحب الحق الأوحد فيها .
يقولون ، بملء الفم : ما أشبه الليلة بالبارحة ، فالمعين واحد .. والزي أيضا !، و ما علينا الا أن نرفع رايات المبايعة ، وأن نخلي الميادين حتى من لافتات الذكريات ، و الأهم أن نجهز الهتافات المدوية لتأييد " الاستقرار بالطوارئ " و " التعذيب بالقانون "، و " المحاكمات في السر " ، و علينا كذلك أن نستعيد زمن الثورة الأم لنقول ، مع من سبقونا في المجال ، إن مجلس القيادة " يصون ولا يبدد ، يحمي و لا يهدد "ومن ثم ، يحق له أن يحدد وحده ، ويقرر ..
يقولون ذلك، رغم علمهم بان ثورة يوليو زرعت الفرح في بيوت المعدمين بعد أقل من شهرين على قيامها ، بينما القائمون على ثورة يناير يراوحون مكانهم ، منذ 8 أشهر ، فلا عدل أقاموا و لا دمعة مسحوا .. فقط نجحوا في شق صفوف الثوار ، و جعلوا مصر تنام على مليونية غضب و تصحو على أخرى للرضا ، وبينهما اتهامات و إشاعات وصوت عال ينافق لجمع أكبر مكسب في موسم جني الحصاد .
تقول كتب التاريخ ، وكذلك من عاشوا تلك الأيام إن ناصر ورفاقه ، وبمجرد أن نجحت ثورتهم ، جالوا في ربوع مصر فرأوا الناس – كما هم - وأرهفوا لهم السمع ، فعرف المواطن البسيط أن الثورة ملك له ، لا لفريق أو تيار أو جماعة .. . و تقول الكتب أيضا إن يوليو ، حين قررت نفذت ، وحيث وصلت أثرت ، فكان طبيعيا أن يصدقها الناس و أن يلتفوا حول قائدها في ساعات النصر وأوقات المحنة .
أما المجلس العسكري ، فليس لديه – حتى الأن - غير فيض بيانات وتصريحات ومراسيم يسعدنا بها حينا و يدهشنا بها أحيانا ، بينما الفقراء والمحرومون يعيشون في هامش الانتظار على أمل صدور ولو قرار واحد فقط يشعرهم بأن ما حدث ثورة حقيقية ، وليس مجرد انقلاب هادئ ، كان أهل الميادين حطبا لنجاحه .. لا أكثر!.