17 - 07 - 2024

لمن السلطة اليوم؟

لمن السلطة اليوم؟

(أرشيف المشهد)

18-9-2011 | 17:11

"التعليق- الخرزانة -الكهرباء - الكرباج.. إلخ" هي مقومات السلطة عند كثيرين من أفراد الشعب المصري؛ حيث يملك السلطة من يملك القوة، والقوة تتمثل بالنسبة لهم في:"البطش، والتنكيل، والإهانة، والتعذيب، وتلفيق التهم، وتضييع العمر والمستقبل، ووقف الحال.. إلخ"؛ وبالتالي فقد يملك السلطة "شرطي، أو بلطجي، أو صاحب عمل، أو أي رئيس لأي شيء" ما دام يمكنه التحكم فيك وفي كرامتك ومصيرك ومستقبلك و"أكل عيشك".

 ولن تجد واحدًا من هذه الفئة من الشعب يفكر في أن يقف ليراجع أو يختبر أيًا من المفهومين (السلطة) أو (القوة)؛ فعملية إنتاج أو مراجعة أو مساءلة المفاهيم ذاتها لها "سلطة معرفية" تعتمد أيضًا على "قوة" هو لا يملكها في الغالب، ويسهل عليه تلقيها من الجامع أو الكنيسة أو المدرسة أو الجامعة ودائمًا وسائل الإعلام.

وهناك فئة أقل - لكنها تزداد بفضل الثورة - تفهم أن السلطة مختصرة في فرد كـ (مبارك) أو (طنطاوي) وقد تزيدهم لمجموعة محددة كـ (حاشية مبارك وحاشية جمال) أو (المجلس العسكري)، وقد يزيدهم ليضمنهم شخصيات أكثر ومؤسسات، ويطلق عليهم ألفاظ من قبيل"الكبار"، أو "اللي في إيديهم كل حاجة"، ويزداد شجاعة أحيانًا ليطلق صفات من قبيل "اللي واكلينها، أو اللي ناهبينها"..إلخ.

ولكنك نادرًا ما ستجد من يتحدث عن السلطة باعتبارها قرينة الشرعية لا القوة، حتى بين كثيرين من المثقفين والمتخصصين ونجوم برامج "التوك شو"، وهذه النتيجة ليست غريبة بعد عقود طويلة من التسلط والاستبداد والدكتاتورية؛ فلا شرعية بلا ديمقراطية، وما دمنا لم يجرب أغلبنا الديمقراطية منذ ولد، فلن يميز بين السلطة والقوة، وهو المقهور سياسيًا واقتصاديًا وتعليميًا وإعلاميًا ودينيًا، ولا يملك من أمره إلا أقل القليل، فكيف سيميز بين السلطة والقوة وهو معرض للقتل أمام بيته كخالد سعيد أو في القسم كسيد بلال أو في الشارع كمئات الشهداء من بداية الثورة وحتى الآن.

لكن الثورة قامت لتميز وتعلمنا التمييز ما بين السلطة والقوة؛ فالسلطة يلزمها "تفويض اجتماعي" لتكون شرعية، والشعب هو مصدر السلطة ومانحها، الشعب هو من يكلف من تؤول إليه السلطة "بواجب" و"مسؤولية" ضبط أفعال الجميع وقراراتهم وفقًا لعقد اجتماعي يحكم عملية الضبط هذه.

وأيًا كان نوع وشكل واسم العقد الاجتماعي فإنه الوحيد المنوط به منح السلطة - وبالتالي منعها - باعتبارها هي الاستخدام الشرعي للقوة، أي أن القوة أداة مقبولة ومشروعة من أدوات السلطة وليست شرط وجود.

ولذلك فبعد الثورة ليس أمامنا في مصر إلا شرعية الديمقراطية، الديمقراطية القائمة على الوعي لا على رأي الأغلبية، فلا ديمقراطية في أغلبية جاهلة حرمت عبر عقود فرص التعلم الحقيقي، والحصول على المعلومات الصحيحة التي تمكنهم من تحديد إذا كان النظام في الدولة يسير في اتجاه مصالحهم كجماعة أم لا، وبالتالي يتم دعمه أو تغييره.

الأغلبية لدينا حتى الآن تحركها مشاعر مدفوعة بخرافات وأساطير دينية ومصالح شخصية رخيصة لا تمت بصلة لمصلحة المجتمع، وقد تصل هذه المصلحة لزجاجة زيت وكيس سكر، وهذا لا يعني بالطبع ما ظل يكرره النظام لسنوات طويلة بأننا شعب لم يستعد بعد للديمقراطية، بل إن النظام الذي لم يسقط بعد، هو الذي لم يزل متمسكًا بكل ممارسات تجهيل الشعب وتزييف وعيه وبلبلة أفكاره ومشاعره؛ ليسهل توجيهه والتحكم فيه عن بعد، ويزداد الأمر سوءًا بالطبع حين يوسع النظام دائرته ليستوعب عناصر انتهازية تتاجر باسم الدين مرة، وباسم الوطن مرة، وباسم الفقر مرات.

ولما كانت الثورة تعني في أحد أهم معانيها القضاء على النظام بالقوة، فهي بالتالي قد سلبته ما كان يتسلط به دون شرعية وهو "القوة"، لكن النظام الغبي الذي لم يسقط بعد ما زال مصرًا على استخدام القوة دون شرعية، معتمدًا على جهل وعاطفية جموع غير مؤثرة إلا متى فهمت وتحركت، وبالتالي فهو بهذا يترك السلطة / الشرعية لجموع الثوار في الشارع وحدهم؛ فهم الذين يحق لهم استخدام القوة / العنف للقضاء على أي فساد طالما لم يسقط النظام بعد ولم يتذاكى بما يكفي ليعدل من أدائه، وعلى ذلك فأيًا كان الاختلاف حول ما تم في السفارة الإسرائيلية فقد خرج من أكثر الأطراف شرعية لاستخدام القوة حتى وإن كانت غير رشيدة أحيانًا.

وبالتالي يصبح الحل الأوحد لوقف العنف وحتى التظاهر أن تنتقل السلطة لحكومة انتقالية حقيقية وشرعية، لا تعتمد على القوة بل تعتمد على التفويض الحقيقي من ممثلي الشعب وهم الثوار، أما المجلس فقد فوضه مبارك لا الشعب ولا الثوار منهم، وهو لم يفعل ما فعله ضباط 52 ليكتسب تأييدًا حقيقيًا من الشعب، وأما شرف فقد ثبت لكل ذي عقل أن خرافة خروجه من الميدان لم يكن لها أي أساس من الصحة، ولم يكلف هو نفسه للحفاظ عليها.

وإذا لم يكن النظام قد تعلم بعد أن الشرطة والجيش لا يقهران الشعوب فهو بالتالي من لا يترك للثوار اختيارًا إلا القوة والعنف؛ لأنهم لن يركعوا وقد ثاروا؛ سيقتحم العنف المؤسسات والأفراد، وستسيل الدماء، وتشتعل المباني والسيارات.. إلخ، هذا ليس تحريضًا بل تحليلاً وتنبيهًا، وسواء قبلته أو رفضته فهو واقع وسيحدث لو لم نتحاشاه ونفعل ما يمنع حدوثه، وآخر ما يجب توهم أنه يمنع حدوثه هو الإصرار على استخدام القوة والقمع والمنع؛ فالشعب أقوى من السلاح، وهو صاحب السلطة، وقد قرر ألا يمنحها إلا لمن يستحق.

مقالات اخرى للكاتب

لمن السلطة اليوم؟