16 - 08 - 2024

المثقف "الوهمي"!

المثقف

(أرشيف المشهد)

18-9-2011 | 17:53

قرأت منذ سنوات مقالا في جريدة "الحياة" للكاتب الكبير جهاد الخازن امتلأ بالسخرية الحادة حول طريقة كتابة مقال "متحذلق"، في مقاله راح الخازن يقدم نصائحه لأي كاتب يريد أن يبدو "حنجوريا" متفقها في أمور الدنيا والدين، وكيف يمكن أن يخطف عقل قارئه بمجموعة من المصطلحات والألفاظ التي ستجعل القارئ يحلف بالله أن من كتب هذه الكلمات شخص فاهم وواعي ودرس التاريخ والجغرافيا والدنيا والدين وخبر أفلاطون وأرسطو ووعي اتجاهات الحداثة وما بعدها!

وحرصا على استفزاز القارئ قدم الخازن مجموعة مصطلحات تصل إلى نحو 19، إن لم تخنّي الذاكرة كانت لا تخرج كلها عن ان تكون حسب توصيف البعض "مجعلصة" تفرض على أي قارئ رفع يده بالتعظيم والسلام لصاحب هذه المصطلحات!

لم أكن أتصور أن قراء الخازن كثيرون إلى هذا الحد، وأن هناك من يحرص على تطبيق نصائحه سوى بعد أن قرأت موضوعا في إحدى الصحف بدا كاتبه وكأنه يريد أن يطبق حرفيا النصائح الواردة في المقال المشار إليه.

في تصديره للموضوع راح كاتب المقال يقدم عبارة شهيرة للفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو تأخذك بحكمتها ومعانيها الدالة والعميقة وحين تغوص في قلب المقال فسوف يخطف بصرك ذلك الاستشهاد بما ذهب إليه جمال حمدان في كتابه "عبقرية مصر".

ولا تكاد أن تنهي المقال حتى تقابل خالد محمد خالد في أحد كتبه المشهورة وذائعة الصيت وكيف تتواصل تلك الرؤية مع ما ذهب إليه كاتب حديث – أسبغ عليه كاتب المقال صفة مفكر – للتعظيم من شخصه هو بالطبع وليس شخصية  الكاتب الذي يتحدث عنه، وقبل أن تنهي المقال فسوف تقابل تعريفا لمعنى مصطلح في أحد القواميس العالمية ولقاء مع رمز سياسي جرى خلال فترة السجن – لم يذكر كاتب المقال هل كان سجنه بسبب جريمة جنائية ام اعتقال سياسي! 

أكاد أشك في أن تصل إلى حكم ونتيجة بأنني أنا الذي لا أفهم .. فمن غير المعقول أن ترد كل هذه الرموز في مقال عبثا.. غير أنني أقدم في هذه السطور على ما لا يفعله كاتب وأقسم لك بالله أن ما ورد بالمقال لم يكن له علاقة بمن تم إيراد أسمائهم من أعلام، ولا أزيد - وإن كنت أشير إلى أن مضمون ما كان يحتويه ما كان أن تصفه افتراضا بمقال لم يكن له علاقة بما ورد في عنوانه أو ما يفترض ان يكون موضوعه من الأصل، إن أبلغ ما يمكن وصفه به أنه "سمك لبن تمر هندي"!

ليس هذا تجنيا على صاحب الكلمات المشار إليها، فقد كانت المرة  الأولى التي أقرأ له فيها الغريب، والأكثر مأساوية أن يجد مثل هذا التناول طريقه إلى القارئ المسكين ليقرأ هذا "الكوكتيل الفاسد" والذي قد يصيب عقله بالمغص.. الأمر الذي قد يفسر بعض التقلصات التي تنتاب حياتنا العامة، ونكاد أن نلمسها ونضع أيدينا عليها دون القدرة على محاسبة المسؤول عن نشر هذه الأمراض! والذين أتمنى ألا أكون واحدا منهم! اللهم آمين.

مقالات اخرى للكاتب

ثورة يناير .. و