17 - 07 - 2024

من فيكتور جارا إلى على فرزات .. الفاشية تكره الغناء

من فيكتور جارا إلى على فرزات .. الفاشية تكره الغناء

(أرشيف المشهد)

1-9-2011 | 04:06

يكره الطغاة المبدعين كرها شديدا، يتمنون لو لم يوجدوا.. لو كان بإمكانهم أن يُسكتوا قيثارهم الصدّاح إلى الأبد..أو كانوا قادرين على أن يمنعوهم من الغناء، مهما كان الثمن !.

تذكرون قولة جوبلز، وزير دعاية النازى الشهير: "كلما سمعت كلمة ثقافة.. تحسست مسدسى"!.  نعم فالفاشيون لا يعرفون وسيلة للتعامل مع العقل والفكر والإبداع ، إلا عبر الرصاصات القاتلة، وكواتم الصوت، وأدوات البلطجة " السنج والمطاوى والسيوف والخناجر"، وزنازينهم مفتوحة دائما للشعراء، والفنانين، والكتاب، وحملة الأقلام والأمانات والرسالات، من يدخلها مفقود، ومن يغادرها مولود، ومن أفلت من جحيمها ..أمامه جحيم أشد هولا : جحيم "الحظيرة"، سجـن الـ" فايف ستارز"، الذى  كان وزير ثقافة النظام المباركى المخلوع، فاروق حسنى، يتباهى بأنه جرّ أغلب المثقفين المصريين إلى (اسطبلاتها!) ، ينعمون من خلالها بفتات موائد السلطان، لكنهم يعيشون بين"أفيائها"محطمى الإرادة والكرامة واالشخصية، معدومى القيمة والمهابة والحرية!.

يكره الفاشيون المبدعين، لأن الفاشيين محدودى الفكر والوعى والثقافة، ولأنهم يستهدفون السيطرة على البشر، عبر إشاعة الجهل والابتذال والضحالة والسطحية، ولأنهم يعرفون أن العلم والمعرفة ، يعنيان رفض الإذعان، ويؤسسان لانتصار الحق والعدل، ولذلك فإن أكثر ما يثير ثائرتهم، ويدفعهم للشر، ويحرضهم على الانتقام، أن يروا إنسانا محبوبا لأنه مبدع، ولأن الله منحه موهبة فريدة تتأبى على إدراكهم، وفى هذه الحالة لن يتورعوا عن ارتكاب أشنع الجرائم لكى يقتلوا هذا الشخص المميز، وحتى يسكتوا صوته المنادى بالحرية.

فى بدايات سبعينيات القرن الماضى، وصل المناضل الاشتراكى التشيلى، سلفادور الليندى، إلى موقع رئاسة الدولة التشيلية، بطريقة ديموقراطية، وعبر انتخابات حرة وشفافة شهد بنزاهتها العالم أجمع .

لكن هذا الموقف لم يعجب الولايات المتحدة بالطبع، فقد انتخب الشعب التشيلى سلفادور الليندى على أساس برنامج اجتماعى يقوم على تأميم الامتيازات الأجنبية، وعلى رأسها الأمريكية، التى طال نهبها لثروة البلاد، وجاء الرد الأمريكى عبرانقلاب قاده جنرالات الجيش التشيلى بقيادة الجنرال بيونيشيه الذى قتل الرئيس المنتخب، بدم بارد، وأطاح بالحكم الشعبى، واعتقل عشرات الآلاف من المناضلين اليساريين والاشتراكيين والشيوعيين التشيليين . جمعهم فى استاد كرة القدم بالعاصمة "سانتياجو" وأعدمهم ، وحفر أرضية الأستاد ودفنهم فيها!، أما أبرز مبدعى تشيلى، فنان الشعب والثورة التشيلية، فيكتور جارا، المغنى والملحن، الذى طالما خفق صوته وهو يتغنى بالشعب التشيلى وبطولته، فقد استحق موتا لائقا، حيث قطع الديكتاتور أصابع كفه التى أبدعت عزفا أسطوريا على جيتاره، ودفن أشلاءه الممزقة، وسط جثث رفاقه المناضلين مع بقايا الجيتار المحطم!.

واحتاج الأمر نحو أربعين عاما حتى تتكرر واقعة فيتور جارا، فى عالمنا العربى، حيث اعتدى منذ أيام قلائل بلطجية النظام السورى الفاشيين، على فنان الكاريكاتير المبدع على فرزات.. كسروا أضلعه ، وأدموا جسده، وحطموا أصابعه التى قدمت لنا أرفع دفاع عن الحرية والإنسان، فى عالمنا العربى الموبوء بالاستبداد والقهر.

ظن فاشيو السلطة السورية، كما ظن قبلهم دكتاتور تشيلى، أنهم قادرين على إسكات صوت الغناء، فقطعوا حنجرة مغنى ثائر، ثم كسروا أصابع رسام، بتصور ساذج أنهم بهذا يسكتون زئير ثورة الشعب، ولم يدركوا أن " غيرهم كان أشطر"، ,ان هذه الأساليب البالية لم ترهب أبدا شعبا ثار على الظلم والاضطهاد، والقهر والاستبداد.

وكما ذهب الديكتاتور بيونشيه، إلى "مزبلة التاريخ"، وبقيت ذكرى سلفادور الليندى العطرة، سيذهب المجرمون الذين اعتدوا على "على فرزات"، إلى زوايا النسيان، ويبقى الفنان المبدع، الذى انحاز إلى الحق والعدل والحرية والخير والنور والجمال.

مقالات اخرى للكاتب

الخوف من الحرية