17 - 07 - 2024

ثورة يناير .. و"بنية الفوضى"

ثورة يناير .. و

(أرشيف المشهد)

27-9-2011 | 18:32


يستدعي مشهد الفوضى والتي تفرض أجنحتها بأريحية على الساحة السياسية المصرية هذه الأيام التأمل العميق في بنية هذه الحالة بشكل يسمح لنا بالغوص في أعماقها دون الوقوف فقط على سطحها. وسيمكننا ذلك دون شك من تجاوز وضع قد ننجرف معه إلى هوة سحيقة يعلم الله وحده إلى أين سنقر معها!

في محاولة الإمعان في هذا المشهد تعود بي الذاكرة إلى يوم 25 يناير ونقاش جرى مع الصديق قطب العربي لم أتصور أنه يمكن استدعاؤه في كتابة مثل هذه السطور. كنا قد عزمنا – قطب وأنا – ليلة 25 على النزول للمشاركة في المظاهرات وكان قطب يفضل أن ينزل إلى التحرير فيما دعوته لنذهب إلى ميدان مصطفى محمود على أمل أن ألحق التوجه إلى عملي بالوفد بعد ذلك.

في الطريق من مدينة أكتوبر إلى قلب القاهرة كان الطريق شبه خاليا فوصلنا قبل الوقت المحدد لإنطلاق المظاهرات. في مدخل شارع جامعة الدول العربية من جهة ميدان سفنكس بدت عربات الأمن المركزي تملأ المنطقة فيما لم يكن المشهد يوحي بأن هناك ما يتجاوز هذا الحشد غير المبرر!

كان السؤال الذي طرح نفسه على كلينا هو: هل نفعلها أو يفعلها المصريون هذه المرة بشكل يتجاوز الهبات البسيطة على مدى السنوات الماضية التي سرعان ما تنتهي دون إحداث تغيير جذري ؟ للحقيقة أعترف أن الصديق قطب كان ذا أفق أكثر اتساعا مني .. فقد كان يرى أن المشهد قد يتغير اليوم بشكل يجعل 25 يناير فاصلا في تاريخ مصر! رغم أن المؤشرات الأولية على أرض الواقع لم تكن مبشرة.  فقد أخذنا نتجول في ميدان مصطفى محمود دون أن تبدو في الأفق بوادر ثورة أو غيرها حتى أنه بعفويته المعهودة راح يسأل جنود الأمن المركزي عن المظاهرات فكان الصمت والتعجب هو ردهم على السؤال!

في نقاشنا الذي لم يكن عقيما بدوت أكثر تشاؤما حيث رحت أسأله: ولنفترض أن الأمور تطورت إلى الثورة.. فهل يتغير المصريون؟ كان طرحي ينطلق من رؤية أن المشكلة ليست في رأس النظام وإنما في المصريين كذلك. رحت أضرب له أمثلة عن تصوري بدا معها وكأني قضيت على مبررات تفاؤله حيث ظهر وكأنه يؤيدني مع قدر من التحفظ. كنت أرى - وما زلت - أن المشكلة في الغرس الذي قام به نظام مبارك على مدار 30 عاما، فعبقرية هذا النظام – اذا صح أن نصف صنيعه بأنه كذلك – أنه ألحق العطب بكل مصر حتى يمكن القول أنه لم ينج من فعلته الشنيعة تلك إلا من رحم الله.

حينما استرجع مواقف الرئيس السابق مبارك فيما بعد الثورة وتحذيره من الفوضى حال تنحيه يتراءي لي أنه كان يؤمن بما يقوله .. وأتصور أنه كان صحيحا إلى حد كبير .. فسواء كان مبارك يدرك أم لا .. فإن الواقع يؤكد أن سياساته وصلت بالمصريين إلى حالة من التردي التي تكفي لانتشار الفوضى كالسرطان في كل أوصال المجتمع، والتي لم ينج هو نفسه منها رغم أنه صانعها!!

المشهد الذي تجري وقائعه في الوقت الراهن يكفي لتأكيد ذلك .. بشكل يجعلنا نؤكد أن بنية الفوضى إنما تجد أصولها في سياسات نظام مبارك، الأمر الذي رصد جانبا منه على نحو علمي رصين الصديق عبد الخالق فاروق في كتاب له بعنوان "اقتصاديات الفساد في مصر كيف جرى إفساد مصر والمصريين". نعلم أنه من الصعب حصر أسباب الفوضى التي تجد مظهرها في "الانفلات التظاهراتي" على خلفية مطالب فئوية، في سبب واحد، غير أن إرث عصر مبارك بما أدى إليه من خلل في طبيعة الشخصية المصرية يبقى عاملا رئيسيا .. ومع الإقرار بتعدد الأسباب وأن هناك فلولا يقفون وراء ما يحدث وأن هناك قوى خارجية تتربص بنا وأن هناك من يتحرك على خلفية أجندات عالمية ومحلية وكوكبية وغير ذلك فإن الأولى أن نتوجه إلى علاج الحاصل فينا أولا .. والمقصود بـ"فينا" هنا كافة الفئات التي قامت بالثورة وتتحرك على نقيض أهدافها، بوعي أو بدون وعي. لحظتها فقط يمكن القول أننا وضعنا أيدينا على الجرح وأننا يمكن أن نأمل بالسير على طريق التعافي من مرضنا الذي يعيق بصيرتنا عن رؤية الضوء في نهاية طريق الثورة!

مقالات اخرى للكاتب

ثورة يناير .. و