17 - 07 - 2024

عبد الناصر وحكم العسكر

عبد الناصر وحكم العسكر

(أرشيف المشهد)

28-9-2011 | 11:16

تمر الذكرى السنوية الواحدة والأربعين على رحيل عبد الناصر، والأولى بعد ثورة 25 يناير، ورغم كل هذه السنوات فإن قيمة وأهمية الرجل تظل باقية بل وتزداد، كما تظل صورته والجدل حول ايجابيات وسلبيات تجربته قابعة ومؤثرة في خلفية النقاش العام في مصر سواء قبل الثورة أو بعدها.

قيمة ومكانة عبد الناصر كانت ترتفع في ظل حكم المخلوع، فكلما كان الفساد ينتشر وتتهاوى أركان الدولة لصالح مشروع التوريث وتحالف رأس المال مع الحكم، كلما تذكر الجميع نهج عبد الناصر وتجربته الشامخة في تحقيق العدل الاجتماعي ومحاربة الفساد والمساواة بين المواطنين، وكلما كان رصيد مصر الخارجي يتراجع ويتآكل رأسمالها الرمزي، كلما تذكر كثير من المصريين زعامة مصر للعرب ولدول عدم الانحياز، ودور ومكانة مصر بين دول العالم الثالث وفي العالم الإسلامي.

ومع ثورة 25 يناير برزت تجربة عبد الناصر وارتفعت مكانته، فالرجل أقام تحالفاً بين الجيش والشعب، من خلال مبادرته في الأشهر الأولي لثورة يوليو بتطهير الأحزاب والدولة من الفساد والفاسدين، وتطبيق الإصلاح الزراعي- سبتمبر 1952- في خطوة جسورة لتحقيق العدل الاجتماعي، والأهم القضاء على نفوذ وسيطرة الإقطاع في الريف، والمفارقة أن كثيراً من منتقدي عبد الناصر استعادوا تجربته وطالبوا بالاسترشاد بها، فطالبوا بالعدالة الاجتماعية وتطبيق قانون الغدر وعزل رموز الحزب الوطني، والمفارقة الثانية أن هناك من رأى في تقارب وربما تفاهم الإخوان والتيار السلفي مع المجلس العسكري تكراراً لما حدث بين عبد الناصر والإخوان في الفترة من 1952 – 1954، وبالتالي توقعوا أن التاريخ سيعيد نفسه وسيقع صدام لا محالة بين الطرفين.

وأنا شخصياً لا اعتقد أن التاريخ سيكرر نفسه، لأن إخوان اليوم ليسوا هم إخوان 1954، كما أن عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة ليسوا هم المجلس العسكري، فعبد الناصر ورفاقه كانوا في الثلاثينيات من العمر ولديهم وعي سياسي ورؤية للتغيير الجذري، أما المجلس العسكري فمعظمهم فوق الستين ويفتقرون للوعي السياسي، ولا يرغبون في التغيير الجذري أو الاستمرار في الحكم، لذلك من الغريب أن يقارن البعض بين إدارة المجلس العسكري للدولة وبين حكم عبد الناصر وتجربته، فهناك خلافات عميقة تاريخية وسياسية وشخصية، ومن غير المنطقي أن يرى البعض أن عبد الناصر قد أسس لحكم العسكر، وللحكم الاستبدادي.

صحيح أن عبد الناصر كان ضابطاً، لكنه لم يكن فاسداً، وامتلك وعياً سياسياً واجتماعياً وانفتح على تجارب فكرية وسياسية كثيرة، وأرسى معالم دولة مدنية حديثة تقوم على الاستقلال الوطني والتنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية وفق معايير وظروف العالم في الخمسينات والستينات، هذه المعايير والظروف باعدت بينه وبين تحقيق الديمقراطية، فلم تعرف معظم دول العالم الثالث وقتها الديمقراطية السياسية وتداول السلطة، وكان لمناخ الحرب الباردة والعدوان الإسرائيلي على مصر عامي 1956، 1067 أبلغ الأثر في تمدد الأجهزة الأمنية والعسف بالحريات العامة، وهو ما أصاب التجربة الناصرية في مقتل، حيث حققت مستوى مُرضي من العدل الاجتماعي، وبدت قوية وناهضة اقتصادياً وعلمياً، وقادرة على التأثير في محيطها العربي والإقليمي والدولي، لكنها لم تحقق الحد الأدنى من الديمقراطية السياسية، فكان انهيارها سريعاً ومدوياً بعد هزيمة 67، وانتهت تماماً بموت عبد الناصر.

وعندما تولى السادات الحكم أنهى ما تبقى من المنجزات الاجتماعية والاقتصادية لعبد الناصر، وأحدث قطيعة سياسية واقتصادية مع التجربة الناصرية، فعقد صلحاً غير متكافئ مع إسرائيل، وقضى على ملكية الدولة لوسائل الإنتاج لصالح الانفتاح الاقتصادي والقطاع الخاص والأجنبي، كما تخلت الدولة عن دورها في تحقيق العدل الاجتماعي، وجاء مبارك ليكمل نهج السادات وربما بدون تغيير أو تعديل كبير، فالمخلوع كان شخصاً بيروقراطياً بامتياز، ولا يمتلك القدرة على المبادرة أو التجديد، فاستكمل بشكل ميكانيكي فيه كثير من الرعونة وقلة الخبرة السياسية تجربة السادات، والاضافة الوحيدة لمبارك كانت مشروع التوريث، وهي منقولة عن تجربة الأسد في سوريا !!

القصد أن مشروع عبد الناصر انتهى بموته وربما بهزيمته عام 67، أما عن استمرار الاستبداد وحكم العسكر فهي قضية حق يراد بها باطل، فعبد الناصر غير مسؤول عنها، الا اذا افترضنا ان الرجل كان يحكم مصر من قبره !! خلال الأربعين سنة الماضية،  لقد حقق عبد الناصرمعدلات مرضية من التنمية والعدل الاجتماعي دون أن يتمكن من تحقيق الديمقراطية، بينما السادات ومبارك لم يحقق كل منهما لا الديمقراطية ولا العدل الاجتماعي، كما أن الجيش في ظل حكم مبارك ظل بعيداً عن السياسة، وانتشرت الديمقراطية السياسية في العالم ووصلت إفريقيا جنوب الصحراء دون أن يهتم بها المخلوع أو يستجيب لمطالب المصريين وحقهم في العدالة الاجتماعية والديمقراطية، أي ان مبارك وبغض النظر عن خلفيته العسكرية أو علاقته بالجيش خلال سنوات حكمه كان أبعد ما يكون عن ما يسمي في أدبيات العلوم السياسية بحكم العسكر، كما كان أبعد ما يكون عن المناخ الاقليمي والدولي الداعم للتحول الديمقراطي، لقد كان مبارك نموذجا للحاكم المستبد الفاسد الذي يعتمد على قاعدة اجتماعية ضيقة من المنتفعين عبارة عن تحالف من رجال الاعمال والبيروقراطيين على قمة جهاز الدولة خاصة الأجهزة الأمنية.

مقالات اخرى للكاتب

عبد الناصر وحكم العسكر