17 - 07 - 2024

دون عشق لا زعامة

دون عشق لا زعامة

(أرشيف المشهد)

29-9-2011 | 13:27


ينبغي لى بداية أن أعترف بأنى أبدًا لم أكن درويشًا من دراويش جمال عبد الناصر ولا واحدًا من مريدى هذا القطب الوطنى القومى الجبار الذى تمتع فى حياته وبعد مماته بقدرة لا حدود لها على جذب الدراويش والمريدين.

وبديهى أنى لست واحدًا من الناصريين، ولا أظن أن أبناء دفعتى من الناصريين أمثال ياسر رزق وعماد حسين أو صديقى الدكتور عزازى على عزازى محافظ الشرقية وغيرهم سيغضبون حين أقرر أن فكرة التسمية ذاتها لا تروق لى على الإطلاق، ربما لأن التسمية تعنى بتلقائية أن أكون متبنيًا لكل مواقف ناصر ومضطرًا للدفاع عن أخطائه، وربما لأن لدى من الاعتداد الإنسانى والزهو الذاتى ما يجعلنى أرفض فكرة الدوران فى فلك إنسان آخر مهما كانت درجة إعجابى بمنطلقاته أو احترامى لمنجزاته.

ولكن السؤال الآن: هل تمنعنى الحقيقتان السابقتان من أن أكون منصفًا فى النظر إلى الرجل أو التجربة؟؟؟ وهل يمكن لى أو لأى عربى آخر أن ينكر زعامة ناصر أو وطنية المرحلة وما تميزت به من إخلاص ونزاهة وسعى إلى حرية الأمة من أقصاها إلى أقصاها؟؟

لا أظن الأسئلة بحاجة إلى إجابة... إذن فما الذى أريد أن أقوله؟؟؟

الذى أريد أن أقوله باختصار إنه إذا كانت ذكرى رحيل عبد الناصر تعود هذا العام وسط توهج الثورة المصرية – وربما أزمتها أيضًا - لتطرح أسئلة جديدة حول الحاجة إلى زعيم، فإن التماس بين تجربة ناصر ومتطلبات الثورة المصرية فى يناير أوضح من أن تحتاج إلى بيان، فأنت حين تتحدث عن تحرير مصر من سيطرة رأس المال أو فساده، أو عن مفهوم العدالة الاجتماعية، أو عن مفهوم تحرير الإرادة الوطنية، والكرامة الوطنية، وحين تتحدث عن التوجه العربى أو التوجه الأفريقى أو المكانة التى تستحق مصر أن تحتلها، بل وحتى حين تتحدث عن مفهوم السيدة الأولى ومكانها فى الصورة وممارستها الفاسدة والمفسدة، فلابد أن نستعيد إنجازات ناصر ومنطلقاته وحتى أحلامه.

لابد لنا جميعًا ونحن نتأمل مشروع عبد الناصر وسنوات حكمه أن يلفت نظرنا أنها من الحالات النادرة التى كان فيها النظام الحاكم سابقًا فى طموحاته وتحركاته للشارع ذاته.

هل نحن بحاجة لأن نتذكر قرارات مثل تأميم القناة، أو تحديد الملكية الزراعية، والإصلاح الزراعى، أو تحديد ساعات عمل الموظفين والعمال وتحديد مستويات أجورهم العليا والدنيا، ناهيك عن بناء السد العالى، أو السعى الدائم إلى وحدة الأمة، ولا أحدثك عن محاولات بناء قلعة صناعية شاملة لا تستثنى التصنيع العسكرى بكل مستوياته.

يبدو أن دائرة إنجازات الرجل والمرحلة تحاول توقعنى فى أسرها لكنى سأحاول أن أفلت منها إلى الفكرة التى أود أن أوضحها هنا، إنها ببساطة فكرة ما ينبغى أن يتوفر فيمن يصبح زعيمًا لمصر وبالتالى للأمة، وأنا أعتقد أن أهم ما ينبغى أن يتوفر فيه هو العشق اللامحدود للوطن والأمة، والقدرة الكبيرة على الحلم، والتفكير بطريقة لا تقليدية متحررة من أسر الاستسلام للواقع، فضلاً عن ما يسميه البعض (الكاريزما الإنسانية).

هل يعنى هذا أنى أوافق على فكرة الزعيم؟ الإجابة نعم، فالذى يتصدى لقيادة مصر فى هذه المرحلة بل وفى أى مرحلة لا يمكن أن يكون شخصًا متواضع الإمكانات والرؤى أو حتى عادى الإمكانات والرؤى.

 ولكن إذا سألتنى: هل أوافق على  منح هذا الزعيم شيكًا على بياض وتفويضًا غير مقيد على أن يفكر وحده ويتصرف وحده أو أن يمضى هو حيث شاء ونمضى نحن وراءه؟ فالإجابة هى النفى القاطع؛ ففكرة (المستبد العادل ) التى روج لها البعض فى بعض الأوقات هى فكرة لا يمكن لعاقل أن يقبل بها بأية درجة من الدرجات.

وأعتقد أن أهم ما حققته ثورة يناير أنها أسقطت واحدة من المسلمات التى عشنا مؤمنين بها لفترة طويلة، وهى أن الشعب المصرى لا يمكن أن يعتنق فكرة إلا وهى مجسدة فى شخص من الأشخاص بل انتفض الشعب الثائر ليؤكد إيمانه بالحرية  والتغيير والكرامة والعدالة الاجتماعية كأفكار مجردة من الأشخاص بعيدة عن التجسد فى قائد بذاته.

شعب بهذا النضج وذلك العمق الحضارى جدير بأن يحكمه حاكم عاشق حالم يمتلك رؤية، ولكنه جدير فى الوقت ذاته ألا يمنح هذا الحاكم أية درجة من درجات التفويض المطلق الذى يجعله العاشق الوحيد أو الحالم الوحيد أو الرائى الوحيد أو الحاكم الأوحد.

 

دون عشق لا زعامة

دون إطلاق لروح الحلم نشوى مستهامة

لا  مدى يصفو ولا طير يحلق

لا ولن تعلو لنا فى الكون هامة

فاحمل الآن القضية ولتسر

وليحفظ المصرى فى الدنيا مقامه

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة