17 - 07 - 2024

نعم أنا فل كبير

نعم أنا فل كبير

(أرشيف المشهد)

1-10-2011 | 18:42

فاكرين الهندسة، ذلك العلم اللذيذ الذي كنا ندرسه في المرحلة الإعدادية، كان المدرس – لم يكن يوجد على أيامنا ما يسمى إضرابا للمدرسين – أقول كان مدرس الرياضيات يضع السؤال "اثبت أن الزاوية التي تمثل قاعدة لمثلث متساوي الساقين هي زاوية قائمة" وبعد أكثر من تكرار لكلمة بما أن مع معطيات المسألة والمعادلات الهندسية المرتبطة بها نصل إلى النتيجة التي تبدأ بكلمة إذن ثم الإجابة نعم المثلث قائم الزاوية.

 بصراحة ألحت علي نظرية الاستنتاج هذه بشدة أمام مجموعة من المشاهدات، تربط بينها نظرية المؤامرة، وأصابع خفية ذات امتدادات أمريكية وربما إسرائيلية أيضا، أوجع قلبها أن يقوم للمصريين قائمة، بعد أن استطاع هؤلاء البسطاء – أو الرعاع كما أطلق نيتانياهو رئيس وزراء العدو على الشباب الذين اقتحموا السفارة الإسرائيلية في مصر وهو لقب يشرفني أن أحمله بالمناسبة إذا اقترن بهذا الفعل لقب الرعاع – أقول هؤلاء البسطاء استطاعوا خلع نظام أكبر عميل لهم في الشرق الأوسط، وهي أزمتهم الحقيقية وأزمة مجموعة أخرى من الدول والأنظمة العربية العميلة لهم أيضا.

أقول هذا بعد أن قرأت التقرير الذي نشرته صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في افتتاحيتها وصفت فيه موقف المجلس العسكري في مصر المتمثل في رفضه الاقتراض من البنك الدولي والنزاع مع ادارة أوباما حول الأموال التي تقدمها الولايات المتحدة لمنظمات مصرية بأنها مواقف "غيرمقبولة". وقالت الصحيفة الامريكية ان المجلس العسكري "المتخبط" يساهم برفضه تلك الأموال بشكل أساسي في المشكلة الاقتصادية الحالية في مصر. وأضافت الصحيفة أنه برغم تلك المواقف غير المقبولة فإنه يتوجب على الولايات المتحدة والدول الغربية عدم التأخر في تقديم ما وعدت به من مساعدات مالية لمصر فورا ودون تأخير. ونعتت واشنطن بوست تردد الكونجرس بشأن التلكؤ في تقديم المعونات المالية لمصر, بأنه "قصر نظر".

وتابعت: "ربما يكون كل من صعود الإسلاميين وسوء العلاقات مع اسرائيل مخاطر محدقة ولكن اذا تأخر الدعم المالي لمصر فإن هذا الخطر سيقترب أكثر من الحدوث اذا عجزت الحكومة المصرية عن دفع رواتب الموظفين وخلق فرص عمل للشباب المصري في الشهور القادمة ". واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول "ان عدم توافر أموال سائلة بشكل عاجل في ايدي الحكومة المصرية في هذه الفترة الحاسمة حيث تقبل البلاد على معركة انتخابية مفصلية" سيصب في مصلحة الاسلاميين ومن يتبنون أجندات مناوئة للغرب".

انتهت الافتتاحية المشبوهة، تاركة كمية ضخمة من التساؤلات الوقحة، التي لا تقل في وقاحتها عن تلك التصريحات التي أطلقها الوغد نيتانياهو، عندما تحدث عن مخاوفه من الحالة الأمنية في سيناء بعد التفجير السادس لخط الغاز، محاولا الإشارة إلى المطالبات الداخلية في إسرائيل بالتدخل في سيناء عسكريا لحماية المصالح الأمنية والاستراتيجية لهم. هذه التصريحات تمثل ضغطا على الحكومة المصرية القائمة - سواء اتفقت أو اختلفت مع تصرفاتها - تجاه تعزيز القوات العسكرية في سيناء تحسبا لأي احتمالات، بما يشكل ضغطا اقتصاديا.

في نفس الوقت وظروف التوتر العسكري مع دولة العدو، تجد أن الاحتكاك بين الشارع ورجال الأمن الشرفاء - أقول الشرفاء - شديد الخشونة. أنا شخصيا لا أحب التعامل مع الشرطة، البدلة البيضاء بتاعتهم شكلها "بينرفزني"، والبدلة السوداء أحس أنها تفضح سواد من يرتديها، في الحقيقة كنت أتمنى أن يتم تغيير الزي الشرطى لأي لون آخر، حتى لو كان اللون الكاكي بتاع بدل الجيش، ومع ذلك هناك تعمد حقيقي في الخشونة مع محاولات العودة للعمل من قبلهم، أضف إلى ذلك الإضرابات المتتالية لأمناء وأفراد الشرطة بسبب الأوضاع المالية، تصل إلى نقطة ضغط اقتصادي أخرى على الدخل القومي المستنزف أصلا بسبب أن العمل في المصانع والشركات لم يعد إلى سابق عهده مع التراخي الأمني.

ثم تفاجأ بعمال وموظفي السكك الحديدية يوقفون العمل ويعتصمون على القضبان لتتوقف حركة القطارات في مصر كلها، لأن إدارتهم لم تصرف لهم الحوافز – وليس المرتب - عن الشهر الماضي ليتسببوا في خسائر تصل إلى 30 مليون جنيه في يوم واحد. ثم عمال النقل العام ينقطعون عن العمل بسبب الحوافز أيضا، ويتسببون في خسائر تتزايد يوميا حتى وصلت إلى 11مليون جنيه وقد تزيد مع تزايد مدة الاعتصام، ثم اعتصام المدرسين الذين يطالبون بمطالب – في رأيي – مبالغ فيها مع ما تحقق لهم، واعتصام أئمة المساجد بالأوقاف بسبب الفلول، وكل هذه الاعتصامات أموال مهدرة.

ألم يفكر أحد ويسأل نفسه، لماذا يلح البنك الدولي في عروض الإقراض لمصر، بعد أن كنا نحن نتسول إليه ليفعل سابقا؟ ألم يسأل أحد نفسه من أين ستأتي الحكومة بهذه الأموال بعد أن أعلنت سابقا أنها لن تقترض من البنك الدولي؟، إذا نجح البنك الدولي في مساعيه الحثيثة لمنح مصر قروضا فإنها ستكون قروضا مشروطة، تلوي رقبة مصر وليس ذراعها فقط، بعدها لن تكون حرا أبدا، كما كنا في العهد السابق، وهو سر إلحاح واشنطن على مصر لقبول قرض البنك.

أعلم انني عندما أكتب هذا فإنني أسبح ضد التيار، وأنني سأتهم بالعمالة للحكومة وللأمن، وسأتهم أيضا بالفلولية – نسبة للفلول – ولكن الفئويات أيا كانت مصادرها ضغط حقيقي على الاقتصاد القومي، ويمكن تأجيلها، هذه المطالب يمكن أن تنتظر انتهاء الأزمة السياسية في البلاد، وستكون الحلول المقدمة وقتها أفضل كثيرا، لأن الإضراب ليست هذه طريقته، الإضراب له أصول، المفترض في الإضراب ألا تتأثر مصالح أي فئة أخرى بإضراب إحدى الفئات، الإضراب في حد ذاته ضغط على الحكومة، ولأنه حق مكفول للعمال، فله ضوابط تنظمه. فعندما أضرب الأطباء عن العمل كان إضرابهم مثالا يحتذى، لم يتأثر مريض واحد بالإضراب، تناوب الأطباء الوقوف في الإضراب مع النوبتجيات، طبيب ينهي فترة عمله ليقف في الإضراب ويدخل زميله مكانه إلى العمل تلقائيا. هذه هي أصول الإضراب، حتى لا نمنح أمريكا الفرصة من جديد لتعطينا قروضا تلوي بها رقابنا.

بعد كل هذا لست أجد ما أقوله لمن سيتهمني بأنني من الفلول، سوى أنه إذا كان كل هذا الاستنتاج المنطقي يعد فلولية، إذن فأنا فلٌّ كبير.

مقالات اخرى للكاتب

نعم أنا فل كبير