17 - 07 - 2024

روح مصر

روح مصر

(أرشيف المشهد)

2-10-2011 | 14:23

ربما لا يفهم رجل الشارع العادي في الألاعيب السياسية التي تمارسها بعض الأحزاب والحركات مع المجلس العسكري الذي يتولى زمام تسيير الأمور منذ الإطاحة بالرئيس السابق، غير أن الناس تفهم جيدا النتائج الناجمة عن حالة الشد والجذب بين أطراف اللعبة المختلفة، التي يسعي كل طرف منها إلى تعظيم مكاسب أو الحصول على بعض الفتات المتساقط عن أفواه نهمة تريد الاستحواذ على كل شيء بغض النظر عن مصالح مصر ذاتها.

بعد ثورة 25 يناير، والتضحيات التي قدمها فتية آمنوا بحق وطنهم في حياة أفضل، اعتقد المصريون جميعا، وربما الشرفاء في العالم أجمع، أن عهد التهميش والافقار قد ولى بلا رجعة، وأن صفحة جديدة سيفتحها المصريون على التاريخ، بما يعيد إليهم حقوقهم في الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة التي نادت بها ملايين الحناجر في ميدان التحرير وباقي ميادين المدن المصرية، غير أن واقع الحال حتي اللحظة الراهنة يقول إن الآمال العظام تتبخر يوما وراء الآخر.

الثوار باتوا بلطجية، وسرقة الثورة تتم جهارا نهارا، من قوى خرجت من عباءة النظام الفاسد القديم أو كانت على وئام معه إن لم تشاركه جريمة نهب المصريين وإذلالهم على مدى 30 عاما، فيما القوى التي كانت وقودا للثورة وخاصة الشباب تفرقت شيعا وائتلافات، بما أعطى للطيور الجارحة والكواسر فرصة الانقضاض على الفريسة.

وما يزيد المشهد اضطرابا، أننا أمام حكومة تجميع محلى، لا تجد انسجاما بين أطرافها، وعلى رأسها رجل طيب يبدو كتائه في مولد يحفل بالزوار، حكومة لا تملك من قرارها شيئا، فوجدناها تغرق في بحر متلاطم من المطالب والتظاهرات الفئوية، التي فشلت في التعامل معها في المهد ومنذ وقت مبكر، بتأخرها في اتخاذ القرارت التي كان يمكن أن تقلل من حجم الظاهرة، بدلا من الارتباك والارتجالية  التي باتت تحكم الأمور.

أما المجلس العسكرى الذي عهدت إليه بحماية التركة وتوزيعها على أصحابها بالعدل، فلم يكن أفضل حالا من حكومة يتهمه البعض بتحريكها من وراء ستار، فهو لا يستجيب إلا تحت ضغط المليونيات، وآخرها إلغاء المادة الخامسة من قانون الانتخابات، ووضع جدول زمني لانتخاب أعضاء مجلسي الشعب والشورى، ودراسة منع فلول الحزب الوطني المنحل من العمل السياسي.

وفي المشهد أيضا تظل أحزاب الـ"فيس بوك"، في معاركها الكبيرة والصغيرة ضد ما يراه نشطاؤها، خطأ أم صوابا، في هذا الموقف او ذاك، والجميع لا يرى الحقيقة إلا من وجهة نظره، وباقي الاجتهادات رجس من عمل الشيطان، يجب محق اصحابها ومحوهم من الخريطة، من دون ذرة تسامح، رغم تشدق البعض بالحديث عن الديمقراطية والحرية، وقبول الآخر.. إلى آخر المنظومة التي بات الناس يحفظونها عن ظهر قلب من كثرة ترديدها على ألسنة، اصحاب مقولات: أنا أعتقد، وأنا أظن، وأنا أرى...إلخ.

أضف الى ذلك إعلام، يتلاعب بالحقائق لصالح هذا الطرف أو ذاك، بل ويلعب في بعض الأحيان دور المحرك على اثارة الفتن، والوقيعة بين مختلف الاطراف، ووجدنا معارك تستخدم فيها جميع الاسلحة اللفظية المحرمة، من أجل تحقيق انتصارات وهمية ستعود بالوبال على أصحابها في النهاية.

وأمام كل ذلك لا أحد يسال نفسه السؤال الجاد، الى أين نحن ذاهبون، وكيف نخرج من الحالة التي وصلنا اليها من تناحر، وتكالب بهلوانات السياسة على المغانم، من دون الالتفات الى مصلحة مصر، رغم تغني الجميع باسمها، والتودد اليها، ومصلحة مصر ليست في المعارك البيزنطية، وإعادة اختراع العجلة، بل في التوحد ، والالتفاف حول المشروعات الكبرى واطلاق المبادرات الخلاقة التي تخرجنا من حالة العجز والاعتماد على الآخرين في قوتنا اليومي، بعد سنوات طوال من الركود الذي تعمد النظام البائد ادخالنا فيه.

 وليكن في نصر أكتوبر الذي نحتفل به هذا الاسبوع، دافع لاستلهام روح جديدة تعيد إلى مصر ما فاتها من ايام، وما ضاع منها خلال سنوات، فمصر للجميع ولا يمكن لاحد مهما ملك من قوة إقصاء الآخرين.

 

مقالات اخرى للكاتب

روح مصر