17 - 07 - 2024

الثورة بين إرادة الشعب وحكم العسكر

الثورة بين إرادة الشعب وحكم العسكر

(أرشيف المشهد)

3-10-2011 | 22:14

لا أدري أي سوء طالع هذا الذي يلازم الشعب المصري، فما كادت صدورهم تستنشق نسائم الأمل حتى فوجئوا بأن من استأمنوه ليكون درعاً لثورتهم  يتحول -بسوء نية أو بسوء بصيرة- إلى مناهض لها، فبعد مرور ثمانية أشهر على انطلاق ثورتنا المجيدة، لم ينجح المجلس العسكري الحاكم سوى في قتل روح الثورة لدى المصريين.

من كان يصدق أن الثمانين مليوناً الذين استقبلوا صباح الثاني عشر من فبراير بعزيمة تدك الجبال، سيتحولون إلى أشباح ينتظرون إحسان الجنرالات.

ومن كان يتخيل أن فئران النظام البائد التي ما إن سقط سيدها حتى هرعت إلى جحورها مذعورة تتنتظر رصاصة الرحمة، فإذا بها اليوم تقفز لتحتل صدارة المشهد.

لقد غاب عنا أن الهدف الأساسي لأي ثورة في الدنيا هو التطهير، فانشغلنا عنه بأمور شكلية وردَّدنا كالبلهاء أحاديث عن العفو والتسامح بينما دماء الشهداء لا زالت تنزف، وتوهمنا -ويا للعجب- أن العفو عمن ارتوت عروقهم من دماء الشعب، والتسامح مع من استمرأت ألسنتهم لعق الأحذية يمكن أن يصلح حال أولئك أو يوقظ ضمير هؤلاء.

وها هي النتيجة، ذيول أمن الدولة يسيطرون على المواقع القيادية، وفلول النظام البائد يعدون أنفسهم لقيادة المرحلة، وقيادات الحزب المنحل يهددون ويتوعدون من داخل زنازينهم، وحملة المباخر يتصدرون المنابر الإعلامية، والمرتزقة يهتفون باسم المخلوع في حراسة الدولة في مشهد لو حدث عقب أي ثورة في الدنيا لهوت مقصلة الثورة على رقابهم، وفي النهاية بدلاً من أن تثلج العدالة الثورية صدور المقهورين توشك العدالة الهزلية أن تمنح صك البراءة للقتلة والطغاة والفاسدين، وبدلاً من تفعيل قانون الغدر يُستدعى قانون الطوارئ الذي لا يمكن أن يستخدم إلا لتكميم الأفواه وإرهاب الفكر وإعادة بلطجة الشرطة.

للأسف يبدو لي أن جنرالات المجلس العسكري يديرون البلاد كما لو كانوا يريدون أن يكره المصريون ثورتهم، ويفقدون الأمل في الإصلاح، وأخشى أن نستيقظ من حلم الثورة على كابوس لنفاجأ أننا لم نُسقط من النظام سوى أضعف ما فيه.

وفي النهاية رغم قتامة الصورة أثق أن الثورة ما زالت بأيدي الشعب، ويمكنه وحده تصحيح مسارها، ولكن عليه أولاً أن يستعيد روح 25 يناير وألا يستسلم للمخطط المرسوم بدقة لإفراغ الثورة من مضمونها، حتى ولو ظل عرشه أبد الدهر خليا من الملوك، وليستلهم أبيات الرائع تميم البرغوثي:

الصبر طول العمر خير من خلاصٍ كاذبٍ

ما فيه من صفة الخلاصِ سوى اسمهِ

من كان ذا حلمٍ وطال به المدى فليحمِهِ

وليحمِ أيضاً نفسَهُ من حلمِهِ

فالحلم يكبر أشهراً في يومِهِ

ويزيد دَينُ الدهر حتى يستحيلْ

فإذا استحالَ ترى ابن آدم راضياً من أي شيءٍ بالقليلْ

لا تقبلوا بالقبحِ يا أهلي مكافأة على الصبر الجميلْ

مقالات اخرى للكاتب

الثورة بين إرادة الشعب وحكم العسكر