17 - 07 - 2024

ليست نظيفة للأسف!

ليست نظيفة للأسف!

(أرشيف المشهد)

4-10-2011 | 17:52

قبل ما يزيد على عشر سنوات، زار عاصمتنا العريقة، أديب عربي بدعوة رسمية لحضور فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، وبعد عودته الى بلده كتب مقالا، ليس عن المعرض وحُسن تنظيمه، كما كان يتوقع الذين دعوه وحجزوا له في فندق فخم على النيل، بل عن قذارة القاهرة وتلوثها الذي لا يطاق ولا يُحتمل، كان مقالا صادما، أقام الدنيا ولم يقعدها، ودفع عددا لا بأس به من الكُتاب الذين احتفوا بكاتبه خلال الزيارة، الى التبرؤ منه، وبعضهم كال له في مقالات نشرتها صحف محلية شهيرة شتائم يعاقب عليها قانون أي بلد محترم، وبالطبع لم تُوجه إليه من ذلك الحين أي دعوة أخرى لزيارة أم الدنيا، ولكن ما الذي تغير بعد تلك السنين؟ تلال القمامة صارت منظرا مألوفا في أحياء القاهرة كافة- وإن كانت المشكلة تزداد حدة كلما كان الحي فقيرا أو شعبيا وتخف نسبيا في ما يسمى بالأحياء الراقية- وروائحها التي تزكم الأنوف تكاد أن تتحول إلى أمر اعتيادي من طول معاناة الناس منها. القاهرة يعيش فيها أكثر من 20 مليون نسمة، ما يجعلها بين أكثر مدن العالم ازدحاما، بل ان اجمالي سكانها يماثل سكان عدد من الدول، ولكن هذا بالطبع لا يبرر أن تكون غير نظيفة، خصوصا أنها عاصمة الدولة وتضم الكثير من المقاصد السياحية، والأهم هو أن انعدام النظافة يعد اهدارا لحق ناس تلك المدينة في العيش في بيئة صحية، ومن غير المقبول وصمهم بعدم النظافة لأن ذلك يجافي الواقع، على الأقل داخل البيوت، بيوت الناس نظيفة من الداخل، والمشكلة تبدأ خارج تلك البيوت، أي من حيث تبدأ مسئولية الجهة المعنية برفع القمامة من الشوارع الى حيث تُدفن أو تُحرق أو يُعاد تدويرها، يحدث هذا رغم أن هناك ما يسمى بـ"هيئة نظافة وتجميل القاهرة"، لكنه لابد أن يحدث في ظل غياب صناديق القمامة بصورة غامضة، ووعود يطلقها رئيس تلك الهيئة ومسئولون أرفع منه مرتبة دون أن يُنفَذ منها شيء، هناك شركة "الفسطاط" التي تعمل في رفع القمامة مع عدد من الشركات الأجنبية ولا أعرف لماذا هي أجنبية. هناك، مثلا، وعد بزيادة مساحة المسطحات الخضراء، مع أن الموجود منها تغطيه الزبالة، وصار مأوى للكلاب الضالة، وحتى الخراف التي تُعد للذبح كل عام في عيد الأضحى! المحافظ عبدالقوي خليفة لديه مشروع للتعاون مع الجامعة الأمريكية لإنشاء مصانع لتدوير المخلفات الصلبة وتحويلها الى مواد أولية تستخدم في صناعات أخرى. مرتبات عمال النظافة متدنية، دون مبرر معقول، وكثيرون منهم يتسولون من راكبي السيارات والمارة، ويمكن رصد أعداد كبيرة منهم يتجمعون عند المقابر، خصوصا في عيدي الفطر والأضحى، يسألون الزوار "الرحمة"، أي الفطير والبلح والبرتقال والجوافة... وما تيسر من الفكة، وبالطبع ينكر رئيس هيئة نظافة وتجميل القاهرة أن هؤلاء من العاملين في هيئته وأن دافعهم إلى التسول هو تدني رواتبهم غير المبرر في ظل كونهم عرضة للإصابة بأخطر الأمراض، واقع يحيي حنينا الى القاهرة كما تجسدها أفلام الأبيض والأسود، كلما اشتدت معاناتنا من أمر حياتي أخذنا حنين جارف إلى الماضي لأن ثقتنا في وعود المسئولين عن تلك الأمور، وبينها بالطبع نظافة شوارعنا، منعدمة، يدفع الناس لهيئة النظافة، من خلال فواتير الكهرباء، ويدفعون أيضا لجامعي القمامة، ومع ذلك تقول شركات النظافة إن لها مستحقات متراكمة تقدر بعشرات ملايين الجنيهات، وتتخذ من ذلك مبررا لتقاعسها عن العمل بالذات في الأحياء "غير الراقية"، هناك تفكير في تحويل هيئة نظافة وتجميل القاهرة الى شركة قابضة، بعد أن تندمج فيها شركات النظافة التي ليس بينها سوى شركة وطنية واحدة، هناك تفكير في الاستعانة بجمعيات أهلية لرفع القمامة من الشوارع، هناك تفكير في فسخ عقود الشركات غير الملتزمة، هناك تعهد من جهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة بتجديد وتحديث معدات هيئة نظافة القاهرة، هناك لوم دائم للناس، ولا تزال تلال القمامة تصفعك أينما وليت وجهك، عمليات الهدم والبناء التي تزايدت في الفترة الأخيرة، في ظل تقاعس المحليات عن أداء عملها تزيد الطين بلة لأن من يهدمون ويبنون يلقون مخلفات عملهم غير المرخص أصلا في أي مكان، لكن أليس من يفعلون ذلك معروفين ويمكن تطبيق القانون عليهم بدلا من التغاضي عما يفعلون في اطار مبدأ "شيلني وأشيلك"؟ وأخيرا ألم يكن الأديب العربي الذي وضعوا اسمه في القائمة السوداء لأنه كتب أن القاهرة ليست نظيفة للأسف، على حق؟        

مقالات اخرى للكاتب