17 - 07 - 2024

الطغاة يلعنون الثورة ونحن نصنع الصنم

الطغاة يلعنون الثورة ونحن نصنع الصنم

(أرشيف المشهد)

5-10-2011 | 16:46


أزور قسم الشرطة لأجدد جواز السفر! طوابير معتادة، و"خناقة" معتادة أيضاً، شابة صغيرة ضد رجل كبير، معتاد أنا على هذه الأمور، ولكن فجأة يهل علينا العقيد يتهادى من مكتبه وينظر إلى الشابة الصغيرة شذراً وبوجه رخامي قاس يذكرك بضباط أمن الدولة يقول: "هي دي أخلاق الثورة؟ وشباب الثورة؟ حاجة تقرف!"، قبلها وفي مطار القاهرة وفي نفس يوم الاستفتاء على الدستور وكنت مسافراً إلى إحدى الدول، في طابور الجوازات يقف أمامي شاب يتحدث معي انها أول مرة يسافر ورغم أنه من محافظة بعيدة إلا أنه صمم على المشاركة في الاستفتاء قبل السفر ليذوق طعم الحرية والكرامة، وصلنا إلى الضابط، فوجئت به يتحدث مع الشاب بطريقة غاية في الصفاقة، وعندما حاول الشاب أن يرد عليه قال الضابط بمنتهى الحقد: "هي دي الثورة، ده انتم مينفعش معاكم غير الضرب"، في كلتا الحالتين تحول المشهد إلى "مشادة كبيرة" بين من استفزهم الكلام وهم القلة مع الأسف وبين الضابط المتطاول وباقي الجمهور الصامت المتفرج والمؤيد في بعض الأحيان بكل أسف!

 لا تدفنوا رؤوسكم في الرمال، العديد من ضباط الشرطة كارهون للثورة وللثوار، يلعنونها في أحاديثهم وجلساتهم الخاصة والآن أصبح في جلساتهم العامة وأمام الجمهور والذي أغلبه لم يتحرر من خوفه بعد! الكثير منهم -كما حكى لي صديقي ضابط الشرطة الثائر الشريف- قام بوضع صورة الرئيس المخلوع على صفتحه على "فيس بوك"!! وذهب يمجد فيما كان قبل الثورة، لا تتحدثوا عن الضباط الشرفاء وضباط ضد الفساد، هؤلاء قلة وبكل أسف وأعرف بعضهم وهم بالفعل شرفاء في وسط مجتمع يلفظ الشرفاء، كارهو الثورة من الضباط هم عنصر فاعل في الثورة المضادة ووجودهم بهذا الشكل في منتهى الخطورة على الثورة وعلى الثوار، كل ما يحتاجونه الآن مزيد من السكوت الشعبي والخوف لكي يعملوا كما كانوا، وتحت مسمى مكافحة البلطجة والجريمة (وهم من غضوا الطرف عنها بعد الثورة تماماً) يتم استعادة عناصر البطش وأدوات التعذيب التي لم يتم التخلص منها بعد.

 

الأخطر الآن هو أن ينتقل المرض إلى بعض ضباط الجيش! نعم ولن أدفن رأسي في الرمال، ألاحظ بشكل متدرج عدوى الجبروت وزهو السلطة والإحساس الزائف بالقدرة على التحكم في الناس تنتقل إلى بعض ضباط الجيش (بعض وليس كل وخاصة صغار السن لكي أكون منصفا)، الآن وبعد عهود من الابتعاد عن السلطة والاحتكاك بالجمهور تجدهم يمارسون السلطة ويتعاملون مع شعبنا الطيب المسالم بطبعه، أنظر في وجوه بعضهم في اللجان وفي المظاهرات فأجد نفس النظرة المتسلطة المتكبرة التي كان يتمتع بها ضباط الشرطة وضباط أمن الدولة! وبعض أفراد شعبنا يمارسون الدور السيئ الذي مارسوه من قبل مع الشرطة: تعظيمهم والنفخ فيهم! الخضوع لهم والمجاملة الفجة! الصمت على ظلمهم وتعاليهم! ألا لعنة الله على السلطة حين تكون في يد كل من لا يفهم أنها مسئولية وأن من ولي من أمر الناس شيئاً فشق عليهم فسيشق الله عليه، قلت لأصدقائي بعد الثورة إن مكوث الجيش في السلطة فترة طويلة سيؤدي إلى ظهور أمراض ضباط الشرطة في ضباط الجيش وهو ما بدأ وبكل أسف. لابد أن يرجع الجيش إلى ثكناته وإلى مكانه على الأرض وفي قلب الشعب المصري ولا يتحول إلى صنم جديد (والجيش المصري منا ونحن منه ولا أرغب له إلا في الخير).

 

تخيل معي أنه بعد الثورة مباشرةً وبعد أن أعلن المجلس العسكري أنه مع الثورة ومنها وأنه سيسلم السلطة في خلال ستة أشهر وأن الثوار أبناؤه، أنه خرج علينا من يقول: ان المحاكمات العسكرية ستكون هي الأصل للجميع، وانه سيعتقل نشطاء ويقدمون للمحاكم العسكرية وأن الثوار والنشطاء سيستنجدون المجلس العسكري ليفرج عنهم ولكنه سيرفض أحياناً ويقبل أحياناً أخرى، وفي نفس الوقت سيحاكم رموز النظام وسراق الشعب وقاتليه وجلاديه أمام القاضي الطبيعي وفي أجواء ناعمة وقضايا بسيطة ومحامين درجة أولى ومستشفيات فاخرة ولا مانع من فرصة لبعض الحركات بالأصابع للشعب (للتسلية فقط وقتل الملل)، وأن القوى الثورية والشعبية كلها ستطالب بتسريع نقل السلطة وأن المجلس العسكري سيتكرم عليهم ويمدها إلى 2013، وأنه هناك قنوات فضائية ستغلق وقنوات سيتم تهديدها، وصحف ستمنع وصحف ستحذر، وأننا سنستجدي قانون الغدر وأن فلول النظام وأبناء المخلوع سيعتدون على المتظاهرين أمام محاكمته وسيظهرون في الإعلام بشكل مكثف، وأن شخصاً يدعى "سبايدر" من عشاق المخلوع سيتحدث عن أعضاء المجلس العسكري وأبوتهم له ولا أحد سيكذبه! وأن الشهداء سيسمون "بلطجية" والمصابين "شحاتين"! وأن المحافظين سيتم تعيينهم بنفس الطريقة القديمة إلا قليلاً، وأن الاستقرار الأمني لن يحدث والبلطجة ستزيد، والطوارئ سيتم مدها! وأنه سيتم اتهام ثوار ونشطاء بالعمالة وتلقي الاموال وتهديدهم بدون تحقيق ولا إظهار لأدلة ولا أي مواجهة حتي بعد أن طلبوا هم أنفسهم التحقيق معهم! وأنه في اجتماع ما سيقوم رؤساء أحزاب –بعضهم من الثوار- بالتوقيع على بيان يضع خارطة طريق تنتهي في 2013 بدلاً من ستة أشهر كما هو الوعد، ثم ينتهي بصيغة من العهد البائد: "التأييد الكامل" مقابل وعد بدراسة وقف قانون الطوارئ ويمكن وجائز أن يفعل قانون الغدر إذا أراد المجلس العسكري، تأييد كامل إيه يا رجالة، هو لسة بعد الثورة فيه تأييد كامل؟ ومبايعة شاملة ورضوخ بلا شروط!!! . لو ظهر من قال كل ما سبق ساعتها لاتهمناه بأنه من أعداء الثورة مروجي الفتنة يريد أن يحبطنا وأن يفرق بين المجلس العسكري وبين الثوار والشعب وأنه من المستحيل أن يحدث!

 

يا شعب مصر الطيب الرائع الثائر لا تصنع الصنم، لا تقبل الظلم بعد اليوم، اكسر حاجز خوفك، لا تستسلم للطغاة، ولا ترض بالفتات، أنت قادر بإذن الله على الحصول على حياة كريمة مستقرة لك ولأبنائك، لا أدعوك لتخرب ولا لتضرب عن عملك ولا لتقطع طريق أو تهاجم سفارة! على العكس تماماً أنا أدعوك لتؤمن ولتعمل ولتنتج ولتدرس ولتغرس شجرة كلما استطعت ولكن... ولكن بكرامة وعزة! نعم بكرامة وعزة! لا تصنع الصنم ولا تسكت على الظلم ولا تركن إلى الظالمين، لا تقبله لنفسك ولا لغيرك، وإن لم تستطع فأرجوك -وبكل حب- لا تسخر ولا تهاجم من يحاول أن يحيا بكرامة ويعيش بعزة ويصنع مستقبلاً أفضل لهذا البلد! أنت تستحق الحرية والكرامة فلا تفرط فيها مهما كانت الظروف، إذا ما سمعت من يطالب بعودة الجيش إلى ثكناته وموقعة الرائع في قلب الشعب وتسليم البلاد إلى السلطة المنتخبة في أسرع وقت فأيده وبارك سعيه فأنت المستفيد وأولادك وأحفادك من بعدك، وإذا رأيت من يقف للظالم ويرد عليه ظلمه فلا تساعد الظالم وتؤيده ولا أقل من أن تصمت وإن كان الصمت يقتل أحياناً كما يقول إخوتنا في سوريا (صمتكم يقتلنا) فصناعة الطغاة ليس شرطاً أن تتم بنوايا سيئة وأن يقوم عليها الظالمون، أحياناً تتم بنوايا حسنة ويقوم عليها الطيبيون وهم لا يشعرون! أنت الأمل أيها الشعب بعد أن فقدنا الأمل في النخبة، أرجوك لا تصنع الصنم!

 

الثورة تحتاج من يحميها! ولن يحميها -بعد الله- إلا كل من يقدم مصلحة الوطن على مصلحته الشخصية، ولا ينتظر قطعة من الكعكة! يقف مثل من وقف في أيام التحرير الثمانية عشر يدافع عن الميدان "الثورة" في وقت الخطر مضحياً بحياته، شخص مثل الذي قابلته في أيام الميدان: لا يملك إلا جنيها ونصف جنيه ويطلب من بائع الكشري أن يعطيه بعض الكشري بـ جنيه ويترك له النصف ليركب به المواصلات، وبائع الكشري البسيط يعطيه ويرفض أخذ الـ جنيه ويستمر مشهد الإيثار الرائع بينهما! هذا البسيط الرائع شارك في كل أيام الثورة وفي موقعة الجمل وهو في الستين من عمره وهزم خوفه رغبة في حياة كريمة وحرية يستحقها ولا شك، المجد لك يا أبي الفاضل ولا عزاء للمنافقين القافزين على أكتاف الثوار... نعم لا عزاء!

مقالات اخرى للكاتب

الطغاة يلعنون الثورة ونحن نصنع الصنم