17 - 07 - 2024

مزاد الديمقراطية فى وطن ذبيح

مزاد الديمقراطية فى وطن ذبيح

(أرشيف المشهد)

4-10-2011 | 18:56

منذ ساعات خلت شاهدت مؤتمرا صحفيا فضائيا لما يسمى بــ "التحالف الديمقراطى"، وهو تحالف يضم مجموعة أحزاب أشهرها حزب جماعة الإخوان وحزب الوفد، والهدف من التحالف هو الفوز بمقاعد البرلمان فى انتخابات بلون الدم، ذكرتنى طريقة عرض المؤتمر واختلاف المشاركين فيه بطريقة عرض المزاد العلنى والمتحدثين بالتجار المزايدين فى حلبة المزاد، كل منهم يزايد على الآخر، منهم من يهدد بالانسحاب من التحالف، ومنهم من يراوغ ليرفع أسهمه وهو لايملك شيئا، ومنهم من هو مدفوع باسم آخرين، ومنهم من يحافظ ويحرص على وجود شركاء له من صغار التجار حتى لايزايدوا عليه ويجعلون الصفقة تذهب لمنافس آخر ذى رأسمال كبير، ومنهم من يدخل المزاد وهو معدم إلا من رخصة دخول المزاد، ومهمته المزايدة ورفع السعر على التجار المتنافسين الحقيقيين لكى يفوز بترضية مالية من أحد القطبين المتنافسين الحقيقيين صاحبى رأس المال، ميزة هذه الطريقة انها تمنح مكسبا سهلا لمن لا يملك رأسمالا حقيقيا يمكنه من الفوز بالمزاد، ولها ميزة أخرى أنها تحافظ على نصيب الأسد لصاحب أكبر رأسمال فى هذه الشراكة، وأيضا تمكنه من الفوز على منافسه الحقيقى بالضفة الآخرى.

هذه هى الديمقراطية لدينا تدار بعقلية التجار فى مزادات تسمى بلغة السياسة تعددية حزبية، عفوا أقصد تعددية ورقية، ولها ميزة أخرى لدى صاحب السلعة الذى طرحها فى المزاد أنه عرف قيمة وقدرة كل من دخل المزاد، ويمكن أن يبنى حساباته المستقبلية على هذا الأساس، ويعرف من الجاد ومن السمسار ومن المتسول ومن اللص ومن الانتهازى.

يوجد لدينا مزادات تجارية ولاتوجد ديمقراطية حقيقية، ونجاح المزاد يتوقف على مبدأ تكافؤ الفرص بين عديد من التجار الذين يتمتعون بمراكز مالية متساوية لتحقيق منافسة شريفة، وفى غياب المنافسة ووجود متعامل رأسمالى وحيد يمكن إسناد المعروض له بالأمر المباشر، مبدأ تكافؤ الفرص ضرورى لأى منافسة فى أى نوع، والثورة جاءت لتنصف المضطهدين والمهمشين فى الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والسياسية، الثورة قامت لتغير وضعا لصالح الأغلبية وليست لتقر واقعا لصالح أقلية ثرية تستطيع إدارة الدفة والتحكم فى الفقراء البسطاء بالمال وأكياس السمن والسكر والزيت، أقلية أُتيح لهم تكوين ثروات بعيدا عن هذا الشعب وعلى حسابه بينما الشعب يصارع من أجل كسرة خبز يسد بها رمق جوعه، الثورة لم تأت لانتصار أقلية انتهازية على حساب أغلبية أضناها الفقر وعذبها السوط والصمت. إذا لم تنحاز الثورة للأغلبية المهمشة فلن تكون ثورة بل عملا إجراميا وفى أبسط صوره عملا إصلاحيا يثبت وضع من يملك ويدمر حق من لايملك، الثورة هى رسول العدالة فى العصر الحديث للفقراء والمهمشين، تنصف الغنى بألا تسلبه ثروته، وتنصف الفقير بأن تمكنه من الخروج من بؤرة الفقر والنهوض بمستواه ليتمكن من المنافسة الحقيقية، وهنا تكون المنافسة شريفة عندما تتكافأ الفرص، والانتهازى هو الذى يفكر فى نفسه ويبحث عن فرصته فى زمن غابت فيه فرصة غيره، ومن يتحدث عن حقه وجاهزيته للحظة التجارة والشطارة فلماذا لم يعلن حقه وجاهزيته فى زمن عز فيه القول، بل وغاب عنه حتى فعل إدانة الحاكم بلفظ قاس؟ فى زمن كان التجار يتملقون الحاكم ويعلنون تأييدهم وترشيحهم له، ولايقدمون على المشاركة فى منافسة غير مضمونة العواقب إلا بعد نجاحها والإطمئنان على أن دخولها مأمون ومكسبها مضمون، وماهذا بتجنى بل منشور وموثق على شبكة الإنترنت، ولايخفى على أحد أن الثورة صاحبة فضل على هؤلاء ولولاها ما استطاعوا أن يطالبوا ويمارسوا حقوقهم الآن. هم استفادوا من الثورة فلماذا يحرمون غيرهم من استفادة الثورة، أم أن الثوار عبيد أزاحوا السيد الفاسد ليحل محله بانتخاب غير متكافئ الفرص سيد جديد يمنح بيمينه رُقية وبشماله  كسرة خبز.

ليس عيبا أن يكون المرء ثريا وجاهزا للتعامل مع البورصة السياسية لكن الخطأ أن تتاح له فرصة الممارسة فى زمن يمتلك أدواته وغيره محروم منها بفعل القهر، مرة أخرى الثورة دورها إقرار العدل والنهوض بالمجتمع وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص قبل فتح البورصة والسماح للمضاربين بدخولها وهم قلة تنهب ثروة المجتمع، تلك هى الثورة التى نعرفها وماعداها انتهازية مطلقة وسرقة وطن مذبوح، ويجوز الكلام عن الإسناد بالأمر المباشر لمن هو جاهز ويملك الثمن وغير مقبول الحديث عن منافسة فى مناخ ينعدم فيه تكافؤ الفرص.. فتلك مغالطة ترقى لحد الخطيئة فى وقت   لم ينجز الفعل الثورى ثورته، المزاد مازال مفتوحا وترتيبات التجار مازالت جارية.

مقالات اخرى للكاتب

العوار الوطنى.. إشكالية المثقف والسلطة