18 - 07 - 2024

الجدل العقيم والصمت الحكيم!!!

الجدل العقيم والصمت الحكيم!!!

(أرشيف المشهد)

  • 24-11-2015 | 17:19

"إذا تم العقل نقص الكلم" حكمة قالها على بن أبى طالب كرم الله وجهه، فإذا ما تأملنا معناها أدركنا أن الصمت كيان إيجابى وحيوى يُغذّى العقل، وينمى الفكر، فينعكس على الذات، فبكثرة الصمت تكون الهيبة!!، ويبقى المرء رهين كلامه، وفى وصية لقمان لابنه:" يابنى إذا افتخر الناس بحسن كلامهم، فافتخر أنت بحسن صمتك"، إن الصمت فن لا يجيده الكثيرون، وخصوصا «الصمت الحكيم» الذى ينأى بك إلى فضاء خالٍ ترفع فيه نفسك عن «لغو الحديث"، فقد تذهب ساعاتك الطوال  فى جدل عقيم، تحاول من خلاله  الانتصار فى معركة خاسرة، تنتابك  نزعة التغلب على الآخر، وإثبات خطئه، وتظل أنت والطرف الآخر  تخوضان فى بحر من الجهل ثم تصلان إلى لا فائدة، وتترسب فى النفوس مخلفات قد شُحنت سلباً، إننا أمة كلامٍ، برعنا فيه وأنشأنا له أسواقاً ومعارضَ، حتى فى الأساطير لم يُنقذ شهر زاد من الموت إلا الحكى وفنونه!! والآن أتساءل: هل الأصل الصمت أم الكلام؟ إن الأصل أن يسكت المؤمن ولا ينطق، فالاستثناء أن "يقل خيرا"، والأصل "أو ليصمت"، وقيل عن الصمت أنه العلم الأصعب من علم الكلام، وحصائد الألسنة تكون سببا فى كبِّ الناس على وجوههم يوم القيامة

يموتُ الفتى من عثرةٍ بلسانه                 وليس يموتُ المرءُ من عثرةِ الرِّجْلِ   

فعثرته من فِيِه ترمْى برأســـه           وعثرته بالرِّجْلِ تبـــــــرأ على مَهْلِ

فحقيق على المرء أن يدخر لسانه ولا يرسله فى غير حقِّه، ويسكت بحلم وينطق بعلم، فلا يتكلم بما لا يعلم، ولا يناظر ما لا يفهم، ولا يتعجل الجواب.

 أخى القارئ:

التزم الصمت، حين تدلهم الأمور،  وثق أنك ستكون فى تلك اللحظة أكثر قوة وقدرة على تقويم الوضع أمامك، ستنتصر بسلاح الصمت وتكسب الحكمة والرؤية الحقيقية، بلا خسائر، وحينما تتعرض لحديث غير جيد أو جارح، اترك للسكون فرصة، واذهب بصمتك.
بعيدا، وافتح صدرك لرحابة الكون وتأمل هذا الهواء النقى الذى تمتلئ به رئتيك وتشعر بعافيته، وأذهب بعقلك نحو الآية الكريمة (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) كم من خير يأتى من السماء فى تلك اللحظة، السكينة تنتصر، والتجاهل يهديك الهدوء النفسى والعقلى، حينها أنت من سيملك ذاته، ومن سيحسن التصرف مع نفسه.

حياة الناس أضحت منهكة، وحينما تحاصر أحدهم الضغوط يفقد بعض قدرته فى تحكمه فى ذاته، فيبدو له الصمت فى بعض المواقف انهزاما، ويذهب بنفسه بعيداً من دون إدراك، ويتوغل فى دهاليز الجدل والصوت المرتفع ولا يخرج إلى نتيجة ترضية، سوى نفس مشحونة وعقل متضخم وجسد منهك، ناسيا أن ( القوى هو من يملك نفسه عند الغضب).

فهناك فرق شاسع بين حوار نطلب من ورائه حقا أو علما، وبين جدال أشبه بمعركة انتصار مؤقتة،فالموتُ بداء الصمتِ خيرٌ من الموتِ بداء الكلام، فـــ بمئزر الصمت ائتزر، وبدثار السكوت التحفْ.

 ولله در الشاعر حين قال:
استر النفسَ إن استطعتَ بصمتٍ           إن فى الصمتِ راحةً للصَّموتِ
واجعل الصمتَ إن عَييتَ جواباً       رُبَّ قولٍ جوابُهُ فى السُّكوتِ
.

مقالات اخرى للكاتب

الجدل العقيم والصمت الحكيم!!!