26 - 06 - 2024

الموزاييك المصرى

الموزاييك المصرى

(أرشيف المشهد)

3-2-2014 | 12:56


لا أحد يستطيع أن يحتكر الوطنية، ولا أحد يستطيع أن يدعى اختصار الوطن فى صوته هو. لا أحد له الحق فى أن يلقى عباءة الوطنية على من شاء ولا أن ينزع هذه العباءة عمن شاء ليتركه فى عراء العمالة، أو يلقى به فى جحيم الخيانة، أو يصمه باللانتماء، لا لشىء إلا أنه يختلف معه فى الرأى أو الرؤية أو ينافسه على منصب أو يزاحمه على مكانة، ولا لأى سبب آخر.

لا يمكن أبدا أن نعتبر أن الجرائم التى تقوم بها فئة بذاتها مبرراَ لأن نتهم كل صاحب رأى أو رؤية بأنه ينتمى لهذه الفئة أو يتعاطف معها أو على الأقل يتسامح مع ممارساتها.

كل الجرائم التى تنال من أمن مصر مرجومة من المصريين جميعاً، كل الأزمات التى تفتعل من أجل عرقلة انطلاق مصر إلى الأمام مرفوضة من المصريين جميعاً، كل فعل يتم اتخاذه تحت شعار "نحن أو الدم" يبرأ منه المصريون جميعاً، هذه مسلمات وطنية يلتف حولها المصريون جميعاً، لكن هذه المسلمات لا يمكن أن تستخدم كغطاء لعملية "تخوين"  يمارسها البعض تجاه كل من يطرح رأياً أو يمتلك رؤية أو حتى لا يبدى حماساً كافياً لرأى بذاته أو لاتجاه بعينه !

مصر أكبر من الجميع، وعظمة مصر لا تأتى من اللون الواحد أو الصوت الواحد أو النغمة الواحدة، وإنما تأتى من تعدد الأصوات فى حنجرة الوطن، ومن تعدد الخيوط فى نسيج الوطن، ومن تعدد النغمات فى سيمفونية الوطن، المهم أن تتناغم الأصوات، وأن تتعانق الخيوط، وألا تتنافر النغمات.

إن نظرة قريبة إلى ميادين تحرير مصر فى يناير أو فى يونية سوف تؤكد لك أن هذه الميادين كانت تضم المصريين من الاتجاهات كافة ومن أصحاب الآراء المختلفة ومن أصحاب الرؤى المتعددة، طبعاً مع استثناء الإخوان المسلمين ومشايعيهم فى يونية، وإن نظرة أبعد إلى تاريخ مصر سوف تؤكد أن قوة مصر كانت دائماً تنبع من ثرائها الفكرى الوطنى، وأن هذا التعدد والتنوع كان يمنحها دائماً القوة لمواجهة أى خطر أو تهديد.

"الموزاييك" المصرى كان دائماً أحد أسرار عبقريتها وقوتها غير القابلة للتكرار، فلا يمكن أبداً أن نسلب مصر هذه الميزة الفريدة. المصريون قد يختلفون على أى شىء إلا محبة الوطن، وقد يتفرقون حول أى شىء إلا الإخلاص للوطن، فيا أيها الشاهرون سيوف التخوين فى وجه كل من يختلف معكم قى رأى، أو كل من ينافسكم على  منصب، أو كل من يزاحمكم على مكان أو مكانة: اتقوا الله فى أنفسكم، واتقوا الله فى المصريين، واتقوا الله فى مصر.

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان