26 - 06 - 2024

ثمانى عشرة ليلة

ثمانى عشرة ليلة

(أرشيف المشهد)

29-1-2014 | 13:47

شُفْتُ ثَمَانِىَ عَشْرَةَ لَيْلَةْ، مِنْ غَيْرِ كَوَاكِبَ وَأَهِلَّة، بِشُمُوسٍ تَطْلُعُ مِنْ وَطَنِى، تَسْطَعُ تَمْحُو طَعْمَ الذِّلـَّةْ، الأَذْرُعُ صَفْصَافُ بِلادِى، العَرَقُ بِهِ نَفَسُ الوَادِى، رَائِحَةُ الأَرْضِ المُبتلَّةْ، طُوفَانُ الكَلِمَاتِ مَنَابِرْ، أَعْمِدَةُ الطُّرُقَاتِ حَنَاجِرْ، تَنْتَزِعُ الأَصْوَاتُ حُرُوفِى، وَتَفُكُّ سَلاسِلَ حُنْجُرَتِى، حُنْجُرَتِى كَانَتْ مُحتلَّةْ.

شُفْتُ ثَمَانِىَ عَشْرَةَ لَيْلَةْ، تِلكَ لَيالِى القَدْرِ السَّاطِعْ، فَتَحَتْ أَبَوابَ سَمَاوَاتِى، رَسَمَتْ وَجْهَ اليَومِ الآَتِى، وَعَليهِ مَوَاجِيدُ مُطِلَّةْ.

تِلكَ ثَمَانِىَ عَشْرَةَ لَيْلَةْ، لا تَنسَوا يَومَاً رَوعَتَهَا، لا تَنسَوا أَبدَاً قَسْوَتَهَا، بَرزَخَنَا كَانَتْ، نَعْبُرُهُ، ونُرَدِّدُ فِي ثِقَةٍ جَمْعَاً، مِنْ للمَجْدِ سِوَانَا؟ مَنْ لَهْ؟؟

تِلكَ ثَمَانِىَ عَشْرَةَ لَيْلَةْ، أَم  سِرْبُ نَيَازِكَ نُبْصِرُهُ، يَجْمَعُ شُهُبَ العِزَّةِ حَولَهْ، تَطْلُعُ مُعْجِزَةٌ تَسْأَلُنَا: كَيفَ لِمَنْ قَدْ شَهدَ الرُّوحَ تُرَدُّ إِلى أَجْسَادِ المَوتَى أَن يَسقُطَ فِى شَرَكِ الغَفلَةْ؟ مَن أَنسَانَا رُوحَ هُدَانَا؟ مَن قَد نَصَبَ فَخَاخَ التِّيهِ لِيفقدَ رَكْبُ الثَّورَةِ عَقْلَهْ؟! 

تِلكَ ثَمَانِىَ عَشْرَةَ لَيْلَةْ، تَسْتَحلِفُنَا أَنْ نَتَذَكَرْ، لَحْظَةَ لاحَ السِّرُّ الأَكْبَرْ، حِينَ أَفَاقَ النِّيلُ وَأَلقَى، فَوقَ الجَمْعِ الثَّائِرِ ظِلَّهْ. تِلكَ ثَمَانِىَ عَشْرَةَ لَيْلَةْ، تِلكَ ثَمَانِىَ عَشْرَةَ لَيْلَةْ.

هكذا بدت الليالى الثمانى عشرة التى اجتمعت فيها مصر كلها على قلب رجل واحد. بدت معجزة بالمقاييس كلها، بدت لحظة استثنائية، لا فى عمر مصر وحدها، بل فى عمر الزمن ذاته.

إنها لحظات قد وقفت تسائل التاريخ عن أيام شبيهة، وحين تراه قد عجز عن أن يتذكر الشبيه تبتكر هى بذاتها لذاتها تاريخاً مبتكراً، ما له من سوابق.

واليوم وقد أكمل العام الثالث مروره أرانى أتطلع إلى الخلف، وفى كيانى مزيج بالغ التناقض من المشاعر ومن الأفكار، وأرى بى رغبة جامحة لأن أدعوك أنت أيضا لتتطلع معى إلى الخلف فى محاولة لأن تتعرف على طبيعة ما يمور فى نفسك من مشاعر حين تستعيد تلك اللحظات.

أين كنا يومها؟ وأين أصبحنا اليوم؟ وكيف يمكن لنا اليوم أن نستعيد ما كنا عليه يومئذ؟

كيف يمكن لمصر أن تصحو على انفجار هنا، وتفجير هناك؟ وهى التى أيقظت الدنيا كلها على زلزال نورانى ما له من شبيه؟

كيف يمكن لها أن تضع يديها على قلبها وهى تستعيد أمجد أيام تاريخها الحديث؟!

كيف يمكن لكرسى حكم أو عرش ملك أن يصبح غاية تراق من أجلها الدماء؟ وهى التى شيدت لذاتها سدة مجد فوق عرش السحب؟!!

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان